فى الحلقة السابقة من أسرار الحياة الأخرى للرئيس الراحل أنور السادات تحدثنا عن كيف كان السادات فيلسوفاً روحانياً وعن وصفتة لبناء جسد رياضى متكامل.. وقصة الخطر الذى كان يهدد السادات ويحاول الهروب منه دائماً.. ولماذا أراد أن يكون فرعوناً يعبده المصريون؟ وماذا قال عن المسيح عليه السلام؟ وكيف كانت علاقتة بالله عز وجل؟ وفى الحلقة التالية نكشف عن السبب الحقيقى لقيام السادات بطرد الروس من مصر وعن سر نوم السادات على ظهره لفترة طويلة ولماذا كان يحب أن تحتوى غرفة نومه على عدد كبير من الوسائد الخالية ولماذا كان حريصاً على قراءة القرآن الكريم وتسجيل ذلك على شرائط كاسيت. كما تكشف السطور التالية عن سر ولع السادات بالسينما ولماذا صوره بعض الكتاب بحراس المعابد وسبب رفض السادات للصحافة الخاصة فى عهده وكيف كان يعلّم المستشار الألمانى هيلموت شميت القرآن الكريم وحكاية المائدة التى كان يصنعها للفقراء فى ميت أبو الكوم كل رمضان وغيرها من الأسرار الأخرى. خلال الأيام الأخيرة من حياة أنور السادات.. كانت الحراسة الخاصة به شديدة جداً ومشدودة للغاية لدرجة يشعر معها المرء وكأن هؤلاء الحراس يحمونه من خطر قادم وكأن هذا القائد الذى ينادى بالسلام.. أو هذا الذى كان داعية للسلام.. إنما يهدده خطر رهيب جداً جداً.. وكان الحراس فى حالة تأهب دائم وكامل وكأنه سوف تجرى محاولة لاغتيال هذا القائد.. وهؤلاء الحراس سوف يحاولون الدفاع عنه..!! وعلى الرغم من هذا التوتر الذى كان يسود بين حراس السادات فى آخر أيامه إلا أن القريبين من السادات.. لم يكن يراودهم أى احساس بأن السادات يهاب أو يخاف الموت أبداً أو حتى مجرد أن يشعر بقلق نحو ذلك.. وربما كان ذلك بسبب تاريخ السادات الذى عاشه مغامراً ومدافعاً عن الحرية مما جعل له نوعا من الإيمان الحقيقى بالفعل وبما يجعل أى إنسان يشعر بأن السادات لم يكن متخوفاً من أى شىء..! حديث.. صريح قبل وفاة أنور السادات بأيام أو قبيل اغتياله التقى الصحفى الأمريكى مارك وليم بلايز.. بأنور السادات وقد كان صديقاً له وسأل الصحفى أنور السادات عما إذا كان لديه إحساس أو شعور داخلى بأنه يمكن أن ينتقم من عدوه الممثل فى الانجليز أو البريطانين؟ أو على الأقل حب الانتقام؟! وكانت إجابة السادات: لأ طبعاً الشعب المصرى شعب متسامح.. وأنا شخصياً حاربت ضد الانجليز مثل الأسد وبالرغم من ذلك كنت أحترمهم جداً وأنا عموماً لا أثق فى الذين لا يحافظون على كلمتهم أو يلتزمون بها..! وهذا ليس له شأن لا بالقومية ولا بالاجراءات السياسية ومشكلة مصر أنها لم تكن فى احتياج لأى شىء وبالتالى لم يكن هناك داع أن ترتبط مصر بصداقة أناس لم يحترموا كلمتهم.. وسوف أسوق لك مثلاً بسيطاً فلعلك تعلم كيف كانت علاقتنا بالاتحاد السوفيتى وكيف كان شكل هذه العلاقة؟! أنا طردت الروس برة البلد لأنه كان قد أصبح واضحاً وجلياً بالنسبة لنا أنهم يريدون توريط البلاد وهذا لا ينبغى بالطبع أن هناك بعض الأمريكان من الذين لم أشعر براحة فى التعامل معهم ولم أثق بهم إطلاقاً لكن بالمناسبة الأمريكان أصبحوا أكثر تعاوناً وأكثر استجابة فى المنطقة عن الاتحاد السوفيتى.. فبعد الحرب الفيتنامية، الولاياتالمتحدةالأمريكية أصابها نوع من التكتيف أو الحرج وأنا فعلا كنت مشفق عليها آنذاك .. لأنها بدأت تتخلى عن صورتها المعروفة.. وبالتالى نستطيع القول وببساطة بأن حرب فيتنام أصابت الولاياتالمتحدةالأمريكية بنوع من الشلل أو عقدة الشلل مما جعل الاتحاد السوفيتى يتمكن من التحرك فى منطقة الشرق الأوسط مثلها يريد أو مثلما يحلو له.. والمسألة أصبحت مخيفة أو مرعبة لدرجة أنه يمكننا القول أن أمريكا التى كان التهديد واقعا عليها قد أصبحت تحت رئاسة رونالد ريجان هى أمريكا القديمة.. لأن هذا الرجل لم يخدم فى الحقيقة الشرق الأوسط فحسب بل إنه قدم الولاياتالمتحدةالأمريكية بالكامل بإنجازاته العظيمة الباهرة فى اتفاقية كامب ديفيد كما أنه بدون كارتر وبدون أمريكا كان يستحيل على الإطلاق أن يكون هناك سلام فى المنطقة. روتين السادات رياضة « المشى» أو السير بخطوات سريعة التى كان يمارسها السادات يومياً لمدة حوالى ساعتين أينما تواجد ولا مانع من أن تكون بعض مقابلاته أثناء المشى وبعد أن ينتهى السادات من رياضته اليومية يقضى حوالى 15 دقيقة مترجلاً دراجة ثابتة يؤدى عليها تمرين الساقين.. بعدها يقوم أحد المختصين فى العلاج الطبيعى بإجراء بعض « المساج» لأنور السادات..! بعد ذلك يستلقى السادات على الأرض وعلى ظهره ممداً جسده لمدة حوالى ساعة دونما أداء أى شىء على الإطلاق .. فقط مجرد أنه يتأمل وهو مستلقى على ظهره.. وهذا كان الروتين اليومى للسادات..! وكان يقول إنه يحتاج لوقت كبير جداً حتى يمكنه التفكير فى شعبه وحتى يستطيع أن يفلسف سياسته وأنه غالباً ما كان يفضل ذلك وهو فى منزله وأنه لم يكن يغادر مكتبه قبل الساعة الخامسة مساءاً وبعد ذلك يجرى بعض الاتصالات مع مجموعة كبيرة جداً من الأشخاص وكذلك العديد من اللقاءات والاجتماعات وبعد كل هذا الجهد فإنه يكون قد أصبح فى احتياج ليكون وحيداً أو منفرداً بنفسه.. أما خلال شهر رمضان فكان السادات يبدأ فى ممارسة عمله بعد الساعة التاسعة مساء أى بعد تناول طعام الإفطار بعد المغرب بحوالى ساعتين أو ثلاث ساعات ويستمر فى ممارسة عمله حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل أو الثالثة فجر اليوم التالى ويكون هذا العمل موزعاً ما بين أن يقرأ أو يكتب أو يستقبل وزراءه ومستشاريه. أما بقية اليوم فليس هناك لدى السادات سوى قراءة القرآن الكريم، وأداء الصلاة غالباً ما كان يأخذ السادات من كل نشاط حكومى ..! واجب روحانى وكان السادات أثناء تلاوته للقرآن الكريم ينسحب إلى غرفة نومه ويجلس متربعاً على وسادتين كبيرتين وأمامه على واحدة منهما القرآن الكريم وأمامه أيضاً ميكرفون مرتبط بجهاز تسجيل ويتلو القرآن الكريم وجهاز التسجيل يسجل تلاوته وكأنه يحضر أو يمارس نوعا من الطقوس الدينية..! وسئل أنور السادات ذات مرة عما إذا كان يشعر بأن عليه واجبا روحانيا بالإضافة إلى الواجب السياسى الذى عليه كرئيس دولة. وكانت إجابة السادات إذا كان الأمر متعلقاً بالنشاط الدينى فقط فإنه ليس مبشراً دينياً ولا رجل دين.. فهو يعتبر نفسه قائداً سياسياً بالدرجة الأولى وبكل ما تشمله الكلمة من معان وهذا يعنى أنه يتحمل بعض المسئوليات أكثر من الآخرين ولكن هذا ليس معناه أنه متعال أو مترفع عن هؤلاء الآخرين وذلك لأن الإسلام أساسا لا ينص فيه على وجود فوارق بين الشعوب أو البشر وفى أحسن حالاته يطلب من القائد السياسى أن يكون لدية نوع من القدرة أو التوافق على الاستيعاب الدينى بمعنى أن يكون رجلا صالحا وأن يكون تقياً وأن يكون متأكداً أن شعبه إنما يعيش طبقاً ووفقاً لقوانين الإسلام..!. وعندما تسير الدولة تحت ظل الإسلام وإلى مداه مثلما كان الوضع فى إيران بشكل واضح يمثل الاندفاع فى هذا الاتجاه.. كان السادات معترضا على كل ما كان يحدث فى إيران وكان يرى أن الخومينى قد قلب المسائل والأمور من أعلى إلى أسفل وكان يعتبر الخومينى قائداً دينياً ولكنه فى نفس الوقت كان لديه بعض الاتجاهات السياسة وأنه فى نهاية الأمر كان يتخيل أنه يستطيع القيام بدورالإله أو الرب. حتى الأنبياء كان السادات يردد أنهم أناس قد يكون لهم أخطاء لأنهم ليسوا ملائكة فهم مجرد بشر ولكنه كان يرى الخومينى يعتبر نفسه متفوقا على كل شخص وعلى كل شىء لأن كل ماكان يفعله باسم الإسلام إنما هو اساءة حقيقية للإسلام وللمسلمين وأن كل ما كان يمارسه الخومينى لم يكن له علاقة بالدين إنما كان نوعاً من «الخومينية» أو «الخومينزم»..! وكثيراً ما كان السادات يقول ويردد بأن الإسلام لم يبن على الكراهية وأن الإسلام لا ينادى بالدم ولا بالانتقام.. وكانت وجهة نظر أنور السادات بشأن تسجيله للقرآن الكريم على شرائط كاسيت بصوته إنما ليترك لأطفاله وأحفاده القرآن مقروءاً بصوته شخصياًكنوع من الدعم الروحانى لهم. الوسائد الخالية فى كل استراحات أنور السادات وفى غرفة نومه كان لا بد أن يكون على سريره عدد من الوسائد حيث كان يحب أن ينام وسط هذه الوسائد وكان يستخدم غطاء أثناء نومه صيفاً وشتاء.. أيضاً لا بد من أن يكون عدد لا بأس به من الكتب فى غرفة نومه وأهم شىء يجب أن يكون موجوداً أيضاًجهاز تليفزيون صغير. والسادات كان يعشق وربما مدمنا لكل ما هو له علاقة بالسينما وفى طائرته أمر بوضع جهاز فيديو داخلها وكلما كان لديه وقت فلم يكن لديه أهم من مشاهدة أفلام «16م» بعد أن يتناول طعام العشاء وكان يشاهد هذه الأفلام على شاشة كبيرة وفى أى مكان كان يذهب إليه لابد وأن يكون أو أن تصاحبه الشاشة «16م» حتى فى منزله بقرية ميت أبو الكوم توجد هذه الشاشة وجهاز السينما الخاص بالسادات لابد أن يكون رفيقه!. والسادات كان بهذا الولع بالسينما مشاركاً لعدد كبير جدا من الرؤساء الأمريكيين ومنهم « جيميى كارتر» والذى أيضاً لابد وأن تصاحبة أينما ذهب شاشة «16م»وجهاز السينما .. وكان السادات أيضاً عاشقاً للبساطة ولم يكن يستهويه الأثاث المنزلى الفاخر أو المبالغ فى أبهته وقد كان ذلك واضحاً وملموساً فى جميع استراحاته فى أٍسوان وميت أبو الكوم والقاهرة والمعمورة.. إلخ. وكثيراً ما كان بعض الكتاب الأجانب يصفون أو يشبهون أنورالسادات عندما يجلس مسترخياً ومرتدياً الجلباب الأبيض بالأشخاص الذين يتواجدون فى منطقة مقابر أو معابد مدينة الأقصر وذلك من حيث الشبه..! ونفس هؤلاء الكتاب كثيراً ما سجلوا أحاسيسهم نحو السادات بأنهم يشعرون من خلال تصرفات السادات بأنه أشبه بالملوك وأن ايماءاته وسلوكياته تماماً مثلما الملوك وأنه هو شخصياً لم يكن ليشعر بذلك. السادات والصحافة أنور السادات كان مقتنعاً بأن الدستور المصرى ينص على حرية الصحافة كإحدى دعامات الديمقراطية وكان يرى أنه سواء شاءت الحكومة أولم تشأ فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الصحافة والتليفزيون يمدان الشعب بالمعلومات يومياً وبالتالى فإن هذه الأجهزة قد تصبح بالغة الخطورة إذا ما تحكم فيها «الأغلاط» على حد تعبير السادات. ولهذا السبب فإن السادات كثيراً ما أبدى رأيه بأنه ضد الملكية الخاصة فى الصحافة لأنه فى النهاية سوف يكون ملاك وأصحاب الصحف والمجلات سوف خاضعين ومعتمدين على أصحاب الإعلانات فى هذه الصحف وتلك المجلات يمكن أن يكون خاضعين ومعتمدين على أصحاب الإعلانات فى هذه الصحف وتلك المجلات.وبالتالى يمكن أن يكونوا مستسلمين لاحتكار المعلنين ومن ثم لا يمكن أبداً أن يكونوا محايدين.. وعلى ما يبدو أن السادات وقتها كان له مبرره الشخصى فى ذلك حيث قد ظهرت صورة للسادات فى بعض الصحف العالمية وهو مستلقى على الأرض وممد ثم سرعان ما ظهرت هذه الصورة فى صحف ليبيا تحت عنوان «السادات قائد مصر على الأرض»..! وبالتالى فإن هذا التعبير تناقلته بعض الصحف المعادية للسادات وفى أكثر من مكان بل سخرت منه. فربما كان ذلك سبباً فى أن السادات لم يكن لديه نوع من الثقة فى مختلف وجهات النظر الصحفية التى كانت تتحدث عنه.. على أنه فى كل الأحوال فقد جمع العديد والكثير أن السادات كان يتمتع بثقة كبيرة جداً فى نفسه. كان المستشار الألمانى هيلموت شيمت من الأصدقاء القلائل الذين يعتز بهم وبصداقتهم أنور السادات.. وكان السادات لا يتوقف أبداً ودائما عن تأكيد علاقته بهيلموت شميت وكيف أنه دائماً يتفهم وجهة نظر السادات فى أمور كثيرة.. وكان السادات قد أقنع شميث بفلسفته فى الحياة وفى الحكم بل أنه كان قد شرح للمستشار الألمانى الكثير جداً من معانى القرآن الكريم وكانشميث سعيداً بذلك. وذكر السادات للمستشار الألمانى أن القرآن الكريم يشبه فى أجزاء منه من حيث المعانى.. الانجيل.. وكان يقول له بمناسبة الحديث عن القرآن وعن الانجيل «احنا جميعا أخوة فى الحب» .. وكان شميت يتقبل كل ما يقوله السادات بصدر رحب جداً..!. مائدة السادات فى شهر رمضان من كل عام اعتاد أنور السادات على أن يدعو كل أقاربه من الفقراء على مأدبة إفطار وكان غير مسموح على الإطلاق تواجد أى صحفى خلال هذه المأدبة وذلك حتى لا يقال إن السادات إنما يفعل ذلك بغرض الدعاية وعلى جانب آخر حتى لا يستغل أى ممن كانوا على غير وفاق مع السادات ذلك على أن الفقر والجهل مستمران فى مصر وفى عائلة الرئيس السادات نفسه..!. وكانت هذه الموائد أو الولائم تمتد وكان عشرات الخدم والطباخين ينشغلون بإعداد هذه الولائم وبمجرد أن يحين موعد الإفطار يتقدم الرئيس السادات هذه المائدة وبعد أن تكون قد ركع على الأرض أمام الجالسين من أقاربه مؤدياً صلاة المغرب ويشكر بصوت مسموع. وكان طعام السادات شخصياً يوضع فى مجموعة من الأطباق الخاصة مصنوعة من الكريستال ولونها أزرق وعليها نقوش بماء الذهب.. وأما الطعام فكان لا يتجاوز الباذنجان، الأرز ، الطحينة، الخس، الخيار، و اللحم الضأن وقطعة من الشمام أو البطيخ.. صيفياً.. وفى الشتاء نوع الفاكهة الموجود وبعض العصائر. وبمجرد الانتهاء من تناول الطعام ينهض الرئيس السادات فوراً ويختفى ليعود وقد نزع جلبابه واستبدله ببدلة فاخرة وارئعة العطر ليشمها الجميع من على بعد ولتبدو صورته وهيئته فى منتهى الأناقة والأبهة. وكان هناك شخصان ملازمان للسادات دائما أينما تنقل وهذان الشخصان هما من العاملين بالتليفزيون حيث يقومان بتصوير كل شىء .. كما كان السادات يحتفظ بساعة صنعت له خصيصاً فى سويسرا.. هذه الساعة تحدد اتجاه القبلة أينما تواجد السادات وذلك حتى يتمكن من أداء فروض الصلاة. وكان السادات يتمكن من معرفة الوقت فى أى بلد من العالم ولكنه كثيراً ماكان يمزح ويقول ضاحكاً: المدينة الوحيدة غير الموجودة فى هذه الساعة هى «كامب ديفيد» ثم يقول سوف أقنعهم أن يضيفوا كامب ديفيد إلى الساعة حتى يمكن تحديد القبلة هناك»..!.