هذه الأزمة السياسية الخطيرة التى تشهدها مصر حالياً وقبل أسبوع واحد من جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية والتى وضعت كافة الأطراف أمام مأزق بالغ الصعوبة.. هذه الأزمة فى حقيقة الأمر هى النتيجة الطبيعية التى توقعها وحذر منها الكثيرون لأخطاء إدارة المرحلة الانتقالية منذ بدايتها وطوال ستة عشر شهراً وحتى أوشكت على الانتهاء بنهاية شهر يونيو الجارى.لقد ظلت أسباب هذه الأزمة تتراكم طوال تلك الشهور بفعل أخطاء وارتباك إدارة المرحلة حتى انفجرت على هذا النحو العنيف والمدوّى عقب صدور الأحكام القضائية الصادمة للرأى العام وأسر شهداء الثورة فى قضية مبارك ونجليه وصديقه الهارب حسين سالم ووزير داخليته ومساعديه الستة. هذه الأحكام كانت الصدمة الثانية فى أقل من أسبوع واحد من الصدمة الأولى التى أحدثتها نتيجة الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية والتى أسفرت عن تأهل الفريق أحمد شفيق.. مرشح النظام السابق وأسرة مبارك لخوض جولة الإعادة أمام مرشح «الإخوان» وحزبها السياسى الدكتور محمد مرسى بينما خرج من السباق مرشحو تيار الثورة وفى مقدمتهم حمدين صبّاحى وعبدالمنعم أبو الفتوح. صدمة الأحكام القضائية التى جاءت على غير توقّع الثوار وأهالى الشهداء وجموع المصريين.. أجّجت صدمة نتيجة انتخابات الرئاسة التى وضعت المصريين أمام خيار صعب بين المرشح أحمد شفيق وما يعنيه فوزه من عودة النظام السابق والانتقام من الثورة وبين المرشح محمد مرسى وما يعنيه فوزه من استحواذ فصيل سياسى واحد على كل السلطات.. الصدمتان فجّرتا الغضب الشعبى العام الذى أحيا روح الثورة وأعاد الثوار والقوى السياسية الوطنية ومعهم أهالى الشهداء إلى ميدان التحرير وبقية ميادين مصر. ??? ومع أن المجلس العسكرى بحكم إدارته لشئون البلاد طوال ستة عشر شهراً يتحمل الجانب الأكبر من المسئولية عن هذه الأزمة السياسية، إلا أن ذلك لا يعفى بقية الأطراف.. النخب والقوى والتيارات والأحزاب والإعلام وأيضاً البرلمان من المسئولية. هذه الأزمة السياسية الراهنة أكدت أن إدارة المرحلة الانتقالية بدأت من النقطة الخطأ بالاستفتاء على تعديل بعض مواد دستور (71) المعطّل ثم بالإعلان الدستورى بما تضمنه من مواد غامضة ومبهمة تسببت فى ارتباك العملية السياسية وإجراءات نقل السلطة، فكان إجراء الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية قبل وضع الدستور الجديد أكبر أخطاء إدارة المرحلة، وحيث سيكون لدينا رئيس منتخب بعد أسبوع فى غيبة الدستور الذى يحدّد أساس وشكل النظام السياسى بعد الثورة وصلاحيات واختصاصات الرئيس وعلاقته بالبرلمان، وهو المأزق الذى مازال المجلس العسكرى - حتى كتابة هذه السطور - يبحث كيفية الخروج منه بالتوافق مع القوى والأحزاب السياسية والبرلمان سواء بإصدار إعلان دستورى مكمل أو بإحياء دستور (71) المعطل متضمنا التعديلات التى أقرها الاستفتاء. ??? وفى المقابل فقد أخطأت القوى السياسية التى تمثل تيار الثورة عندما خاضت الانتخابات بعدة مرشحين فى مقدمتهم حمدين صبّاحى وأبو الفتوح، بينما أخطأت جماعة الإخوان وحزبها «الحرية والعدالة» بخوض انتخابات الرئاسة وحيث بدت ساعية إلى «التكويش» على كل سلطات الدولة فى نفس الوقت الذى تسببت فيه فى خروج المرشح حمدين صبّاحى من السباق بعد حصوله على المركز الثالث ليبقى مرشحها محمد مرسى فى مواجهة صعبة مع أحمد شفيق مرشح النظام السابق والمدعوم بقوة من أجهزة الدولة العميقة. ??? من المفارقات المؤسفة أن يتم الزج بالقضاء المصرى ليبدو أنه أحد أسباب الأزمة السياسية وأحد أسباب الإحباط العام وتفجّر الغضب الشعبى وإثارة المخاوف من إجهاض الثورة والوقائع كثيرة وفى مقدمتها النص فى الإعلان الدستورى على تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن على قراراتها بأى شكل من أشكال الطعن رغم أنها تمارس عملاً إدارياً لا قضائياً وهو تحصين مهما قيل عن دوافعه ومبرراته يتنافى مع قواعد القانون والتقاضى، وحيث لا تحظى أحكام القضاء بهذا التحصين الاستثنائى والذى حال دون قبول طعون بعض المرشحين على التجاوزات والمخالفات التى مست نزاهة انتخابات الجولة الأولى. تحصين اللجنة العليا للانتخابات أوقعها فى مخالفة قانونية جسيمة غير مبررة لم يكن متصوراً أن تصدر عن لجنة تضم أكبر خمسة قضاة فى مصر وذلك حين تراجعت عن استبعاد المرشح أحمد شفيق من الترشح إعمالاً لقانون العزل السياسى الذى أقره البرلمان وصدّق عليه المجلس العسكرى وصار قانوناً نافذاً وهو الأمر الذى يعنى أنها أهدرت وعطّلت القانون بينما قبلت الطعن بعدم دستوريته، رغم أن كل قانون يعد دستورياً ما لم تحكم المحكمة الدستورية العليا بغير ذلك، ومن ثم فقد كان الصواب أن تتمسك اللجنة باستبعاد المرشح وتنفيذ القانون؛ وفى حالة صدور الحكم بعدم الدستورية فإن للمرشح المستبعد أن يقيم دعوى للحصول على تعويض مادى. ??? ومع ملاحظة أنه ليس صحيحا ما يتردد من خطأ شائع بعدم جواز التعليق على أحكام القضاء وانتقادها، إذ أن ذلك حق مكفول للجميع بداية من طلاب كليات الحقوق ودارسى وأساتذة القانون، وهذا التصحيح ليس اجتهاداً شخصياً ولكنه رأى كبار رجال القضاء والقانون. الممنوع والمحظور هو التعريض بالقاضى أو انتقاده شخصياً بما يمس هيبته ومكانته الرفيعة، بينما تظل أحكامه قابلة للانتقاد باعتبارها صادرة عن بشر لا تحظى أحكامه وقراراته بأية قداسة. ولذا فإنه لا حرج فى تكرار انتقاد الأحكام الصادمة التى أصدرها القاضى الجليل أحمد رفعت فى قضية مبارك الأسبوع الماضى ووصفها بالعوار والتناقض وأنها انطوت على أخطاء مهنية حسبما أجمع غالبية فقهاء القانون وهو العوار والتناقض الذى أشعل غضب الثوار وأهالى الشهداء والبرلمان وعموم المصريين. ??? فى هذه الساعات الفاصلة التى تسبق إجراء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، فإن ثمة تساؤلات كثيرة ومخاوف حقيقية تؤرق الجميع.. أولها كيف يمكن الخروج بسلام من الأزمة السياسية التى أشعلت الموجة الثانية لثورة 25 يناير؟ ثم إنه بعد أن تأكد أن مطلب ميدان التحرير بتشكيل مجلس رئاسى مدنى يتسلم السلطة من المجلس العسكرى ليس عملياً ولا قانونياً، فإن السؤال هل ستجرى الانتخابات الرئاسية فى موعدها الأسبوع القادم أم هل ستتأجل لحين البت فى دستورية قانون العزل السياسى واستبعاد المرشح أحمد شفيق ومن ثم إعادة الانتخابات؟ كيف يمكن إجراء جولة الإعادة قبل التحقيق مع المرشح أحمد شفيق فى البلاغات المقدمة ضده إلى النائب العام وقبل حسم حقيقة اتهام النائب عصام سلطان للمرشح فى قضية بيع الأراضى لنجلى مبارك؟ الأهم.. كيف سيتم الخروج من مأزق انتخاب الرئيس فى غيبة الدستور خاصة بعد اعتراض البرلمان على إصدار المجلس العسكرى لإعلان دستور مكمل يحدد صلاحيات الرئيس؟ ??? هذه التساؤلات المهمة والهواجس المقلقة هى عناوين الأزمة المشتعلة فى المشهد السياسى قبل أسبوع واحد من انتخاب الرئيس القادم فى غيبة الدستور الجديد، وهو الأمر الذى يعنى أن مصر وثورة 25 يناير فى مفترق طرق وأن المستقبل مازال غامضاً ومجهولاً n