شهدت جلسات ولجان برلمان الثورة أول مواجهات ساخنة بين النواب والحكومة.. وتصدرت قضايا التمويل الخارجى للمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية، ونقص أسطوانات البوتاجاز، والأحداث المحيطة بوزارة الداخلية جدول أعمال المجلس، ومارس النواب دورهم الرقابى على أعمال السلطة التنفيذية على أكمل وجه.. ولم تكن هناك خطوط أو إشارات حمراء للتوقف عندها، كما كان يفرضها النظام السابق الفاسد على النواب!... وأحسب أن وزيرة التعاون الدولى فايزة أبوالنجا قد وضعت النقط فوق الحروف أمام النواب بالنسبة لقضية التمويل الخارجى للمنظمات غير الحكومية فى الاجتماع العاصف الذى عقد فى لجنة حقوق الإنسان برئاسة محمد أنور السادات.. وشنت أبو النجا هجوما حادا على الولاياتالمتحدةالأمريكية لأنها تخرق الاتفاقيات الدولية.. وتمول منظمات غير مسجلة من برنامج المساعدات المخصصة للتعليم والصحة والإسكان وتستقطع 150 مليون دولار لصالح هذه المنظمات والمكاتب غير القانونية التى يتم فتحها فى المحافظات! وقالت أبو النجا بكلمات واضحة تماما إن مصر لا تضع أى قيود على هذه المنظمات.. ولكن من حق الدولة أن تضبط التمويل وتراقبه، فالتمويل المباشر وصل فى خلال 9 أشهر من مارس حتى نوفمبر 2011 إلى 175 مليون دولار بعد أن كان فى 6 سنوات لا يتعدى 60 مليون دولار. وأشارت إلى أن وزارة التعاون الدولى ليس لها أى دخل فى مسار التحقيقات التى تقوم بها وزارة العدل، ولكن اعتبر ممثلو الجمعيات ما حدث تشويها لصورتهم أمام المجتمع المصرى كله. وفى نفس الوقت طالب ممثلو الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة طرح مشروع القانون الجديد للجمعيات الأهلية التى تعده الحكومة على جميع الجمعيات قبل إقراره من البرلمان، وأنه لا وصاية ولا تدخل ولا معوقات من الحكومة. وطالب د. عبدالعزيز حجازى رئيس الاتحاد النوعى للجمعيات بضرورة وجود صندوق لدعم موارد الجمعيات التى لا تتعدى 30 ألف جنيه من وزارة التضامن.. ودعا إلى أهمية تحرير هذه الجمعيات من سيطرة الحكومة. ??? أما القضية الثانية التى أثارها النواب وانفعلوا بها عندما تقدموا ب 79 طلب إحاطة وسؤالا لوزير البترول عبدالله غراب حول استمرار نقص أسطوانات البوتاجاز.. وأن سعرها وصل إلى 50 جنيها فى بعض المحافظات والقرى وأن كل المسئولين فى قطاع البترول أعلنوا فشلهم فى مواجهة هذه الأزمة التى تزيد حدتها فى فصل الشتاء! وشن النواب هجوما ضاريا على الحكومة التى مازالت تصدر الغاز الطبيعى إلى إسرائيل بأبخس الأثمان رغم أننا فى أشد الحاجة إليه.. لكن النائب المحمدى عبد المقصود من حزب الحرية والعدالة قال بكل وضوح إن رموز النظام السابق مازالوا يسيطرون على مستودعات أسطوانات البوتاجاز التى تقوم بتوزيع الأسطوانات.. وأن تراخيص هذه المستودعات كانت تقدم لهم كهدايا مثل مجدى راسخ والد زوجة علاء مبارك.. وأن أذيال رموز النظام الفاسد مازالوا يتحكمون فى هذه المستودعات ويهربون الأسطوانات إلى خارج المستودعات لبيعها فى السوق السوداء. لكن الوزير عبدالله غراب أشار فى رده على النواب إلى أن منظومة الوسطاء بين الوزارة والمستهلك هى التى تؤدى إلى رفع أسعار الأسطوانات وأن سعرها لم يتحرك منذ 19 سنة.. وأننا لابد من إعادة تسعير الأسطوانات.. وأن الحكومة تقدم دعما للبوتجاز يصل إلى 20 مليار جنيه سنويا، ولابد من فصل الإنتاج عن التوزيع للقضاء على الوسطاء وحماية المستودعات لكن النواب قالوا إن الأنبوبة لا تكفى سوى 10 أيام.. لأنها لا تزن سوى 8 كيلو جرامات فقط والمفروض أن تعبأ ب 15 كيلو جراما! أما أهم الأحداث التى عاشها البرلمان على مدى ثلاثة أيام فكانت الخاصة بما يحدث من مواجهات بين المتظاهرين ورجال الشرطة حول محيط وزارة الداخلية.. والذين كانوا يصممون على اقتحام الوزارة باعتبارها المسئولة عن أحداث بورسعيد وأن رجال الشرطة لم يتحركوا لحماية جمهور الأهلى عقب المباراة. وقرر المجلس أن يتولى التحقيق فيما يحدث حول الداخلية وأرسل نوابه إلى أماكن الأحداث، وأشهد أن هذه أول مرة يتم ذلك فى البرلمان المصرى.. وعاد النواب.. وحمّلوا الداخلية المسئولية كاملة فى قتل المتظاهرين والإسراف فى استخدام العنف والخراطيش وقتل بعضهم نتيجة الخراطيش.. وإصابة بعضهم فى العين والصدر! وطالب الأعضاء بضرورة محاكمة الوزير محمد إبراهيم وسحب الثقة منه.. ولكن الوزير نفى كل هذه الاتهامات التى كان يوجهها له النواب بكل قوة.. ونفى الوزير أنه أسرف فى استخدام القوة أمام المتظاهرين، ولكنه استخدم القنابل المسيلة للدموع فقط دفاعا عن وزارة الداخلية. وكان هناك سجال بين وزير الداخلية محمد إبراهيم والنواب.. فبعض النواب يحمل الداخلية المسئولية كاملة عما حدث، وأنها السبب وراء قتل المتظاهرين.. لكن بعض النواب كانوا لا يعتبرون هؤلاء المتظاهرين من الثوار والشهداء مثل النائب محمد العمدة، لأنه اعتبر من يحرق وزارة المالية ليس ثائرا ولكن بلطجيا.. وهاجم زملاءه الذين اعتصموا فى المجلس لأن دماء المصريين تسيل على حد قولهم. واتفق تماما مع ما طالب به النواب وعلى رأسهم د. عصام العريان بضرورة تطهير وزارة الداخلية من أعوان حبيب العادلى الوزير الأسبق والمحبوس حاليا.. وإعادة هيكلة الوزارة وضرورة تغيير ثقافة رجال الشرطة وكشف المؤامرة التى تدبر دائما فى الوقيعة بين الشعب والشرطة. وأظن أن ما قاله العضو أحمد رفعت وهو ضابط شرطة سابق يجب أن يضعه وزير الداخلية فى اعتباره، فالنائب رفعت أكد على تطهير الوزارة من العادلى والشاعر ورمزى.. وأن رجال الشرطة يجب أن يعملوا من خلال وازع من ضمائرهم وليس عن طريق الإحصائية، لأنه من غير المعقول أن يحصل ضابط الشرطة على إذنين للنيابة للتفتيش ويقوم بتفتيش عشرة منازل ويروع أهلها. وأكد النائب رفعت على ضرورة التصدى لعمليات التلفيق التى يقوم بها بعض رجال الشرطة للمواطنين.. لكنه فى نفس الوقت قال إن الشرطة بها رجال شرفاء وأظن أن هؤلاء هم الذين يجب أن يتولوا المسئولية. وكانت هذه شهادة من أحد الضباط الشرفاء السابقين.. وأحسب أن النائب صبحى صالح كان معه كل الحق وهو يتساءل: هل الوزارة عاجزة ومغلولة الأيدى؟.. فالشعب يريد الأمن والشرطة تريد أن تعمل.. فأين الخلل؟! ??? إننى أعتقد أن ما طالب به مجلس الشعب فى نهاية المناقشات الساخنة يجب أن يفعل وأن تقوم الحكومة بتنفيذه بضرورة تطهير الوزارة واستبعاد العناصر الفاسدة على حد تعبير د. سعد الكتاتنى رئيس المجلس.. ووقف استخدام كل أنواع العنف ضد المتظاهرين السلميين الذين يجب أن يعودوا إلى ميدان التحرير.. وتفعيل قانون الأسلحة النارية والبيضاء.. وأن يصدر تشريع لتنظيم التظاهر السلمى.