أعجبنى ما قاله الداعية الإسلامى الشيخ محمد حسان ردا على سؤال طرحه واحد من مذيعى الفضائيات.. كان الحديث عن الفتنة الطائفية وكان السؤال الذى طرحه المذيع: هل تحب المسيحيين؟!.. الشيخ حسان قال للمذيع سأرد على سؤالك ولكننى أتمنى أن تتوقف أنت وزملاؤك من المذيعين والمذيعات عن طرح مثل هذه الأسئلة التى لا هدف لها ولا مقصد إلا إشعال الحرائق!.. الشيخ حسان رد كما وعد وكان رده منطقيا وجميلا ومهذبا.. وقد أعجبنى الرد لكن أعجبنى أكثر وجهة نظره فى السؤال أو فى هذه النوعية من الأسئلة.. والحقيقة أن الفضائيات تفعل ذلك بالضبط وأكثر منذ قيام الثورة.. كأن مهمتها الأساسية وكأن مهمة أصحابها ومذيعيها.. إشعال الحرائق!.. هناك بالطبع استثناءات.. لكنها استثناءات قليلة.. أما الغالبية العظمى من الفضائيات وأصحابها ونجومها فهم لا يفعلون أكثر من إشعال الحرائق.. ولأسباب مختلفة!.. قبل أن أتطرق لهذه الأسباب أكرر أن هناك استثناءات حاولت ولا تزال أن تؤدى رسالتها الإعلامية انطلاقا من مصلحة الوطن.. لكن الغالبية كما ذكرت.. لا تجيد إلا إشعال الحرائق!.. أصحاب هذه الفضائيات إما أنهم يسعون وراء المكاسب المادية ولا يهمهم إلا حصيلة الإعلانات التى تمتلئ بها البرامج الحوارية.. وإما أن لهم أهدافاً ومآرب أخرى!.. ليس مستبعداً أن تكشف التحقيقات التى تجرى حالياً حول التمويل الأجنبى عن أن جزءاً من هذه الأموال المشبوهة وجدت طريقها إلى بعض الفضائيات أو من يملكها.. فى كل الأحوال مصلحة الوطن هى آخر ما يفكر فيه أصحاب هذه الفضائيات ومالكوها.. أما النجوم.. مذيعو ومذيعات الفضائيات فإنهم مثلهم مثل أصحاب الفضائيات ومالكيها.. يسعون وراء المكاسب المادية.. فكلهم - والاستثناءات هنا مستحيلة - يحصلون على أجور فلكية.. وهناك بالطبع من لهم أهداف ومآرب أخرى.. ثم هناك من يختبئون وراء صراخهم وضجيجهم ويتصورون أنهم بهذا الصخب والصراخ يخفون ما كانوا يقولون ويفعلون أيام النظام السابق.. فى كل الأحوال أيضاً فإن آخر ما يفكر فيه هؤلاء النجوم.. مصلحة الوطن.. وفى كل الأحوال تشتعل الحرائق!.. *** ليس من قبيل المبالغة القول بأن كثيراً من الأزمات والمصائب التى مرت علينا على امتداد عام كامل.. كان نتيجة ممارسات الإعلام.. الفضائيات على وجه التحديد!.. كلها كانت تنفخ فى النار وتسعى لإشعال الحرائق سواء بوعى أو بغير وعى.. كلها ركزت على السلبيات ووضعتها تحت المجهر هم كأنها تريد تضخيمها.. وهكذا اشتعلت حرائق الفتنة الطائفية (والخطير أن محاولات إشعال الحرائق الطائفية لا تزال مستمرة) وأظننا نذكر البرامج الحوارية الغريبة والعجيبة التى كانت تتعمد استضافة إما شخصيات متطرفة أو سفيهة.. وبذلت الفضائيات جهدا لا بأس به فى الوقيعة بين الجيش والشعب.. وتفننت فى التركيز على حوادث ماسبيرو وغيرها.. بدون موضوعية.. وكأن الفضائيات جميعها قد وقّعت عقودا مع المتطرفين والكارهين للأمن والاستقرار ومصلحة الوطن.. فامتلأت البرامج الحوارية بشخصيات تتحدث عن هدم جهاز الشرطة والقصاص منه.. كأنه يتبع دولة معادية!.. واختلطت الأوراق فأصبح الذين يهاجمون جنود الشرطة بالحجارة وزجاجات المولوتوف أبطالا وثوارا.. وأصبح الجنود (المصريون) الذين يدافعون عن أنفسهم وعن منشآتهم.. أجهزة قمع!.. وانقلب المنطق على يد هذه الشخصيات (الفضائية) فأصبح الحديث عن توقف عجلة الاقتصاد.. خيانة للثورة وفزاعة للقضاء على الثوار.. وأصبح الحديث عن الأمن المفقود منهجاً مقصوداً من جنرالات الثورة المضادة.. واخترعت الفضائيات القضايا التى تزيد الخلافات وتكرس الانقسامات.. الدستور أولا والانتخابات أولا.. شرعية الميدان وشرعية البرلمان.. الليبرالية والتيارات الإسلامية.. وغيرها من القضايا الخلافية.. وعندها طرحت بعض القوى السياسية فكرة العصيان المدنى.. تلقفتها الفضائيات كأنها وجدت فيها الضالة المنشودة.. لكن السحر انقلب على الساحر كما يقولون!.. *** تزامنت الدعوة للعصيان المدنى مع دعاوى أخرى تبنتها قوى سياسية مختلفة تدعو لإنهاء حكم العسكر.. اليوم وليس غدا.. وتسليم السلطة للمدنيين فورا.. ونجحت هذه القوى فى حشد عدد غير قليل من المواطنين لتأييد دعواهم.. فى نفس التوقيت تقريبا كان هناك صراع يدور بين الميدان والبرلمان ثم حادث بورسعيد المأساوى.. ووسط هذا الاحتقان ولدت فجأة دعوة العصيان المدنى.. عندما طرحت بعض القوى السياسية هذه الدعوة كان المفترض أن تلعب الفضائيات دورا فى التهدئة وتبصير المواطنين بأخطار مثل هذه الدعاوى.. لكنها بدلا من ذلك ركّزت على الحشد والتسخين والتأكيد على أن العصيان المدنى حق دستورى أصيل (!!!).. وليس هناك شك فى أن فشل الدعوة له أكثر من دلالة ومعنى.. فهذا الفشل رسالة للقوى السياسية التى تعمل على تسخين الشارع بأن الشعب أصابه السأم والملل من عدم الاستقرار.. وأنه أصبح مدركا أكثر من أى وقت أن هذه القوى تسعى للفوضى وعدم الاستقرار ولا تهمها مصلحة الوطن والمواطنين.. فى نفس الوقت فإن فشل دعوة العصيان المدنى يعتبر استفتاء من الشعب على مكانة الجيش والمجلس العسكرى.. وموافقة ضمنية على استمرار المجلس العسكرى فى موقع القيادة لحين تسليم السلطة بعد 30 يونيو.. ويمكن أن نضيف لذلك كله أن فشل دعوة العصيان المدنى، بهذه الطريقة التى عبر بها الشعب عن رفضه لها.. يمثل رسالة من الشعب للفضائيات.. رسالة تقول نحن لا نصدقكم.. نحن لا نثق فيكم.. نحن نعلم أنكم لا تريدون مصلحة مصر!.. وربما لهذا السبب جاء رد فعل الفضائيات وكأن فشل دعوة العصيان المدنى.. هزيمة شخصية لمذيعيها ومذيعاتها!.. وطاشت عقول النجوم!.. بعضهم استضاف شخصيات تؤكد أن العصيان المدنى نجح بنسبة 60%!.. وبعضهم استضاف أطفال المدارس الثانوية والإعدادية ليتحدثوا عن نجاح دعوة العصيان المدنى.. وبعضهم لم يحاول أن يشير من قريب أو للموضوع كله بعيد.. كأن شيئا لم يحدث!.. مع أن الذى حدث فرصة.. يجب ألا تضيع من أيدينا!.. *** ليس هناك شك فى أن أهم نتائج الرفض الشعبى لدعوة العصيان المدنى.. تلاشى حالة الاحتقان التى كانت تسيطر على الشارع المصرى.. يمكن القول دون خوف من مبالغة أن هناك نوعاً من الهدوء والاستقرار النسبى يسود الشارع الآن أكثر من أى وقت مضى.. يمكن القول أيضاً إن الأجهزة الأمنية اكتسبت ثقة كبيرة - بحكم انتمائها للدولة - التى حافظ الشعب على كيانها ولم يهدم مؤسساتها بالعصيان المدنى.. أضف إلى ذلك أن أداء البرلمان أصبح أكثر هدوءا بعد أن اختفى الاحتقان بنسبة كبيرة من الميدان!.. وفى هذه الأجواء يمكن أن يلعب مجلس الشعب دورا كبيرا فى إصدار تشريعات تعيد للأمن هيبته وقدرته.. وتعيد الأمان للشارع.. وتساعد رجال الشرطة على أداء رسالتهم.. فهل تضيع مثل هذه الفرصة؟!.. *** الامن فى مصر أصبح قضية ملحة.. والأمان أصبح إحساسا مفقودا.. وإذا كان احتقان الشارع على مدى عام وأكثر أحد أسباب ضياع الأمن والأمان.. فإن الاحتقان بدأ يذوب.. فيجب ألا تضيع منا الفرصة.. خاصة أن المسئولين جادون فى استعادة الأمن.. وأولهم وزير الداخلية ساعدوه بدلا من أن تحاربوه (!!!).