هو واحد من القصور الرائعة التى قاومت الزمن والشيخوخة والزلازل والاندثار ليصل إلينا كشاهد على زمن المبانى والطرز المعمارية الجميلة.. وكشاهد أيضا على حقبة هامة من تاريخ مصر وهى فترة حكم الخديوى إسماعيل فصاحبة القصر هى ابنة الخديوى بالتبنى.. ومن أجل الحفاظ على هذا الأثر الهام كان قرار اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية ليكون فى حماية قانون الآثار وقصر الأميرة فائقة يحمل رقم 12 بشارع الفلكى بمدينة القاهرة وهو عنوان يعرفه الكثير من المصريين فهو مقر وزارة التربية والتعليم التى تشغل القصر حاليا ومن قبلها نظارة المعارف التى استأجرته عام 1931 ليكون مقراً لها. وعن أسباب تسجيل القصر فى قوائم الآثار كان لنا حديث مع محسن سيد على رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية الذى بدأ حديثه قائلا إنه بمجرد الانتهاء من إجراءات تسجيل القصر سوف نبدأ فوراً فى مشروع ضخم لترميمه وإزالة أى إضافات أو تغيرات طرأت عليه طوال الفترة الماضية ليعود إلى الصورة التى كان عليها عندما كانت الأميرة تعيش فيه فالقصر يمثل حقبة هامة من تاريخ مصر كما أنه يزخر بالعناصر المعمارية المتمثلة فى الأعمدة والعقود والعناصر الزخرفية المتمثلة فى الزخارف الهندسية والنباتية والكتابات الملونة ولهذا قررت اللجنة الدائمة للآثار الموافقة على تسجيل القصر الذى يرجع تاريخه لعام 1874 عندما أمر الخديو إسماعيل بإنشائه لابنته المتبناه «فائقة» لتقيم فيه عندما تزوجت من مصطفى باشا ابن إسماعيل المفتش فجاء تحفة معمارية رائعة سواء فى الشكل الخارجى أو الداخلى فقد عرف عن هذا الخديو حبه للإنشاء والتعمير منذ تولى الحكم عام 1863 فقد أنشأ العديد من الأحياء ومنها حى الإسماعيلية الذى يُعرف حالياً بمنطقة وسط البلد الذى كان عبارة عن برك ومستنقعات وتلال من التراب والرمال. فتم ردم البرك وبدأ تنظيم المنطقة فخطط شوارعها وأنشأ بها الميادين مثل ميدان التحرير الذى كان يطلق عليه ميدان الإسماعيلية وأضاءها بالغاز واستقدم كبار المهندسين والفنانين من فرنسا وإيطاليا لإنشاء العمائر المختلفة من قصور وأسبلة ومساجد ومنازل على أحدث الطرز المعمارية فأصبحت تحفاً تنطق بالجمال والروعة وأصبحت القاهرة فى عهد الخديوى إسماعيل «باريس الشرق». وعن قصر الأميرة فائقة يقول محسن سيد رئيس القطاع إن القصر تحيط به حديقة وله مدخلان رئيسيان ومدخل صغير فرعى ويعتبر المدخل الشرقى هو أبرز هذه المداخل حيث تتقدمه فرندة «شرفة» ترتكز على اثنتى عشر عمود أما المدخل الغربى فتتقدمه أيضاً شرفة ولكنها محمولة على ستة أعمدة فقط ويتكون القصر من طابقين يربط بينهما سلم رخامى كبير ذو فرعين ويضم العديد من القاعات منها قاعة بالطابق الأرضى يطلق عليها القاعة العربية لأن الزخارف متأثرة بالطراز الأندلسى فالجدران تحتوى على زخارف نباتية وهندسية منفذة على الخشب أما السقف فهو عبارة عن براطيم خشبية يتخللها أيضاً زخارف نباتية وهندسية ملونة ويحيط بالسقف أيزار يشتمل على زخارف كتابية يتخللها آيات قرآنية. ويوجد بالطابق الأول فوق الأرضى قاعة فخمة بالجهة الشمالية لها ثلاثة أبواب خشبية وعلى جانبيها بابان خشبيان صغيران ويوجد بسقف القاعة زخارف نباتية وهندسية مذهبة ويجرى حالياً ترميم هذه القاعة على نفقة وزارة التربية والتعليم وتحت إشراف وزارة الآثار. وعن الأميرة فائقة وقصة حياتها كان لنا حديث مع الأثارية نبيلة حبيب المشرف على الإدارة المركزية للمتاحف التاريخية التى تقول إن المعلومات عن هذه الأميرة قليلة فتذكر كتب التاريخ أنها الابنة المتبناه للزوجة الثالثة للخديوى إسماعيل «جشم آفت هانم» التى أسست أول مدرسة للبنات وهى مدرسة السيوفية ويبدو أن هذة الزوجة حرمت من نعمة الإنجاب، فتبنت هذة الطفلة التى كان لها مكانة خاصة فى قلب الخديوى حتى أن «خوشيار هانم» والدته ربتها مع زينب هانم ابنة الخديوى. وعندما اقترنت بمصطفى باشا بن إسماعيل صديق الشهير المفتش، أمر الخديوى ببناء هذا القصر لها لتقيم فيه.. وتصف المصادر التاريخية الاحتفال بزواج هذه الأميرة بأنه كان مظهراً من مظاهر الأبهة والفخامة ولأن الأميرة كانت منزلتها كبيرة فى نفس الخديو فقد أصدر أمراً عالياً بصرف راتب إضافى لها قدره عشرة آلاف قرش علاوة على المرتب الذى تتقاضاه شهرياً. وتستكمل الآثارية نبيلة حديثها قائلة إن الأميرة طُلقت من مصطفى باشا بسبب الأزمة التى حدثت بين الخديوى إسماعيل والمفتش الذى كان أخاً فى الرضاعة للخديوى وكان يشغل منصب وزير المالية فى ذلك الوقت ولأن إسماعيل المفتش جمع ثروة طائلة بطرق غير مشروعة كانت تفوق فى مقدارها ماكان لدى أى أمير مصرى أمر الخديوى بنفيه إلى دنقلة ولكن هناك روايات تؤكد أنه قُتل قبل وصوله هناك ولهذا طُلقت الأميرة ويقال إنها تزوجت مرة أخرى من أحد أبناء الأسرة المالكة. وإلى هنا سكتت الآثارية نبيلة عن الكلام المباح عن هذه الأميرة وقد سعدت جداً عندما علمت أن لها صورة وهى تمتطى جواداً كانت موجودة فى متحف الحضارة بالفسطاط حيث من المقرر عرضها فى الجزء الخاص بأسرة محمد على بعد الانتهاء من إعداد المتحف وقد توقفت كثيرا عند صورتها وأنا أتأمل ملابس ذلك العصر البعيد الجميل.. اتأمل ملامحها الرقيقة ونظرتها الحالمة وضفيرة الشعر الطويلة على صدرها.. اتأمل الحصان الذى تمتطيه وهو يقف فى شموخ وكأنه يعلم أن التى فوقه هى أميرة جميلة ورقيقة. وإلى جانب صورة الأمير توجد صورة ل «جشم آفت» أم هذه الأميرة بالتبنى وهى ترتدى ملابس فخمة وعلى رأسها التاج وتوجد هذه الصورة حالياً فى مخازن متحف المنيل حيث يجرى ترميمها فقد كانت معروضة فى قصر محمد على بشبرا وسرقت عام 2009 مع عدد من صور أسرة محمد على وتعرضت للتلف وعادت مرة أخرى. هذه هى قصة الأميرة فائقة هانم التى بالرغم من المعلومات القليلة عنها فى كتب التاريخ إلا أنها تركت لنا قصراً رائعاً سيظل يحمل اسمها.