كم كان الفراق صعباً كلما تذكر تاريخ وفاة والدته، يقرر عدم التفكير فى هذا التاريخ طويلاً حتى تستمر الحياة. يسحب الغطاء ويذهب للنوم هروباً . تبدأ عملية تخدير الرأس حتى أنه انتبه إلى الإشارة للنوم، تغلق العين تلقائياًَ يبدأ الجسد فى الاسترخاء لا يرى غير اللاشئ من الظلام المحيط به. يشعر بالألم في اسفل قدميه من إرهاق السير طوال النهار. سكون لا شئ غير السكون. يرن الهاتف: - الوو. - ايوا مين معايا. - انا بابا تعالى بسرعة عشان امك تعبانة. - انا في الطريق. - متتأخرش . - حاضر. يغلق الهاتف وينظر إلى الطريق. يرن الهاتف مرة أخرى. - الوو.... - الووو ايوا مين معايا. - انا صلاح البقاء لله ،،، تعيش انت. يعلم الآن حقيقة الأمر لقد توفت أمه. يدخل إلى الشارع ليجد مظاهر الحداد، ينظر إلى العمال وهم يقومون بعمل الصوان اللازم للعزاء. يجد الصوان فاتحاً ذراعيه واضعاً كآبته وحزنه على الشارع، يتمنى لو ان هذا الصوان له. ينظر إلى ابيه الواقف الباكى، يقبل يديه، يتحدث له. - أدفنت - لا لسه، أمك فوق. يصعد مهرولاً، يسكن في الطابق السابع دون مصعد، لا يعلم كيف صعد في اقل من الدقيقة يدخل ليجد جميع الاقارب في الثوب الأسود..... كأنها الغربان تنعق، لا يعرف ما الذى اتى بهم إلى هنا. - أمى فين؟! تشير له خالته بكلتا يديها إشارة منها للدخول في احضانها. يمسك يديها رافضاً. يحدثها بحزم. - أمى فين؟! - جوه فى الاوضة. يدخل عليها ليجد سيدة غريبة عنه قد انتهت من الغسل لم يجد امامه سوى ثوب من اللون الابيض ملتفاً حول جسد أمه. نهنهة البكاء تملأ المنزل، لقد حانت ساعة الخروج. اذن المؤذن لصلاة العصر. يخرج جسد الأم ملفوفاً في الكفن الابيض امام الجميع. يحملها مع الخشبة نزولاً مع ابناء خالته متوجهاً إلى المسجد، وسط البكاء والنعيق. يشير الإمام بعد الانتهاء من صلاة العصر إلى أن هناك صلاة الجنازة. تنتهى الصلاة. تبدأ مسيرة الجنازة الكل يتشاهد، المارة يشيرون بالسبابة وعقله رافضاً الفراق. يراوضه الجنون، يقرر الدخول الى القبر حياً وعدم الخروج، يقرر العودة للحقيقة، قرر البقاء مع أمه. تبدأ مراسم الدفنة يأتى له عمه ليحدثه. - نزول القبر مش سهل.... امسك نفسك عشان خاطر امك. يهز رأسه إشارة منه للفهم، أترى عمى عرف ما أنا فاعله، إلى هذه الدرجة واضحة نيتى؟ أم هذا كلام روتينى يقال في مثل هذه المواقف..... ينادى المقرئ - أين اولاد هذه السيدة؟! يرفع يده مجيباً هو واخيه. - احنا يا سيدنا الشيخ ولادها. - تعالى يا ابنى انزل معاها واعدلها على القبلة يشير له بجسده على اتجاه القبلة. ينزلا ليكشفا عن الكفن فيرى امه ، ويخرج هو اولاً ماداً يديه لأخيه ليخرجه من القبر وفى زحمة الناس يتسلل ليدخل هو مرة أخرى. يسمع الملقن يتحدث لأمه. - من ربك؟ .... ربي هو الله - ما دينك؟ .... دينى هو الاسلام - يغلق رجل المدافن القبر ويضع عليه الاسمنت والجبس... ليبسط الظلام سيطرته على المكان. يخرج الناس من المدافن ويجلس هو وحيداً مع امه في ظلمة القبر. - لاتخشي شيئاً يا أمى فأنا بجوارك. تحدثه امه. - ما الذى جاء بك إلى هنا؟ هذه ليست دارك. يشعر بالرعب يدق أوصاله... يرتعش. - لم استطع فراقك. - لكل اجل كتاب، وقد جاء أجلى، فلتخرج الآن، انها ليست دارك وانه ليس ميعادك يا بنى. - الظلام حالك ولا أرى الطريق للخروج. - فقط افتح عينيك لتخرج. - وانت كيف ستخرجين؟. - سأخرج بروحى تاركة الجسد للتراب. يسمع طرقات على باب القبر يشتد به الرعب. - ما هذه الطرقات؟! تتحدث له أمه بنفس قوتها التى عهدها دائماً. - افتح عينيك يا ولد لتبصر النهار. يفتح عينيه ليسمع طرقات على باب الشقة. زياد إبراهيم عبد المجيد