هذا بخلاف ما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية الأخيرة من تغيير فى الخريطة السياسية للبلاد، ورغبة المجتمع فى عدم سيطرة تيار سياسى أو دينى على أعمال تلك اللجنة. ويمكن تلخيص النقاش الدائر حاليا حول هذا الموضوع فى عدة نقاط محددة منها: معايير العضوية فى اللجنة وهل تتكون بالكامل من خارج البرلمان بشقيه (الشعب والشورى) أم يجب أن تضم أعضاء منه؟.. وإذا حدث.. فما هى النسب المسموح بها؟.. ثم عندما تنتهى اللجنة من عملها. فهل تقدم مشروع الدستور إلى مجلس الشعب الذى اختارها أم لرئيس الجمهورية الذى يدعو الشعب للاستفتاء على هذا المشروع؟ وأتمنى أن يمتد النقاش إلى عدد من القضايا الأساسية والجوهرية فيما يتعلق بالمستقبل أو بطبيعة تشكيل البرلمان ذاته.. وذلك بغرض الحسم وعدم تحميل اللجنة المقترحة عبء إقرار ذلك وحدها.. ومنها نظام الحكم فى الدولة.. هل هو برلمانى أم رئاسى مختلط.. كما هو حادث الآن؟.. وكذلك نسبة ال 50% عمال وفلاحين فى البرلمان، والاستمرار فى الاكتفاء بأخذ رأى مجلس الشورى فى القضايا والقوانين المكملة للدستور أم ضرورة الموافقة الصريحة، وأيضا ما كان ينص عليه الدستور السابق من قيادة القطاع العام لعمليات التنمية الاقتصادية فى البلاد؟.. وكذلك هل يجوز تخصيص «كوتة» معينة لكل من المرأة والشباب فى عضوية البرلمان.. إلخ. ويبدو إزاء عدم التعرض لبعض تلك القضايا السابقة بالنقاش العام، أن هناك موافقة ضمنية من المجتمع بكل فئاته على بقاء الحال على ما هو عليه.. حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا. على أية حال.. فقد انقضت المهلة المخصصة لتلقى الاقتراحات بشأن تشكيل لجنة إعداد الدستور.. ومن المفترض أن يشرع المجلسان (الشعب والشورى) فى اختيار الأعضاء لتبدأ اللجنة عملها على الفور ويكون أمامها مدة كافية (ثلاثة شهور) لتنتهى من عملها مع الانتهاء من انتخابات رئيس الجمهورية الجديد بنهاية شهر يونيو القادم. وإذا كان الإعلان الدستورى قد نص فى المادة 60 منه على قيام الأعضاء غير المعينين فى مجلسى الشعب والشورى بانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو لإعداد مشروع الدستور الجديد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، على أن يعرض المشروع للاستفتاء العام من الشعب خلال خمسة عشر يوما من إعداده.. فمعنى ذلك أنه يجب أن تكون هناك قائمة من المرشحين لعضوية تلك الجمعية حتى يتسنى للأعضاء انتخاب مائة عضو منها. وفى رأيى أنه يجب أن تكون هناك معايير محددة لعضوية تلك اللجنة.. كالخبرة.. والكفاءة.. والسن.. والصفة.. إلخ.. ثم يطلب من الجامعات والأحزاب والنقابات وغيرهما تقديم مرشحيهما لعضوية اللجنة، ثم تقوم لجنة خاصة بتجميع كل تلك القوائم وتصنيفها فى قائمة واحدة تعرض على الاجتماع المشترك للمجلسين ليختار منهم مائة عضو بعد التوافق على النسب المختلفة لفئات المجتمع.. عمال.. فلاحين.. أساتذة جامعات.. مهنيين.. وهكذا. أى أن تكون هناك «مواءمة» سياسية فى انتخاب الأعضاء المائة، بحيث يمثلون كافة فئات المجتمع وطوائفه وتياراته السياسية والدينية المختلفة. وهنا يجوز أن يتم انتخاب بعض أعضاء المجلسين فى عضوية الجمعية.. إذا توافرت فيهم المعايير المطلوبة والتى سبق تحديدها من قبل.. ولا مجال هنا للحجة التى يقول بها البعض إن مجلس الشعب مطعون فى تشكيله.. لأنه حتى ولو حكمت المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات التى جاءت بأعضاء المجلس.. فهى لا تبطل ما قد يكون صدر منه من قوانين أو لوائح أو غيرها من القرارات والأعمال.. ولدينا سوابق كثيرة فى ذلك.. ثم إن مشروع الدستور ذاته سوف يعرض للاستفتاء العام على الشعب، وإذا وافق عليه الأخير.. فسوف تحصن تلك الموافقة مواد الدستور من البطلان.. باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات.. وهو المصدر الأساسى لكل شرعية.. حتى ولو كانت للدستور ذاته. ??? وإذا حدث التوافق على المعايير والنسب فى عضوية اللجنة.. فلن يكون لدينا مشكلة فى المدة التى يجب أن تستغرقها فى إعداد مشروع الدستور، لأنها محددة سلفا فى الإعلان الدستورى بموعد غايته ستة أشهر.. وقد تنتهى قبل ذلك كما قلنا من قبل مع بداية تسلم الرئيس الجديد لمهام عمله والمحدد لها أول يوليو القادم. وهنا لن تضطر اللجنة لعرض مشروع الدستور على مجلس الشعب الذى اختارها.. وذلك لسببين، أولهما: أنه بمجرد انتخاب أعضائها من المجلسين أصبحت لجنة مستقلة فى عملها يحكمها سوى ضمائر أعضائها، بمعنى آخر أن عملية الانتخاب هى عملية منشأة للجنة وتستمد شرعيتها وصلاحيتها منها، ولكن لا يعنى ذلك أنها تابعة لمجلسى الشعب والشورى أو أنها إحدى لجانهما، إنما هى لجنة مستقلة وجاءت بانتخاب غير مباشرة من الشعب.. حيث انتخبها أعضاء البرلمان الذين انتخبهم الشعب من قبل.. ومن ثم أصبحت مكلفة- هى نفسها- بتحديد معايير عملها وكيفية إجراء المناقشات بين أعضائها.. ويجوز لها تشكيل لجان متخصصة أو نوعية لأبواب معينة من مشروع الدستور..و إجمالا.. لها مطلق الحرية فى مباشرة اختصاصاتها حتى تنتهى من إعداد مشروع الدستور الجديد. أما السبب الثانى لعدم اضطرارها لتقديم نتائج أعمالها لمجلسى الشعب والشورى الذين أنشأها: أن المادة 189 من التعديلات الدستورية والتى وافق عليها الشعب فى استفتاء مارس 2011، قد أوجبت على رئيس الجمهورية عرض مشروع الدستور على الشعب للاستفتاء عليه خلال خمسة عشر يوما من الانتهاء منه، ولا يوجد اختصاص للبرلمان فى هذا المجال، فضلا عن العودة إلى الأصل.. وهو الشعب مصدر السلطات وحده.. للموافقة على مشروع الدستور من عدمه، ومادام وجد الأصل.. انتفى اختصاص الوكيل. خاصة أن الفقرة الثانية من المادة 25 من الإعلان الدستورى.. تنص على أن رئيس الجمهورية يمارس فور توليه مهام منصبه الاختصاصات المنوطة به ما عدا ما يخص مجلس الشعب (المادة 56 من الإعلان) وهى: التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها. وبالطبع على رأس اختصاصات رئيس الجمهورية الدعوة للانتخابات العامة أو الاستفتاء العام.. بخلاف كافة الاختصاصات الأخرى المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين واللوائح. ??? والمعنى هنا.. أن البعض منا يحاول اختراع قضايا وعقبات وهمية لا أساس لها من السوابق الدستورية أو القوانين السارية.. فالمجلس العسكرى كان يتولى التشريع.. حتى تم انتخاب مجلس الشعب.. فغُلّت يده عن ذلك الاختصاص.. وكذلك المفروض أن يعرض مشروع الدستور على الاستفتاء العام من الشعب للموافقة عليه أو رفضه بالكامل.. وليس مادة..مادة..ومن له حق الدعوة للاستفتاء هو رئيس الجمهورية.. والذى سيتم انتخابه- ولأول مرة- فى انتخابات عامة حرة مباشرة وفى ظل منافسة شرسة.. ومن ثم على لجنة إعداد الدستور تسليمه المشروع لعرضه للاستفتاء.. مع ملاحظة أن الرئيس ذاته لا يملك التعديل أو الإضافة للمشروع المعد سلفا من اللجنة. ??? تبقى الإشارة إلى ضرورة أن نهدأ ولا نحاول تسجيل نقاط ضد بعضنا البعض.. فالأمر جدا خطير.. ويتعلق بمستقبل البلاد.. ومن ثم يجب أن يتوافر فى الجميع حسن النية.. والإخلاص.. والعمل لله والوطن بعيدا عن التكتيكات الانتخابية المغرضة.. أو الطموحات السياسية القاتلة.