حكايات مبكية.. ودراما إنسانية مؤثرة سردها إثنان من الأسرى الفلسطينيين ل «أكتوبر» على هامش حضورهما عددا من المؤتمرات التى نظمتها مؤخرا الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية لعدد من الأسرى المفرج عنهم مؤخرا من السجون الإسرائيلية للحديث عن معاناتهم التى استمرت سنوات.. مصطفى المسلمانى وتيسير الوردينى نموذجان من بين آلاف النماذج التى اكتوت بأبشع صور التعذيب فى السجون الإسرائيلية تحدثا عن تجربتهما المريرة وعدد من القضايا المهمة فى الصراع العربى الإسرائيلى، فضلا عن دور مصر فى القضية الفلسطينية.الأسير مصطفى المسلمانى- عضو اللجنة المركزية بالجبهة الديمقراطية الفلسطينية، والذى قضى 19 عاما بالأسر- سرد قصته التى بدأت مع بداية انتفاضة الأسرى، التى قام على إثرها بالعديد من العمليات النضالية المسلحة، بهدف خلق نوع من التوازن بين جماعته والاحتلال الإسرائيلى، بعد عمليات القتل البشعة الدموية الصهيونية التى كانت تمارس على الشعب الفلسطينى فى عهد رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون، بعدها أسره جنود الاحتلال عام 2001 عند اغتياله لرئيس حزب كاخ الإسرائيلى الإرهابى بنيامين بن كهانا الذى قُتل أبوه على يد مناضل مصرى بنيويورك، وهو قائد مجزرة الحرم الإبراهيمى التى حدثت عام 1994، إلى جانب سلسلة اعتداءات على عرب إسرائيل، بعد أسر المسلمانى هو ومن معه بالسجون الإسرائيلية حكم عليه فى بداية الأمر بالسجن ثمانى سنوات وبعد ذلك بالمؤبد ثلاث مرات، وذكر المسلمانى أنه خلال سنوات أسره كانت تمارس ضده أبشع حالات التعذيب. فعندما يأتى وقت التحقيق معه ورفاقه واستجوابهم بسجون الاحتلال الإسرائيلى، تبدأ «المعركة» فكانت تمارس ضدهم أطول حالات التعذيب حيث كانوا يجلسون يوما كاملا على ما يسمى بالشبح، وهو مقعد يحملون عليه وهم مقيدون من أيديهم وأرجلهم ومعصبو الأعين، وفى أغلب الأحيان يستمر هذا النوع من التعذيب لمدة ثمانين يوما وهم مقيدون. وأشار المسلمانى إلى أنه فى بداية التحقيق كان المحقق الإسرائيلى يعرض عليهم اتفاقا، بعقد مساومة ودية بالاعتراف بكل شىء مقابل إطلاق سراحهم، ثم يتم عرضهم بعدها على جهاز كشف الكذب، بعدها يكيلون إليه المزيد من التهم، وعندما أنكرها هجم عليه أكثر من 12 محققا تسببوا فى إحداث جروح خطيرة فى رأسه، واستمر هذا لمدة 20 يوما. ومن أشد حالات التعذيب التى كانت تمارس على المسلمانى هى «شبحة الموزة» التى كانوا يقيدون فيها بالعديد من السلاسل الموصولة ببعضها البعض من أيديهم وأرجلهم بشدة حتى تنزف منهم الدماء، إلى جانب العذاب النفسى الذى وصفه بأنه أبشع آلاف المرات من العذاب الذى كان يمارس على سجناء سجن أبو غريب من قبل الضباط الأمريكيين، حيث كان جنود الاحتلال يصورونهم وهم عرايا ومقيدون فوق الطاولة، إلى جانب التفتيش العارى، أو كما يطلق عليه الإسرائيليون «تفتيش جالوح» الذى كان يمارس على الأسرى باستمرار من داخل السجون التابعة لوحدة متسادا لتفتيش وقمع الأسرى وممارسة الإهانات المستمرة عليهم، مضيفاً أن الفترة التى يحقق بها مع الأسير الفلسطينى هى أسوأ عمليات التعذيب التى تمر عليه، يكفى حرمانه من أبسط أنواع الحقوق الآدمية وهى النوم. ومن أشهر حالات التعذيب التى شاهدها المسلمانى أثناء وجوده فى الأسر، والتى بدأ فى سردها لنا بتأثر شديد، هى حالة الأسير الفلسطينى مصطفى بركات رفيق الجبهة الديمقراطية الذى لقى حتفه على سطح الطابق الثالث للمخابرات الإسرائيلية بسجن الخليل، حيث كانت هناك ساحة مخصصة لمقاعد الشبح، وظل هذا الأسير على سطح المبنى مقيدا شبه عارٍ فى هواء الشتاء، لفترة طويلة، حتى مات برداً من شدة التعذيب. أبشع صور التعذيب ويضيف المسلمانى أن إسرائيل بكل ما مارسته من أنواع التعذيب النفسى والجسدى باختراق حرمة أسراها فهى خارج النطاق القانون الدولى وربيبة العالم الامبريالى، لذلك كل شىء مسموح لها وكل يتركها تفعل كما تريد والدليل على ذلك قانون جولدستون، الذى ذهب مع الريح ببعض الضغوطات التى مورست عليه، وهذا يدل أن هناك أساليب دموية حقيقية تتم على مستوى دولى لأبعد الحدود. أما عن الأطفال الأسرى أضاف المسلمانى أن هناك فوق ال 300 طفل الآن بالسجون الإسرائيلية من سن 10 سنوات إلى 19 عاما، تم أسرهم من قرية النبى صالح والمعصرة ونعلين، التى كانت تقوم بمظاهرات سلمية ضد الجدار وكانت تمارس ضدهم أسوأ حالات التعذيب بأبشع صورها، مما أدى إلى إصابة الأسرى بأمراض نفسية، من ضمنهم ابنه حازم طالب بالمرحلة الثانوية الذى اعتقل بعد 10 أيام من زيارته له فى غزة بمارس الماضى بعدما اقتحموا بيته، دون أى أسباب سياسية أو تهمة رسمية موجهة له. إلى جانب الأسيرات الفلسطينيات داخل السجون اللاتى تمارس عليهن أسوأ حالات التعذيب، مثل ترك الحوامل منهن يلدن وهن مقيدات الأرجل والأيدى، مما يعرضهن للموت المؤكد، واصفاً الصهاينة بأحفاد جنكيز خان وهولاكو بوحشيتهم وعنجهيتهم وساديتهم. أما تيسير الوردينى أحد الأسرى الذين أطلق سراحهم مؤخراً بصفقة شاليط، وقضى 18عاما بالسجون الإسرائيلية بتهمة قتل مستوطن إسرائيلى، ومورس عليه جميع أنواع التعذيب الجسدية والنفسية، أشار إلى أن هذه الأنواع من التعذيب قلت بفضل إضرابات الأسرى الفلسطينيين. وعندما سئل تيسير عن الحركات اليهودية المناهضة للاحتلال الصهيونى اليمينية واليسارية والمساندة للأسرى الفلسطينيين بخارج وداخل إسرائيل، كجماعة نطورى كارتا التى ساندت الفلسطينيين مؤخراً بزيارتهم للبنان وطلبهم من حزب الله مساندتهم فى القضاء على دولة إسرائيل وإعادة الأراضى إلى الفلسطينيين مرة أخرى، قال تيسير إن جميع الحركات الصهيونية ضد المشروع الوطنى الفلسطينى، فهذه الحركات كحركة السلام الآن أو «شالوم عخشاف» اليسارية تريد ولا تستطيع إنهاء الصراع مع الفلسطينيين على حدود 67 وعودة القدس عاصمة فلسطينية والتعايش مع الفلسطينيين بسلام وبشكل كامل، وهى وغيرها من الحركات ضعيفة للغاية، وتأثيرها على الحكومة الإسرائيلية محددة، ولا يستمع إليها أحد من الحكومة الإسرائيلية، أما عن نطورى كارتا يعتبرون أنفسهم فلسطينيين وليس إسرائيليين، يؤمنون بأن دولة إسرائيل ضد المعتقدات اليهودية وأن فلسطين بلدهم الحقيقيه، ومنهم كان أعضاء بالمجلس الوطنى الفلسطينى، ولكن حرية التعبير التى تحركهم إسرائيل بها هى تابعة لما يسمى بسياسة الديمقراطية الاثنية الغربية العلمانية أو الديمقراطية المتعددة الثقافات، التى تبنى على أساس عرقى و تعطى الأولوية للإسرائيليين فى كل شىء، فلذلك تلك الجماعات اليهودية اليسارية جماعات غير فعالة وموقفهم ليس له أى تأثير وكل ما يقوم به مجرد شكليات ، فنطورى كارتا لا تستطيع أن تعيد الكرامة للفلسطينيين.. بل إن الفلسطينيين أنفسهم هم من يستطيعون القيام بهذا وليس أى أحد آخر. أما عن موقف الفلسطينيين من الربيع العربى فقال تيسير إنهم مازالوا فى انتظار النتائج،ولكن كل مواطن له نظرة، فإذا كان من الجبهة الإسلامية سيرى أن الربيع العربى هو خير له، أما إذا كان ينسب إلى حركات وطنية، فقد يرى أن الربيع العربى شر له، متمنياً الخير للشعوب العربية، آملاً أن يصبح هناك ربيع عربى فلسطينى، وبدء انتفاضة فلسطينية ثالثة غير مسلحةتقود للتحرير، ولكنه يفقد الأمل فى هذا بسبب الانقسام بين فتح وحماس الآن والأعباء الكبيرة التى وقعت على الشعب الفلسطينى، وسوء الإدارة من المؤسسة الرسمية لحماس وفتح، إلى جانب أن الشعب الفلسطينى، فقد الثقة فى كل شىء فكل ثوراتهم وانتفاضتهم كانت ناجحة على المستوى الشعبى وفاشلة على المستوى الدولى، إلا أن توجههم إلى المحافل الدولية والجمعية العمومية والأمم المتحدة وانضمامهم لها كما يسعى الرئيس الفلسطينى محمود عباس، هو توجه مهم للغاية، ليصبح هناك قرار دولى لقيام دولة فلسطين، كما كان هناك قرار دولى فى الماضى وافق على قيام الدولة الإسرائيلية. أما عن الحال الذى وصلت إليه مصر الآن، فقال أتمنى أن يتولى مصر رئيس يرتقى بالواقع السياسى الموجود بالشرق الأوسط الآن، كما أن سلامة مصر من سلامة الوطن العربى، وإذا كانت مصر بخير فالقضية الفلسطينية والعالم العربى بأسره بخير، ومازالت العلاقات المصرية الفلسطينية بخير بعد ثورة 25 يناير المصرية.