فى هدوء غريب عنه غادر عالمنا روجيه جارودى المفكر و الفيلسوف الفرنسى يسارى الميل أو الهوى فى منزله بإحدى ضواحى باريس تاركاً خلفه تركة من الآراء و المؤلفات بلغ عددها 70 كتاباً بخلاف مئات المقالات المتضمنة لمعاركه ضد المحرقة اليهودية و الرأسمالية المتوحشة وقد كان جارودى أول من نادى بحوار الحضارات أى قبل صامويل هنتنجتون. فطوال حياته الممتده ل 99 عاماً لم يتخل زعيم الشيوعيين كما أطلق عليه تلاميذه واتباعه عن آرائه و أفكاره التى تدعو للعدالة و حرية العقيدة فهو يقول عن نفسه «إنه (دون كيشوت) الذى يحارب طواحين الرأسمالية» و يقول أيضاً «إن ما يشعرنى بالفخر هو دعوتى لوحدة الأديان اليهودية و المسيحية والإسلام». وقد كان جارودى إبناً لأم فرنسية وأب لا دينى اعتنق المذهب البروتستانتى وهو فى سن الرابعة عشر وفى سن العشرين انضم للحزب الشيوعى الفرنسى وطرد منه عام 1970 لانتقاده الدائم لسياسة الاتحاد السوفيتى ثم اعتنق الكاثوليكية وفى عام 1982 اشهر إسلامه وأصبح اسمه منذ ذلك الحين محمد رجاء جارودى فهو بحق رجل حوار الحضارات فقد كان حديث العامة و المثقفين لمؤلفاته الفلسفية و آرائه السياسية الشجاعة وقد تأثرت شعبيته كثيراً بعد اعتناقه للإسلام ليكون دليلاً حياً على تعنت الغرب ورفضه لقبول الآخر خاصة عقب إعلان رفضه لإسطورة إبادة ستة ملايين يهودى والتى أصبحت عقيدة تبرر كافة الإعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين وشكك أيضاً فى وجود غرف الغاز لتبدأ بعدها حرب ضروس ضده ويتم الحكم عليه بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ لكبر سنه وفرض غرامة مالية ضخمة عليه و كذلك حرمانه من الظهور والإشتراك فى المحافل و الاحتفالات الدولية. وهنا يدافع روجيه عن نفسه قائلاً « إن الهولوكست اسطورة إسرائيلية.. لذبح المفكرين المنكرين لها»ولم يجرؤ أحد الدفاع عن جارودى الذى ظل هو المحارب الوحيد الذى لم يلق قلمه ولم يستسلم واستمر فى تأليف العديد من الكتب التى يدافع فيها عن آرائه والتى نذكر منها ( الإسلام دين المستقبل) و( فلسطين أرض الرسالات السماوية) و( لماذا أسلمت: نصف قرن من البحث عن الحقيقة). وعن حياته العملية فقد درس الفلسفة وعمل مدرساً لها فى مدرسة الإليسية وبعد حصوله على الدكتوراه رشح نفسه ليصبح نائباً فى البرلمان ثم عضواً فى مجلس الشيوخ وتولى رئاسة تحرير مجلة (دفاتر الشيوعية) الناطقة باسم الحزب الشيوعى ومركزالدراسات والبحوث الماركسية منذ عام 1960 حتى 1970 و نال درجة الدكتوراه الثانية فى الحرية من جامعة موسكو عام 1954، كما تعرض للسجن لمدة 30 شهراً أثناء الحرب العالمية الثانية ورغم ذلك استمر يدافع عن آرائه وظل معادياً للإمبريالية والرأسمالية ومدافعاً عن حقوق الفقراء كما فضح الاعتداءات الإسرائيلية بعد مذبحة صبرا وشاتيلا فى لبنان ونشر عدة مقالات لفضح هذه المجازر تحت عنوان « معنى العدوان الإسرائيلى بعد مجازر لبنان» وانتقد نظام التعليم فى إسرائيل الذى يسمح بتدريس كتاب «يوشع» العنصرى الذى يشجع على الإبادة الجماعية للعرب و احتلال أراضيهم. وأخيراً ستبقى أعمال هذا المفكر والفيلسوف المسلم شهادة على عصره أمام الأجيال القادمة ترصد ظلم و كذب المنظمات الحقوقية والأنظمة الغربية والأمريكية التى تخدم مصالحها وتتجاهل المظالم التى يرتكبها الطغاة تجاه شعوبهم.