لا يمجد التاريخ حاكماً ولا يؤيده شعبه إلا من حكم بالعدل والمساواة.. وأمامنا نموذجان من الحكام تحملا مسئولية وطنهما وهموم شعبهما فحققا الرخاء والوفرة الاقتصادية.. الأول من العصور الوسطى والثانى يعيش عصرنا الحالى. الأول عندما جاءته المنية لم يكن فى سجنه رجل واحد والثانى عند تسليمه السلطة قال له شعبه «ألف ألف شكر يا زعيمنا». فالأول هو عمر بن عبد العزيز بدأ حكمه بقوله:(أيها الناس أطيعونى ما أطعت الله فيكم.. فإن عصيت الله فلا طاعة لى عليكم). وذات مرة جيئت إليه بأموال الزكاة وسألوه إلى من نقدمها فقال لهم أنفقوها على الفقراء والمساكين فأخبروه ليس فى أمة الإسلام فقراء ولا مساكين، قال فجهزوا بها الجيوش.. قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا.. فقال زوجوا بها الشباب، ففعلوا ثم تبقى مال كثير فقال اقضوا الدين عن المدينين فقضوه وتبقى مال فقال انظروا فى أهل الكتاب من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا وتبقى أيضاً مال فقال اعطوا أهل العلم فأعطوهم وفاض بعد ذلك مال فقال اشتروا به حبا وأنثروه على رؤوس الجبال لتأكل الطير من خير المسلمين. وكان يختار الولاة بعد تدقيق شديد ومعرفة كاملة بأخلاقهم وكفاءتهم العلمية ثم يراقبهم ويتابعهم بعد ذلك فى تطبيق السياسة العامة التى وضعها للدولة.. وقام بعدة إصلاحات اقتصادية فأقام المشاريع الأساسية كما يقال عنها «البنية التحتية» فأنشأ الطرق وشق الترع والقنوات واهتم بالمزارعين وأسقط عنهم الضرائب واتبع سياسة الحرية الاقتصادية المقيدة وقضى على الفتنة وأقام العدل فانتشر الرخاء والاستقرار وزادت حصيلة أموال الزكاة. والثانى هو «لويس أناسيو لولا داسيلفا» رئيس البرازيل السابق والمشهور ب «لولا داسيلفا» وتولى فترتين رئاسيتين ولم يكمل تعليمه، وقد عمل ماسح أحذية وامتهن العديد من الحرف البسيطة واستلم الدولة وقد أعلنت إفلاسها وفى بداية عهده اضطرت البرازيل لاقتراض ثلاثين مليار دولار من صندوق النقد الدولى وكان يعد أكبر قرض فى تاريخ الصندوق واستطاع البنك المركزى البرازيلى أن يسدد القرض قبل موعده. وأصبحت البرازيل فى عهده نموذجا يحتذى فى أمريكا اللاتينية وقوة تلعب دورا محوريا فى قضايا القارة، بل العالم كله حيث سعى لصلح بين أوباما وأحمدى نجاد، ويرى نفسه مفاوضا وليس أيديولوجيا وحصلت البرازيل فى عهده على عضوية دائمة فى مجلس الأمن وندد بالعدوان الإسرائيلى المستمر على فلسطين. وقالت عنه مجلة نيوزويك الأمريكية: عندما فاز النقابى العمالى داسيلفا أول مرة ارتجف رأسماليون وغضب يمينيون لكن بعد فترة غير طويلة تنفسوا الصعداء. وأضافت:«كانت البرازيل على شفا الهاوية وهى الآن تتمتع بفائض يزيد على مائتى مليار دولار وأقل نسبة غلاء فى العالم الثالث». وأصبح بطلاً شعبيا وأنقذ ملايين الفقراء من شعبه وخفض نسبة الفقر من 35% إلى 22%. وحقق نسبة نمو مرتفعة ووضعها على قدم المساواة مع الصين والهند.. وفى خطابه الأخير بكى وهتف الشعب باستمراره لمدة ثالثة وتعديل الدستور فرفض والتزم بمبادئ الديمقراطية، وفى النهاية هل ستشهد مصر حاكماً من النموذجين السابقين؟ أم سيظل حلما يراود شعبها؟ *** ** وقت ثورة 25 يناير أضاعت الأحزاب المصرية فرصة ذهبية ليكون لهم دور ريادى فعال فى قيادة الثورة لكنها تشرذمت وانقسمت على بعضها وأخذ كل منهم يستخدم مخالبه فى تشويه الآخر وارتضوا بالفتات وأصروا على أن يظلوا أحزابا ورقية كما صنعها النظام البائد.. الآن حان الوقت ليحددوا موقفهم أو يرحلوا.