فى الحلقة السابقة من أسرار الحياة الأخرى للرئيس السادات كشفنا عن أهم المواقف الطريفة التىتعرض لها فى بعض زياراته للخارج، خاصة بريطانيا وأمريكا.. وكيف رد على إهانة الشرطة الإنجليزية فى المطار.. ولماذا غضب من غضب الملكة إليزابيث الثانية، وكيف كان السادات يسخر من مراسم استقباله فى واشنطن وغيرها.. وفى هذه الحلقة نكشف عن حقيقة لا يعرفها الكثير وهى أن السادات كان فيلسوفا روحانيا وكيف أراد أن يكون فرعونا يطيعه المصريون.. وما هى حكاية أشجار النخيل الأربع التى أهداها له معمر القذافى الرئيس الليبى السابق.. وحكاية الخطر الذى كان يهدد السادات ويحاول الهروب منه.. وسر ارتدائه للزى العسكرى رغم عدم رغبته فى ذلك.. وأسرار أخرى كثيرة تكشف عنها السطور التالية.ميت أبو الكوم.. قرية صغيرة تقع على دلتا النيل ولد فيها أنور السادات، حيث كان يقضى عدة أيام من شهر رمضان كل عام هناك.. ويلزم لمن يذهب أو كان يذهب إلى هذه القرية أن ينفض غبار السفر من على ملابسه بمجرد وصوله.. وهناك قاعة كبيرة جدا بمنزل السادات، حيث يقف فيها دائما ضابط من رجال الحرس الجمهورى ليوقف الذاهبين للقاء السادات، ممن كانوا يحدد لهم موعد معه. لقد أجمع كل من التقى أنور السادات بأن نظراته كانت قاسية جدا وحادة وجادة وأنه كان دائما يحدق فى اللانهائيات وفيما لا نهاية.. وكثيرا ما كان السادات يلتقى بصحفيين أجانب، وعلى حد قول كثيرين منهم لم يكن الزى الذى ظهر به السادات أن ينقص من شخصيته وكرامته وهيبته.. فقد ظهر علينا مرتديا قميصا نصف «كم» وشورت تنس وحذاء تنس أبيض أمريكى.. وكانت خطواته سريعة.. عسكرية جدا أيضا وكان ممسكا بعصا مثل العصا التى كانت تلازم المارشالات وكأنه ضابط إنجليزى. وخطوات السادات السريعة.. لازمته سنوات طويلة حتى أصبحت جزءا من الروتين اليومى فى حياته ورغم ذلك فإن عضلات ساقيه لم تكن لتخفى أنه قد تجاوز الستين من عمره.. نخيل القذافى كان السادات حريصا على أن يقول لكل من يلتقى به فى حديقة منزله بميت أبو الكوم إن أشجار النخيل الأربع الموجودة فى الحديقة.. أعطاها لى هدية الرئيس الليبى معمر القذافى وأن هذه هى الهدية الوحيدة التى تلقيتها من هذا الغبى الأحمق..! ثم يشير بعصاه إلى الأشجار ضاحكا.. وكثيرا ما حكى أنور السادات أنه فى أثناء مفاوضات كامب ديفيد كان الرئيس جيمى كارتر يطلب منه أن يجرى معه صباحا، إلا أن السادات كان يقول له إنه يكتفى برياضة المشى.. حيث كان السادات مقتنعا بأنه لابد وأن يكون الإنسان فى حالة رياضية متوازنة وذلك لأن الإنسان لا يستطيع التفكير أبدا فيما لو كان جسده مختلا وأن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان وجعله فى الأرض ليكون فى بنيان جيد.. ولكى يصل الإنسان إلى هذه الحالة من الجودة فإن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان ثلاثة أجهزة توصله للبناء البشرى المتكامل وهذه الأجهزة هى الروح والعقل والجسد.. ولابد أن يجد الإنسان نوعا من التوازن بين هذه العناصر الثلاثة لكى تكون فى حالة من الاكتفاء والتوازن ولكى ينعش الإنسان روحه فلابد من الإيمان لأن الإيمان يضىء للإنسان فى اللحظات الشديدة السواد.. حيث يشعر الإنسان فى لحظات الظلام هذه أنه لا يوجد مخرج.. وفجأة يجد الإنسان أن الإيمان يضىء له الطريق. ويرى أنور السادات أن الروح التى تكون مؤسسة جيدا دائما ما تنقذ الإنسان من الشك ولأن الشك هذا رهيب جدا.. وبالتالى العقل.. حيث كان يرى السادات أن الإسلام على العكس من الديانات الأخرى.. لم يكن هناك أنبياء صنعوا معجزات مثلما كان المسيح أو موسى عليهما السلام..إنما المعجزة الوحيدة الربانية التى منحها الله للمسلمين هى العقل. أو غذاء العقل كما يقول الإيرانيون او الفارسيون «التافان» .. أو «معلومات عن التافان»... ويؤكد السادات أنه يتحدث عن إيران أو عن الفرس لأن هذه المعلومات ليست معلومات غيبية ولكنها معلومات حقيقية.. ولابد للإنسان من أن يقوم بتدريب عقله تماما مثلما يقوم بتدريب جسده.. وذلك حتى لا يكون هذا العقل خاملا وكسولا..! وعليه فلابد من إيجاد توازن بين العناصر الثلاثة التى منحها الله للإنسان لكى يكون لديه قدرة أو مقدرة على التفكير المبدع أو الإبداع عموما.. وقد سُئل السادات ذات مرة.. عما إذا كانت هذه هى أحد شروط الوصول إلى القوة..؟! وكانت إجابته: طبعا.. فلابد أن يكون لدى الإنسان الموهبة والقدرة على أن يرى المنظور أعرض.. ورؤية شمولية أكثر وذلك لكى يفهم كيف توجد العلاقات بين الأشياء. وليس كافيا أبدا أن يكون الإنسان طالب علم أو متعلما بشكل كبير.. ولكن لابد أن يكون هناك بعض أو قليل من العقل والمنطق.. والرؤية المنطقية والبصيرة.. لابد أن يكون لدى الإنسان بصيرة أكثر مما لديه من علم مكتبى.. ولكن أهم شىء طبعا.. إرادة الله سبحانه وتعالى.. لأن إرادته عز وجل هى التى تحدد بشكل مطلق من الذى يمكن أن يتلقى القوة والقدرة الأرضية. صيام السادات على الرغم من أن شهر رمضان، كان يأتى خلال السنوات الأخيرة من حياة أنور السادات، أكثر شهوره صيفًا وحرارة عالية، إلا أن روتين الرجل اليومى لم يكن ليغيره أبدا.. رغم حرصه الشديد على الصيام.. وكان دائما محافظا على خطواته الرشيقة وكثيرا ما كان السادات يؤكد أنه لا يشعر بأى مرض أو تعب أثناء الصيام.. بل إن عكس ذلك غالبا ما يكون.. وأن عقله خلال شهر رمضان يكون فى حالة من النشاط والهدوء.. وأنه يشعر بنوع من السمو الحقيقى وأنه يستمتع بذلك جدا.. بل يستطيع التفكير بوضوح أكثر من أى وقت آخر خلال العام وأنه وجد أن أهم القرارات التى اتخذها فى حياته، إنما كانت دائما خلال شهر رمضان.. وأن ذلك لم يكن مصادفة.. لأنه وهو صائم كان يشعر بأنه أكثر اقترابا من الله سبحانه وتعالى وبالتالى يستطيع أن يدرك كل ما يريده وكل ما يتوقعه أو يريده الإله منه وبالتالى يستطيع أن يرى بالضوء أكثر ويستطيع أن يحدد من خلال هذا الضوء الممر أو المسار الذى سوف يسير فيه على أساس أنه يستطيع أن ينجز الرسالة التى أمره الله سبحانه وتعالى بها.. لأن كل إنسان يخلق وعليه رسالة يجب أن يؤديها..! والسادات كان يرى أن كل ما يقوله عن نفسه ليس له علاقة بالغرور.. لأنه يعرف ببساطة أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه واجبا معينا وكان عليه أن يؤديه.. ولكى يكتشف السادات هذه الحقيقة.. كان لابد وأن يكون لديه فرصة جيدة جدا وعميقة جدا لكى يبدأ بمعرفة نفسه ثم بعد ذلك معرفة روحه ذاتها. وكان السادات يقول إن قصة حياته كلها موجودة فى كتاب «البحث عن الذات».. لكنه ما كان يقصده أنه خلال رحلة بحثه عن الحقيقة.. إنما كانت هى رحلة بحثه عن الذات.. عن نفسه هو...! الزنزانة 54 والسادات كان يرى انه عثر على ذاته فى «الزنزانة 54»، عندما كان مسجونا ومعزولا.. بعد أن اتهم بتدبير اغتيال السياسى المعروف «أمين عثمان»، حيث مكث داخل هذه الزنزانة فى الظلام.. فترات طويلة لم تكن معه خلالها كُتب أو صحف يقرأها.. ولم يكن هناك مذياع يستمع إليه.. كان بمفرده لم يكن معه سوى نفسه.. يتكلم معها ويتحدث إليها وكان يتخيل أشياء ويسترجع أشياء أخرى وكان لابد وأن يغوص فى أعماق نفسه، لأنها كانت فرصة عظيمة كما كان يرى .. وقد ساعده الله سبحانه وتعالى فى هذه الفترة «على حد قوله» أن يكتشف نفسه ويعرف ذاته ويعرف حقيقتها وبمجرد أن اكتشف السادات نفسه وعرف حقيقتها قرر أن يكرس حياته كلها من أجل السلام.. وهذا ما ظل يسعى إليه ويخطط من أجله.. ولذلك كان السادات يرى أن العالم قد دهش وبهت.. من رحلته إلى القدس فى عام 1977 لدرجة أن المنشقين عليه أو المتطرفين صدموا من رحلته إلى القدس.. هكذا كان يقول السادات.. ولكنه كان يرى أن هذه الرحلة بالنسبة له.. مرحلة منطقية ونتيجة منطقية أيضا لتفكيره المستمر فى السلام.. وخلال رياضة المشى التى كان يمارسها أنور السادات.. حتى خلال شهر رمضان.. وفى ساعات الصيام كان طوال سيره يجفف عرقه الغزير بمناديل ورقية ثم يلقيها أسفل أشجار حديقة منزله.. ثم بعد لحظات يأتى من يقوم بجمع هذه الأوراق.. ومع قرب انتهاء ساعات الصوم كان يبدو على السادات عدم القدرة على التركيز.. وكذلك نظراته لا يوجد بها الحسم والجدية كعادته. كذلك لم يكن السادات يحدد مواعيد للقاءات صحفية خلال شهر رمضان ما لم تكن هناك علاقة صداقة بينه وبين الصحفى الذى سوف يستقبله خلال هذا الشهر.. القروى الساذج خلال فترات تردده على قريته ميت أبو الكوم، كثيرا ما كان أنور السادات يقف على باب «الفيلا» الخاصة به ليتحدث مع أى من الفلاحين جيرانه والذين كانوا ما يزالون يسكنون بجوار منزل السادات فى القرية.. وكثيرا ما كان السادات يتحدث إلى أحدهم مثلا وهو يمتطى «الحمار» فى حين يكون السادات واقفا..! وكان السادات يعتبر نفسه أو دائما ما كان يقول إنه عاش فى أكثر المناطق فقرا من قريته «ميت أبو الكوم» وأنه كان فلاحا بسيطا جدا وفقيرا جدا وكان شاغله الأعظم حينذاك ألا يموت من الجوع، بل إنه كان بالكاد يستطيع تدبير «لقمة العيش» على حد قوله وذلك حتى لا يموت جوعا.. وكان السادات يعتبر أن أسعد لحظات عمره وأجملها، تلك التى كان يقضيها فى قريته «ميت أبو الكوم» وأن أناس هذه القرية البسطاء.. هم كانوا بسطاء أو هم بسطاء فعلا ولكنهم متحضرون جدا.. وهذه نتيجة طبيعية وحتمية لتاريخهم الثرى العظيم والذى يقترب من سبعة آلاف عام.. كثيرا ما كان بعض المقربين من أنور السادات ومن أصدقائه الأجانب.. يسألونه عن كثرة تنقلاته داخل مصر ما بين القناطر الخيرية.. أسوان.. الإسماعيلية.. الجيزة.. الحرانية.. الإسكندرية.. ميت أبو الكوم.. وعما إذا كانت رغبته هذه فى التنقل او الهروب من المكان الواحد.. دليلا على أن أنور السادات يمثل شخصية الهارب من خطر معين او تهديد معين بشأن وظيفته أو وضعه بشكل عام..! وكانت إجابة السادات دائما. بأنه عن نفسه لا يعلم عما إذا كان سوف يستمر فى الحكم.. أو لن يستمر، لأن ذلك يتوقف على إرادة الله سبحانه وتعالى وعلى إرادة الشعب وأن هذه ليست وظيفته وليس المرء هو الذى يحدد متى سيترك وظيفته ومتى سيترك مكتبه إلخ.. هذه إرادة الله سبحانه وتعالى وإرادة الشعب.. وكثيرا ما كان يرد السادات على نفس السؤال بأنه عندما سيشعر بأنه وصل إلى قمة عطائه وقمة الإبداع الإنسانى لديه، فإنه سوف يترك منصب رئيس الجمهورية.. سواء رغب الشعب ذلك أو لم يرغب. كلام متناقض من المؤكد أنه لم يكن لأحد حينذاك أن يُبدى ملاحظته لتناقض كلام السادات الواضح جدا.. ففى الوقت الذى كان يردد السادات كلماته عن إرادة الله سبحانه وتعالى وإرادة الشعب لم يشعر بأنه كان قد قرر فى نفس الوقت أنه بإرادته شخصيا سوف يقّدر متى يترك الحكم..! فقد كان أنو السادات شديد الثقة بنفسه لأبعد الحدود وأيضا كان إيمانه بالله سبحانه وتعالى شديدا..! وكان إيمان السادات بنفسه وإيمانه بالله هما السلاحان اللذان لم يكن لأحد كائنا من كان أن يستطيع محاربته بهما، خاصة الذين هم ليسوا على درجة كبيرة من الإيمان الذى كان لدى أنور السادات.. وكثيرا ما كان السادات يردد «الإنسان بدون إيمان.. كأنه قد انتحر». بعض المحللين من الذين اقتربوا من السادات قرروا أن الشخصية المميزة للسادات إنما هى تلك التى كان بعض الأشخاص قد قارنوا بين السادات وبين «الفرعون» وبعضهم ممن اقتربوا منه أكثر قالوا» فعلا عندما تقترب من السادات تشعر بأنه فرعون.. أو تشعر أيضا بأن السادات كان لديه دائما رغبة فى أن يطيعه شعبه مثلما كان يُعبد الفرعون. وعلى الرغم من أن السادات كان يردد دائما أن بداخله ثالوثا أو أنه يتحرك من خلال ثلاثة محاور.. فعلى ما يبدو أن هذه التركيبة كانت بداخله فعلا.. فلقد كان يرتدى «جلباب» الفلاح ويعيش حياة الفلاح وفى نفس الوقت وهو داخل القصور يرتدى ملابس «الباشا» بكل مظاهر فخامة وأبهة الباشوات.. أما المرحلة الثالثة.. فكانت عندما يرتدى زى «المارشال» ومع هذا فإنه كان يعيش حياته فى منتهى الحرية بل يعيشها بشكل غريب تماما.. وكل هذه الأشياء أو المفارقات فى وقت واحد الفلاح والباشا والمارشال وحياة الغرب تغلف كل ذلك.. وكان السادات يقول إن بعض النقاد من الذين يعلقون ويقولون إنه مولع بارتداء زى المارشالات أو الزى العسكرى فإنهم ليسوا على صواب وأن السادات لم يكن له دخل بشأن ارتدائه هذا الزى وإنما هم الوزراء، حيث كانوا هم الذين يقدرون أن مظهر السادات يبدو أكثر قبولا بهذا الزى وربما ذلك لما يبدو من مظاهر القوة، لم يكن السادات يعرف عموما ولم يكن له شأن بذلك وإنما الوزراء. السادات.. ديكتاتور وعلى أية حال فإن السادات كان ينفى عن نفسه الديكتاتورية ويؤكد أنه كان يرتدى الزى العسكرى بناء على طلب الوزراء ورغبتهم وذلك خلال مناسبات خاصة جدا.. عيد قومى مثلا، موكب عسكرى يسير فيه، وكذلك فى وقت الحرب، فإن الشعب لم يكن أمامه سوى السادات ينظر إليه فكان لابد وأن يروه مرتديا الزى العسكرى. كذلك كان السادات يرى أن المصريين مثل أى شعب آخر فى العالم يريدون تحرير أنفسهم من الفقر وفى احتياج لقائد يؤمنون به ويصدقونه بمجرد ما أن تترسخ هذه الثقة لديهم لا يمكن لأحد أن يهدمها. وكان السادات كلما تحدث إليه أحد فى مثل ذلك يرد عليه قائلا: انظر كيف كان الشعب المصرى يثق فى جمال عبد الناصر، رغم الهزيمة المهينة المذلة من إسرائيل عام 1967، وعلى الرغم من أن عبد الناصر كان هو أحد أسباب انحدار مصر.. لكن الشعب وثق فيه والدليل على هذه الثقة العمياء ما حدث فى جنازة عبد الناصر.. حيث تدافق خمسة ملايين من أفراد الشعب يشيعون جثمانه وذلك ليبادلوه آخر الاحترام وآخر حب. لقد كانت إجابات أنور السادات، بشأن أى أسئلة تخص جمال عبد الناصر، بأنه كان صديقا له.. والصديق هو الصديق مهما حدث.. وكان السادات دائم التكرار لهذه العبارة. كلما كان الحديث عن علاقته ب «عبد الناصر» وأنها كانت علاقة صداقة قوية.