من يرد أن يرى الشىء وعكسه هذه الأيام فعليه أن يذهب إلى القدسالمحتلة، فالمستوطنون الذين يبعث بهم الملياردير اليهودى «إرفين موسكوفيتش» دخلوا فى الأسبوع الماضى غرفة من غرف منزل عائلة حمد الله الفلسطينية بمنطقة رأس العمود فى القدسالشرقية، ليهنأوا بما لا يهنأ به العرب سكان القدس من استعادة ممتلكاتهم التى هجروها عام 1948. وفى الأسبوع الماضى أيضاً نشرت صحيفة «هآرتس» تحقيقا حول تطلعات الشباب الفلسطينى المتزايدة، خاصة شباب القدسالشرقية فى الحصول على تعليم «إسرائيلى»، فهم - على حد قول الصحيفة - لم تعد تكفيهم شهادة الثانوية العامة الفلسطينية التى لا تفتح أمامهم أبواب العمل، ولا يريدون الوقوف فى طوابير أمام الحواجز العسكرية الإسرائيلية وهم فى طريقهم للمؤسسات الأكاديمية الفلسطينية، وأصبحوا الآن يفضلون الحصول على الثانوية الإسرائيلية والالتحاق بالجامعة العبرية! وفى مقال للكاتب الصحفى الإسرائيلى «نير حسون» بنفس الصحيفة، لوصف هذه الحالة، ذكر الكاتب أن إغلاق السور الفاصل، وكذلك التمييز فيما يتعلق بالمؤسسات الفلسطينية، يدفع الشباب فى اتجاه الغرب، وهذه العملية تدخل فى إطار دلائل أخرى تشير إلى «أسرلة» السكان العرب فى القدسالشرقية مثل: خفض الإنجاب فى العائلة الفلسطينية، وارتفاع معدل مشاركة المرأة فى العمل، والانتقال إلى أحياء إسرائيلية، بالإضافة إلى التواجد المتزايد داخل النطاق اليهودى من القدس مثل حديقة ساكر ومجمع المالحة التجارى وشارع يافا.. إلخ. ويزعم الصحفى الإسرائيلى إن استطلاعات الرأى تشير إلى زيادة رضاء الفلسطينيين فى القدس تحت الحكم الإسرائيلى ورضائهم التام عما تقدمه بلدية القدس فى قسمها الشرقى. ويقول الصحفى الإسرائيلى إن هذا التصرف من قبل الفلسطينيين له عدة تفسيرات من بينها أن المقصود بالفعل هو عملية «أسرلة» واندماج يشبه الاندماج الذى حدث لعرب إسرائيل منذ الخمسينيات، وثمة تفسير آخر يقول إن المقصود هو تكتيك للبقاء نتيجة لامبالاة سياسية من قبل الجيل الشاب، الذى يبحث لنفسه عن طريقة للعيش بكرامة فى ظل الاحتلال. وهناك نظرية ثالثة تتحدث عن نشأة هوية فلسطينية جديدة، تختلف عن تلك التى فى الضفة وغزة وعرب إسرائيل. ويضيف الصحفى الإسرائيلى: إذا ما صحت فرضية الأسرلة هذه، فإن المرحلة القادمة ستكون دخول فلسطينيى القدس فى السياسة المحلية، فإلى الآن يفضل الفلسطينيون إظهار هويتهم المختلفة عن طريق عدم المشاركة فى الانتخابات البلدية، وعدم تمثيلهم سهَّل من عملية التمييز ضدهم فى الميزانيات البلدية والحكومية، ومنذ عدة سنوات وبعض الفلسطينيين يرددون أن الوقت قد حان لكسر طابور الانتخابات والمشاركة فيها، وإذا ما تحقق ذلك واستجاب فلسطينيو القدسالشرقية، فسوف تكون هذه قفزة عملاقة - على حد قول الصحفى الإسرائيلى - فى اتجاه الدولة ثنائية القومية. فالقائمة الفلسطينية الموحدة (إذا ما وجدت) يمكنها وفقاً للتقديرات الحصول على 10 - 13 مقعدا من بين 31 فى مجلس المدينة، وهناك أيضاً من يعتقد وجود سيناريو يستمر بمقتضاه انشقاق المعسكر اليهودى ما بين علمانيين ومتدينين فى الوقت الذى ينجح فيه الفلسطينيون فى الحفاظ على وحدتهم وتكون النتيجة أن رئيس بلدية القدس القادم سيكون فلسطينياً من شرق المدينة، وعندئذ يكتمل مخطط موسكوفيتش والمستوطنين ولا يتم تقسيم منزل عائلة حمدالله مرة أخرى وبالتالى لا يتم تقسيم القدس. كل هذا يحدث ونحن بغبائنا الشديد ندين مفتى الديار على جمعة وآخرين ممن يسافرون إلى القدس لكى يشدوا من أزر سكانها ولكى يقولوا للمحتل إن الأقصى له صاحب كما أن له رب يحميه.