واجه الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية هجوماً حاداً بسبب زيارته التى فاجأ بها الجميع بدعوة من مؤسسة آل البيت الملكية الأردنية باعتباره أحد أمناء المؤسسة، وذلك لافتتاح كرسى الإمام الغزالى للدراسات الإسلامية بالقدس الشريف فكانت ردود الأفعال وعبارات المعلقين عليه قاسية معتبرة قيامه بزيارة مدينة القدس تشويها لصورة الأزهر الشريف- وأنها تعد خرقاً لكل الأعراف والمواثيق التى أجمعت عليها القوى الوطنية والقومية بعدم الزيارة للأراضى المحتلة، وعدم التطبيع مع الكيان الصهيونى واختلف المفكرون الأقباط حول التأييد والرفض لهذه الزيارة.. «أكتوبر» رصدت ردود الفعل من الأزهر ومختلف التيارات الإسلامية. فى البداية قال د. محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية وأمين عام المجلس الأعلى للشئون الاسلامية السابق إن زيارة المفتى للقدس تأتى رداً على المزاعم الإسرائيلية بأن قضية القدس تخص الفلسطينيين وحدهم - وهو ما تروِّج له إسرائيل بما ينافى الواقع. وأضاف أن الحق فى المكان وحرمته تخص بالدرجة الأولى ربع سكان العالم ممثلين العالم الإسلامى والعربى متسائلاً ما المانع من الدخول إلى القدس بتأشيرة إسرائيلية؟! فالحصول على التأشيرة الإسرائيلة للدخول إلى القدس نابع من هيمنة الاحتلال الإسرائيلى علىالقدس و يجب ألا تكون عائقا لزيارة الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين. ويقول د. عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الاسلامى بجامعة الأزهر إن رأيه فى هذه المسألة قد يختلف نظراً لدراسته التاريخ الإسلامى، حيث نجد أن هذه المنطقة تمثل سرة الأرض وموطن الأنبياء ومسراهم وعروجهم لكنها تعرضت لغزاوات كثيرة وآخرها الغزو الصهيونى الإسرائيلى.. موضحاً أن ما حدث من زيارة المفتى د. على جمعة للقدس وإن كان يمثل صدمة كبيرة لغالبية المسلمين فإننى أرى أن هذه الزيارة كان يجب أن تتم منذ زمن بعيد. وأضاف أن القرارات التى اتخذت بمقاطعة زيارة القدس تركت الفلسطينيين وحدهم فى مجابهة الطرف الصهيونى ولم تجد إسرائيل ما يمنعها من مواصلة الزحف حتى أنها أتت على جميع المقدسات تحت شعارات مريضة، مشيراً إلى أن ترك زيارة القدس طوال هذه الفترة أمر لا أستسيغه ولا أتصوره -حسب تعبيره- هل كان يجب أن تكون مناطا للزيارة للمسلمين على اختلاف مذاهبهم وللمسيحيين بمختلف طوائفهم؟ لأن ترك الأرض مباحة أمام الصهاينة جعلهم يتصرفون على راحتهم ويغيرون شكل القدس قلبا وقالبا، وتغيير خرائطها التاريخية والحضارية لدرجة أنهم فى الفترة الماضية جعلوا مقابر رسول الله صلى الله عليه ساحة للتنزه وقاموا بزراعتها بالأشجار وبناء العمارات حتى أصبح الأثر التاريخى كأن لم يكن. وأوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية أن ترك القدس بدون زيارة عكس آثارا ونتائج سلبية فى نفوس الفلسطينيين، مما اضطر كثير منهم إلى الهجرة خارج أراضيهم، مضيفا أنه كان لابد من ذهاب الأفواج إلى الأراضى الفلسطينية بكثرة منذ زيارة الرئيس السادات للقدس حتى نفرج عن الفلسطينيين المحاصرين بين مدافع الصهاينة وبنادقهم مما يضطرهم إلى ترك بيوتهم، وتساءل هل من المعقول أن نستمر فى تنفيذ القرارات الخاطئة ونحن نبدأ عهدا جديدا؟!. واستشهد د. باشا بمقطع ل عز الدين بن الأسير فى كتاباته حول الحرب الصليبية على أرض فلسطين، حيث قال إن من كان يتجول بين الطرفين فى أوقات السلم يظن أنه لا تقوم الحرب أبدا.. ومن كان يتجول بين الطرفين فى أوقات الحرب يقول إنه لا يقوم سلام أبدا ذاكرا أنه فى الأيام والسنوات التى لم تكن فيها حرب كانت هناك رحال كثيرة إلى فلسطين وإلى القدس.. مؤكدا أن ما صنعه د. على جمعة بزيارته للقدس لا يخرج عن اجتهاد محمود.. وأن من اتخذ قرار المقاطعة كان يعتقد أنه على صواب. وأشار إلى أن ما فعله المفتى يمثل مصلحة للمسلمين والمسيحيين وكان يجب أن يتم منذ فترات.. فالخطأ أن يظل الهجوم لصالح قرارات خاطئة لا نرغب فى أن تستمر طويلا مستشهداً بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «من اجتهد فأصاب له أجران، ومن اجتهد فأخطأ له أجر» صدق رسول الله. عصر الفتن ويختلف معه فى الرأى د. محمود مهنا نائب رئيس جامعة الأزهر سابقا وعضو مجمع البحوث الإسلامية، مؤكدا أن الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها تعيش فتنا كقطع الليل المظلم.. أفضل الناس فيه من لزم بيته حيث سأل سيدنا جابر بن عقبة يا رسول الله ما النجاة قال «أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك» وكان ذلك فى وقت انتشرت فيه الفتن منذ 1400 سنة أو يزيد.. متسائلا فى بالك بعصرنا هذا الملىء بالفتن التى لا تكاد تنتهى عواقبها. وأوضح أن القدس أصبح يخضع للسياسة وتتنازع عليه الدول.. والأمة الإسلامية مطالبة بتحريره لا بزيارته، لأن الزيارة هنا تثير زعزعة وبلبلة بين 7 مليارات مسلم.. بل كان الأجدر ألا تكون لأن هذا إقرار بالحقيقة ووضعها تحت الراية الإسرائيلية وبطش اليهود، علما بأنها ملك للمسلمين والمسيحيين والعرب منذ فتحها عمر بن الخطاب. وأكد عضو مجمع البحوث الإسلامية ونحن فى هذه الأيام 7 مليارات مسلم أقول بكل الثقة أعظمها رأيا ما قاله وأعلنه «البابا شنودة الثالث» الذى رحل عن دنيانا بالأمس القريب بأنه لن يزور القدسوفلسطين إلا تحت راية عربية.. متسائلا: فإذا كان ذلك شعور رجل يحمل المسيحية فكيف يكون شعور رجل مسلم؟. وتساءل د. مهنا متعجبا من الموقف.. «رجل يحتل بيتى وأزوره وأحمل إليه الهدايا»!! فهذا لا يجوز شرعا ولا يقره دين، مؤكدا أن هذه الزيارة كان يجب ألا تكون إلا تحت راية محمدية حتى وإن كانت بجواز سفر غير إسرائيلى، كما يبرر البعض.. فلا للتطبيع مع إسرائيل لأنها محتل معتد على أرضى أنا، وأبى ضحى هنا والقرآن يدعونا إلى أن نحارب هؤلاء.. بل هناك حديث نبوى بأنه إذا دخل العدو أرض قوم أصبح الجهاد فرض عين على الجميع. واختتم عضو مجمع البحوث الإسلامية بأن ما يحدث هذا من ضعفنا لأن الأزمة الإسلامية أصبحت «أمة مكلمة» تقول مالا تفعل. ليست تطبيعا ويرد د. إبراهيم نجم المستشار الإعلامى للدكتور على جمعة أن زيارة المفتى لمدينة القدس وصلاته بالمسجد الأقصى لا تعنى التطبيع مع الكيان الصهيونى، نافيا أن يكون المفتى قد حصل على تأشيرة دخول من سلطات الاحتلال الإسرائيلى، موضحا أن المفتى زار القدس ضمن وفد من الديوان الملكى الأردنى المشرف على المزارات المقدسة للقدس الشريف ولا يحتاج لأى إذن أو تأشيرة دخول. وأضاف مستشار مفتى الجمهورية أن الزيارة ليست بهدف التطبيع مع إسرائيل وإنما بهدف التأكيد على إسلامية وعربية المدينة المقدسة وأن إسرائيل مهما طال بها العمر فلن تفلح فى منع المسلمين والعرب عن الدعم الكامل لبيت المقدس والعودة إلى المسجد الأقصى خاصة بعدما زالت الأنظمة المستبدة التى كانت تدعم وجودهم.. موضحاً أن زيارة المفتى للقدس تأتى بمثابة إعلان بالإشارة إلى العودة إلى القدس مرة ثانية فى ظل حماية تبعية والتأكيد على حق ثابت رفض القانون الدولى إثباته لكن القانون الطبيعى يثبته. وجهتا نظر من جانبه يقول د. عثمان محمد عثمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة 6 أكتوبر إنه بالنسبة لزيارة القدس والأراضى الفلسطينية المختلفة هناك وجهتا نظر الأولى ترى أن المقاطعة وعدم الزيارة تحت الاحتلال تفيد القضية الفلسطينية، أما الثانية فيرى أصحابها أن التواجد العربى يقوى الفلسطينيين وأنه لو كانت هناك استثمارات عربية فى القدس، ما وصل الحال إلى ما هو عليه الآن. وأضاف أن مفتى الجمهورية د. على جمعة لن يقوم بمثل هذه الخطوة إلا إذا تأكد من أنها ستفيد وتدعم القضية الفلسطينية، كما أننى أرى أن زيارة الإخوة المسيحيين أيضاً إلى القدس مؤخراً لم تكن عشوائية لكنها جاءت بعد دراسة وقد تكون فى مصلحة القضية، لأن التواجد العربى وعمل المشروعات فى الأراضى المحتلة سيواجه التوسع فى الاستيطان الذى وصل مداه. وأوضح أستاذ العلوم السياسية أنه مع وجهة النظر الثانية لأن التواجد الرمزى قد يدعم الموقف الفلسطينى لأننا تركناهم مدة تزيد على 60 عاما ولم يحدث إلا ما نرى حتى أصبحت القضية الآن فرض وأمر واقع على الأرض تغيير «ديموجرافى» جغرافى بشرى يزيد من سيطرة الإسرائيليين، مشيراً إلى أنه كانت هناك وجهة نظر عربية خرجت تنادى بضرورة وجود مشروعات عربية واستثمارات فى القدس لكنها توارت حتى أصبح 70% من الفلسطينيين يعملون فى المشروعات الصهيونية. واختتم د. عثمان كلامه بالمقوله التى تنص بأنه «أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً». مشيداً بالزيارة إلى القدس ومؤيداً لأى تواجد عربى، فالتواجد فى رأيه قد يفيد أكثر من المقاطعة. أما الشيخ محمد عثمان البسطويسى نقيب الدعاة فيرى أننا جميعا نحن المسلمين ندعو فى كل صلاة أن يرزقنا الله عز وجل صلاة فى القدس قبل الممات معلقا على زيارة مفتى الجمهورية للقدس وهى تحت الاحتلال الإسرائيلى بأن «الله أعلم بمراده من زيارة القدس» مؤكداً أنها لو كانت الزيارة من باب الصلاة وإتمام ركن فى الدين فبها ونعمة ولفتة طيبة. عزل المفتى ويقول الدكتور أنور عبد العظيم عكاشة المفكر الإسلامى إنه كتيار إسلامى وكشعب مصرى وكعرب ننكر هذه الزيارة ونطالب بضرورة القيام بعزل هذا المفتى ومحاسبته على هذه الزيارة فهى تصب لخدمة الصهيونية وهو محاضر أساسى فى أندية الروتارى «فقد بلغ السيل الزبا». وقال: أنا أرفض هذه الزيارة وأى زيارة أخرى من قبل أى فرد قبل أن نحرر القدس الشريف وقد علقت على زيارة بعض الأقباط للقدس وقلت إن هذا اختراق صهيونى للكنيسة، فالبابا شنودة والقيادة المسيحية رفضتها أيضاً وأعلنوا أنهم سيحيلون بعض الأفراد إلى التحقيق وهذا الأمر شجعه ويجب أن يحال المفتى إلى المحاكمة وإن لم نكن قادرين على ذلك فيجب الضغط بكافة الوسائل لخلعه لأنه يعمل فى اتجاه والتيار الإسلامى والقومى والعروبى يعمل فى اتجاه آخر. خيانة مزدوجة أما ممدوح إسماعيل عضو مجلس الشعب عن حزب النور. فقال إنها خيانة من نصلين لأنه رمز دينى وسياسى ولكن أراح صدرى أن شيخ الأزهر والأزهر كله انتفض بقوة لهذه الزيارة وقد قدمت طلب إحاطة لرئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتنى وسيتم مناقشته اليوم بالمجلس لأن الزيارة خروج عن الثوابت الوطنية والقضية الشرعية. وأضاف أنه وزملاؤه سيطالبون بإقالة المفتى وليس لها حل غير هذا ولكن هناك حلا هو أن يأتى أمام مجلس الشعب ويعتذر للشعب كله، وأشار إلى أنه ليس من اختصاصات منصبه وأنه ليس له علاقة بهذا الملف مطلقاً وأن علاقته بهذا الملف أنه رمز دينى فلابد أن يقوم بتحقيق الأمر الشرعى الذى وافق عليه علماء الأزهر وحتمية تحرير المسجد الأقصى لا دخوله عبر الاتفاق مع الأردن بتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية فهو أمر شائن. غرض الزيارة أما الدكتور عبد الخالق الشريف وهو المسئول عن نشر الدعوى بجماعة الإخوان فتساءل عن سبب الزيارة، وقال إن العبرة بالأفعال فأين ينتهى الحكم الشرعى؟ فهل هو ذاهب لإعلان الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلى لبيت المقدس أم ضد التهويد للبيت أم يحمل فى يده سلاحا ليدافع عن المسجد الأقصى بدلاً من التخريبات والحفريات التى تفعلها إسرائيل أم ذاهب لأى غرض؟، فإذا كان لمجرد الكلام والنصرة فمن أى مكان يتم ذلك وإن كان ذاهبا للكفاح المسلح فجزاه الله خيراً فهل سيعلن أن إسرائيل يجب أن تزول وتخرج من على الأرض وأن الذين يقتلونهم شهداء والذين يفجرون أنفسهم شهداء وأن الأمة يجب كلها أن تفعل ذلك أم جاء لافتتاح مؤتمر أو بناية كم ستستفيد إسرائيل من وراء ذلك سواء دخل بتأشيرة أم بدون فهو دخل ويحمل جواز سفره والذى استقبله على الباب هو جندى إسرائيلى على رأسه علم عدو للعرب والمسلمين جميعاً فهو أمر محزن ومخز جداً ونأسف له وما كنا نتمنى لفرد وليس لعالم فى منصب رسمى رفيع أن يفعل مثل هذا تماماً، فأنا أرفض سفره تماماًَ وأضاف أنه بالنسبة لهذا الأمر من حيث الأبعاد السياسية فهى أمور لا أحب أن أتكلم فيها وضمائر الخلائق لا يعلمها إلا الله ما يهمنى هل هى صواب شرعاً أم خطأ شرعاً، وهى بلا شك خطأ شرعاً فلو كان ذاهباً يحمل سلاحا فى يده فكان هذا حقه ويكون مسلماً ذهب ليدافع عن بيت المقدس. إحالته للتحقيق المتحدث الرسمى السابق للإخوان فى أوروبا كمال الهلباوى صرح أنه فى حالة قدوم المفتى على هذا العمل المفاجىء دون الرجوع إلى دار الإفتاء أو الأزهر فيجب التحقيق معه، وأشار إلى أن المفتى يعبر عن مؤسسة بالإضافة إلى أن منصب مفتى مصر هو منصب كبير فمصر رائدة للأمة الإسلامية، كما كان أنه يجب التفاهم مع شيخ الأزهر وعلماء وفقهاء الأمة إلى جانب التنسيق مع علماء فلسطين أنفسهم حتى لا يتهم المفتى والأزهر بالتطبيع مع العدو الصهيونى. وأضاف الهلباوى أن هذا الفعل ليس حراما بورود آيات قرآنية وليس حلالا بموجب اجتهادات شخصية ولكن يجب اجتماع علماء الأمة لتقييم العمل قبل القدوم عليه. إشغال الرأى العام ويرى د. صالح جاهين مؤسس تنظيم الجهاد ووكيل مؤسسى حزب السلام والتنمية أن ما حدث مفتعل والهدف منه إشغال الرأى العام المصرى عن الأمور الأهم التى تجرى حالياً على الساحة السياسية، وأكد على أن زيارة المفتى المفاجئة للقدس لا تعنى شيئا، وإنما هى قصة لإشغالنا عن الأمور المتعلقة برئاسة الجمهورية والعودة للثورة وصياغتها من جديد ووضع برنامج زمنى لتحقيق أهداف الثورة. وأكد على ضرورة التخلص من الفلول. ويرى أن هذا الفعل مقصود؛ لذا لابد من تجاهل هذا الحدث.