وقد قيل أيضاً? ?إنه لم يكن هناك أبدا مبرر أن نحارب ثم نفاوض?.. ?إنما كان الأفضل أن نحارب ونحارب?.. ?أى كان لابد أن تستأنف الحرب?.. ?وأنصار هذا الرأى قريبون من أولئك الذين يقولون إن الصراع بيننا وبين إسرائيل صراع وجود لا صراع حدود وهى عبارة قديمة نُحتت وأجادت التعبير ببلاغة منقطعة النظير،? ?كما هى عادة العرب،? ?عن عقيدة?.. ?وللحقيقة فإنى قد أحترم صياغة هذه العبارة أو بلاغتها لكن الواقع الذى أوصلتنا إليه الأنظمة العربية لا يقول ذلك?.. ?ومعنى أنَّ? ?الصراع العربى الإسرائيلى صراع وجود وليس صراع حدود?.. ?معنى هذا أنه مطلوب أن نبيد إسرائيل نهائيا ونبيد وجودها?.. ?وهذا بالطبع ليس من المستحيل لأنه ليس هناك مستحيل على الله سبحانه وتعالى لكن السياق نفسه لم يقل بذلك?.. ?فلم ندخل حرب ?8491 ?على هذا الأساس?.. ?ولم ندخل ?6591 ?على هذا الأساس?.. ?ولم ندخل ?7691 ?على هذا الأساس?.. ?ولم يكن الصراع العربى الإسرائيلى على هذا الأساس?.. ?ولكن يبدو الآن أن هذه العبارة قد صيغت بهذه الصياغة لتجهض كل المحاولات الجادة التى يمكن أن تحقق أى نصر?... ?وهذه قد يسمونها فى السياسة عندما يتأملون التاريخ بعد سنوات أنها نموذج حي? »?للمزايدة النهائية?«.. ?بل إن هذه العبارة تمثل? »?مزايدة لا نهائية?«.. ?أى يجعلك تشعر أنك مهما فعلت وما حققت فى الحرب فإنك لم تصل إلى شيء?.? ومن الطبيعى أننا بوصفنا مصريين وعربًا ومسلمين عندما تصورنا قيمة ما حققناه من نتيجة كبيرة فى حرب ?6 ?أكتوبر عادت إلينا الثقة فى أنفسنا مضاعفة?.. ?وعاد إلينا التفكير الرومانسى القائل بأنه من الممكن أن نصل إلى تل أبيب?.. ?وهنا ربما أتوقف لألفت النظر إلى حقيقة مهمة وهي?: ?هب أننا وصلنا إلى تل أبيب?.. ?ثم ماذا بعد ذلك?.. ?هناك شعب إسرائيلى أيا كان موقفه?.. ?وبه قوة محبة للسلام كما أن فيه قوى مطالبة بالحرب?.. ?ومن ناحية أخرى فإن خيارات الحروب القديمة قد استنزفت وجودها بسبب التقدم العلمي?.. ?هل نتصور أنه كان من الممكن أن تنهى المعركة مع إسرائيل بقنبلة ذرية كما فعلت أمريكا فى اليابان؟?.. ?فعلا كان إلقاء القنبلة حاسما?.. ?لكن هل أنهت هذه القنبلة وجود اليابان؟ هل قضت على اليابان؟ هل جعلت القنبلة أو القنبلتان الصراع بين أمريكا واليابان صراع وجود وليس صراع حدود?.. ?هنا لابد أن نفهم أن الرأى الصانع لهذه الأيديولوجيات القديمة لم يكن يدرك أو لم يكن يريد أن يبدو وهو مدرك لفكرة أنه لابد أن يكون هناك وجود للآخر?.. ?وأن هناك وجودا للخير أيا كان هو?.. ?ووجودا للشر?.. ?وأن تحديد مصير العالم لا يكون بالنظريات المطلقة التى نفكر بها فى الكتابات التى لا تزال تتناول الإنجاز? ?الذى تحقق فى حرب أكتوبر بقصور شديد جدا?.? والواقع أن هؤلاء الذين يتبنون هذه النظرية أشرف? ?غرضا وسلوكا من أناس آخرين خبثاء الطوية?.. ?وهؤلاء لحسن الحظ عددهم قليل جداً?.. ?لكن من المؤسف أن أقلامهم لا تزال تجدّ? ?فى أن تصور حرب أكتوبر على أنها ابتدأت بنصر?.. ?ثم تقلص النصر وتحول إلى ما يشبه التعادل?.. ?والواقع أن هذا خطأ?.. ?وخطأ جسيم جدا?.. ?ليس فى حق الذات?.. ?ولا فى حق النفس?.. ?ولا فى حق العروبة?.. ?ولا فى حق مصر?.. إنما هو خطأ فى حق الحقيقة نفسها قبل كل هذا?.. ?لأن الحرب انتهت ونحن مسيطرون على شريط كبير جدا بطول القناة?.. ?الحرب انتهت وقد? ?غيّرنا نظرية الأمن الإسرائيلى نهائيا?.. ?أو قل إننا نسفنا هذه النظرية التى ظلت لامعة براقة لفترة ليست قصيرة من الوقت?.. ?الحرب انتهت وقد أحدثنا زلزالا داخل إسرائيل?.. ?الحرب أنهت كل ما قامت عليه إسرائيل من اطمئنان إلى نظريات كثيرة للأمن ولحماية الحدود الجديدة?.. ?صحيح أنه نتيجة للجسر الجوى الذى قُدم لإسرائيل أن الحرب بدأت تميل فى ظاهرها لكن هذا الميل كان مجرد تقليل فى حجم الانتصار الذى أحدثته قواتنا ولم يكن له علاقة لا بالنتيجة الأولية ولا بالنتيجة النهائية?.. ?ذلك أن الانتصار قد تحقق بالفعل بذلك العبور وما سبقه وما دعمه وفى ظل وجود شخصية استراتيجية واثقة كأنور السادات على رأس القوات المسلحة?.. ?فلم يكن من الوارد عقلا ولا موضوعا سياسيا ولا عسكريا أن تنتهج القوات المصرية المحاربة سياسة تراجع أو خطوة إجهاضية لما تحقق من نصر ومن عبور ومن اقتحام?.. ?ومن حسن الحظ أن السادات كان قد وعى تماماً? ?درسى ?6591 ?و?7691 ?ورأى كيف تأتى المصيبة من الانسحاب بأكثر مما تأتى من الحرب?.. ?وبالقدر نفسه من الوعى فإن أنور السادات وعى حرب ?8491 ?جيدا ووجد أن رهن الإدارة المصرية بإرادات الشريك العربى كفيل بأن ينتقص من حريتها وقدرتها على الإنجاز وعلى المناورة?.? كان من الواضح إذاً لكل ذى عينين أن الإنجاز الذى حققته القوات المسلحة قد تحقق حتى لو اجتمع العالم كله لا العدو وحده على توجيه ضربات إجهاضية تميل الميزان إلى الناحية الأخرى?.. ?ولم يعد من الممكن لنصر أكتوبر أن يميل أو أن يمال لا إلى ناحية الهزيمة ولا إلى ناحية تقليص الانتصار?.. ?إنما كان أقصى ما يمكن هو أن يصور النصر? ?غير قادر على النمو ولا على الاستمرار?.? مع هذا فلابد لنا أن ندرك حجم التورط الأمريكى فى حرب أكتوبر ?3791.. ?وهو تورط لم تعرفه الحروب الإقليمية لا من قبل ولا من بعد?.. ?ولا بأس من أن نمثل للقارئ حجم هذا التورط فى ظل سيناريو نظرية كروية كنظرية تغيير اللاعبين فى الفريقين?.. ?فلو أننا تصورنا مباراة بدأت بين منتخب مصر ومنتخب إسرائيل فجأة? ?فإن منتخب إسرائيل كان فى وسعه أن يغير فى حدود المعقول لاعبا أو لاعبين من على دكة الاحتياطى لكنه لم يفعل هذا?.. ?بل أحضر أفضل خمسة فرق فى العالم من طبقةفريق بايرن ميونيخ وفريق ريال مدريد?.. ?وجمع هذه الفرق الخمسة وأنزلها أرض الملعب ليلعب أفرادها فى صفه بحيث أصبحت المباراة فى صورة جديدة? : ?ليست بين ?11 ?لاعبا من كل من المنتخب المصرى والمنتخب الإسرائيلى ولكن أصبحت المباراة بين فريقين?.. ?فريق المنتخب المصرى الذى بقى أغلبه سليما قادرا على اللعب?.. ?وفريق المنتخب الإسرائيلى ولايزال به ?5 من اللاعبين الأصليين? (?بينما خرج للراحة وللإصابة ?6 ?من الفريق الإسرائيلى وحل محلهم لاعبو ?5 ?فرق أمريكية للكرة?).. ?أى أن المباراة التى كان من المفروض أن تكون بين ?11 ?لاعبا من كل فريق?.. ?أصبحت بين فريق المنتخب الإسرائيلى الذى لم يبق منه إلا ?5 ?لاعبين فقط لكن تم دعمه ب?55 ?لاعبا?.. ?كل هؤلاء الستين أمام فريق كان عدده الأصلى كما نعرف ?11 ?وبقى به ?9 ?لاعبين فقط?. ?بعد أن أصيب اثنان من الفريق الأصلى دون أن يعوضا بآخرين من دكة الاحتياطى لأنه لم تكن هناك إمكانية لدكة الاحتياطي?.? وبالطبع كان هذا هو المشكل الكبير الذى كان لا يستطيع أحد أن يتجاوزه ولا أن يقف أمامه موقفا عاقلا ومتعقلا وذكيا ومتحسبا إلا قائد هذه الحرب وهو الرئيس أنور السادات?.. ?ففى هذه اللحظة عندما اكتشف السادات حجم الجسر الجوى الأمريكى صرح للعالم كله بأنه يعترض على اللعب?.. ?وقدم هذا الاعتراض فى صيغة المعترف الذى يقول إنه لا يقدر على حرب أمريكا?.. ?ذلك أن الجيش المصرى اكتشف دلائل مذهلة للتورط الأمريكي?.. ?ومنها على سبيل المثال أن الدبابات التى كانت تؤسر فى خط القناة كانت قادمة لتوها من أمريكا?.. ?وكان فهم دلالة هذا سهلا وبسيطا بقدر ما هو حازم وقاطع?.. ?فقد كان المصريون ينظرون فى عداد الكيلومترات? (?كالموجودة فى السيارات?) ?التى قطعتها فيجدون أنها لم تقطع أكثر من ?061 ?كيلومترا فقط?.. ?أى كالسيارة التى وقعت لها حادثة وهى على الزيرو?.. ?كذلك فإن هذه الدبابة حدثت لها حادثة الهلاك وتحطمت فى أثناء الحرب وتم تدميرها على يد المصريين وكانت نتيجة هذا التدمير أنها أصبحت? ?غير قادرة على العمل إطلاقا?.. ?كان المصريون ينظرون إلى هذه الدبابة الجديدة? (?وهى لاتزال بشوكها أو بشمعها كما نقول?) ?ويصلون إلى حقيقة أنها جاءت فى الطائرة من أمريكا ونزلت فى مطار العريش وتحركت أو حركت إلى أرض المعركة مباشرة?.? طبعا كان حجم الجسر الجوى الأمريكى كبيرا?.. ?ولبيان حجم هذا الجسر الجوى الرهيب الذى قدمته أمريكا فى ذلك الوقت لإسرائيل حتى تحاول لا أن تغير مجرى الحرب لا من هزيمة ولا من نصر ولكن أن تربك القوات المسلحة المصرية حتى لا تهلك إسرائيل أو تتآكل تحت وطأة نصر يمكن أن يتطور?.. ?هكذا كان العدو يفكر بطريقة علمية وعملية?.. ?وهكذا كان حليفه الأمريكى يساعده?.. ?أمريكا استخدمت فى الجسر الجوى ?822 ?طائرة نقل?.. ?منها ?15 ?طائرة من طراز? »?إس ?5«.. ?و?71 ?طائرة من طراز? »?إس ?141«.. ?نحن نفخر بأن طائرات البوينج التى ركبناها تحمل أكثر من ?004 ?شخص?.. ?لكن طائرات النقل هذه تستطيع أن تنقل مدنا?.. ?فهذه الطائرات ال?822 ?قامت ب?965 ?طلعة?.. ?أى أن بعضها قام بطلعتين والآخر قام بثلاث? طلعات، ?وهناك ?741 ?طلعة بواسطة طائرات? »?إس ?5« ?نقلت ?11? ألف طن من الاحتياجات العسكرية?.. ?و?224 ?طلعة بواسطة طائرات? »?إس ?141« ?نقلت ?5.11 ?طن من الاحتياجات?.. ?أى أن هذه الطائرات نقلت ?5.22 ?ألف طن من الاحتياجات العسكرية?.. ?بالطبع يسأل القارئ?: ?وكيف كانت هذه الطائرات تتناوب على مهمتها؟ فى اليوم الواحد كانت هناك ?32 ?طائرة تهبط فى إسرائيل?.. ?وتصور حجم الطائرة وما تقتضيه من تجهيزات من أجل إنزال ما تحمله?.. ?والواقع أن طاقة إسرائيل على التفريغ? ?والتعبئة كلها كانت معبأة بكامل قوتها تستوعب ما أتى به الجسر الجوي?.? قدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية كل هذا لإسرائيل على مدى ?33 ?يوما?.. ?ابتدأت من ?31 ?أكتوبر وحتى ?41 ?نوفمبر?.