رغم تلويحها بالخطط العسكرية فى سوريا، فمازالت أمريكا تتمسك بالوسائل الدبلوماسية وأدوات الضغط على الأقل حتى انتهاء الأشهر الثلاثة لمهمة كوفى أنان، فإدارة أوباما مازالت تعتقد فى حتمية سقوط النظام السورى ورحيل الأسد. ويؤكد المراقبون أن البيت الأبيض غير راض عن خطة كوفى أنان، وبدأ البحث عن استراتيجية جديدة لإسقاط نظام الأسد. وتأتى إعادة النظر بعد ثمانية أشهر من طلب أوباما صراحة بتنحى الرئيس السورى قائلاً «الوقت قد حان للرئيس الأسد كى يتنحى». لكن الإدارة الأمريكية مازالت تبحث عن وسيلة لجعل هذه الدعوة حقيقة واقعة. الإدارة الأمريكية على قناعة بأن العنف لن يتراجع فى سوريا والمبادرات الدبلوماسية كخطة أنان لن تقنع الأسد فى الدخول فى عملية سياسية للانتقال إلى الديمقراطية والتخلى عن السلطة. العام الماضى أمر أوباما بالتدخل فى ليبيا، وكان القذافى يهدد بمذبحة فى بنغازى، وقال أوباما وقتها إن الوقوف جانباً وعدم التدخل سيشكل خيانة للقيم الأمريكية. أما الحكومة السورية فقد قامت بالمجازر بالفعل فى باب عمرو وحمص وحماة وإدلب، الإعدامات، القصف العشوائى لأحياء مأهولة وأكثر من 12 ألفاً قتلوا حتى الآن. وأوباما حتى الآن مازال يقف جانباً..! روسيا ترسل طائرات محملة بالأسلحة إلى دمشق، إيران تزودهم بالأموال والمدربين ومزيد من الأسلحة. وماذا تفعل أمريكا..؟ تدعم بعثة مراقبيين ضعيفة للأمم المتحدة، ولا تستطيع منع القتل المستمر يومياً. مجلس الأمن سمح بنشر 300 مراقب - غير مسلحين - لفترة أولية مدتها 3 أشهر لمراقبة وقف إطلاق النار الهش الذى دخل حيز التطبيق فى 12 أبريل الماضى. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون قد ذكر أن الحكومة السورية لم تلتزم بخطة السلام التىتهدف لمنع انزلاق سوريا إلى حرب أهلية لأنها لم تسحب أسلحتها الثقيلة وقواتها من المدن، ومن ناحية أخرى ألمح عنان إلى أن قوات الأسد تستهدف الناس فى مناطق التقى فيها المراقبون مع المدنيين. وكانت القوات السورية قد دخلت حماة بعدما غادرها المراقبون وفتحت نيران الأسلحة الآلية وقتلت عدداً كبيراً من المدنيين، فمسلسل القتل مستمر يومياً فى سوريا. ولنتخيل أنه بعد قصف حمص وضرب ريف دمشق حدثت فجأة مجزرة كبرى قتل فيها عدة آلاف من الأشخاص فى ضربة واحدة، وبخاصة أن الأمر حدث من قبل فى حماة عام 1982 عندما أرسل حافظ الأسد قواته وقتلت أكثر من 10 آلاف مدنى. نريد أن نعرف ما هو الرقم السحرى لشهداء سوريا الذى سيحرك المجتمع الدولى ويدعوه للتدخل العسكرى فى سوريا؟ هناك رقم سابق دفع أمريكا للتدخل، عندما قتل صرب البوسنة 7 آلاف مسلم فى سربيرنتش فى يوليو 1995، عندها حسم كلينتون موقفه بالتدخل العسكرى وقيادة وقف العمليات، وتم توقيع اتفاق «دايتون». واستخدم كلينتون سلاح الجو للناتو لوقف هجمات الصرب على سراييفو. وقد حدث ذلك فى البوسنة بعد أن خسر الآلاف من الأبرياء أرواحهم، وشهدنا فى السنوات الأخيرة تدخلاًَ خارجياً لوقف عدد من المجازر سواء فى البوسنة أو كوسوفو والعراق وليبيا. ومع أن نتائج التدخل لا تكون مثالية فى معظم الأحوال، إلا أنها تسهم فى إنقاذ حياة المدنيين الأبرياء، وهذا ما يجب أن نؤكد عليه ونحن نتعامل مع الأزمة السورية. ولكن بعض المراقبين يؤكدون صعوبة التدخل فى سوريا بسبب قوة الجيش السورى أو التعقيدات الإقليمية والموقف الروسى والإيرانى، والتساؤل عمن سيأتى بعد نظام الأسد، واحتمالات اختطاف الثورة، ولكن السؤال هو كيف يتم التدخل فى سوريا..؟ لا يوجد جواب سهل على هذا السؤال إلا أن الأسوأ هو عدم التدخل، على الصعيد السياسى نتوقع تعطيل روسيا للتدخل فى مجلس الأمن، وهو ما يحتم على العالم الاستعداد للتحرك دون انتظار للأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما حدث فى كوسوفو عام 1999. العالم الآن أمام اختبار للضمير، أوباما قال لا نستطيع أن نقف جانباً دون فعل شىء، وماذا فعل حتى الآن، وقف جانباً دون أن يفعل أى شىء، إذا لم يكن العالم يريد التدخل حتى بشكل غير مباشر من خلال تسليح وتدريب السوريين لتحرير أنفسهم، فليصمت الجميع حتى ينهى الأسد مهمته فى إبادة الشعب السورى.