هو طفل مثل كل الأطفال.. عمره الآن لم يتجاوز الحادية عشرة.. أسمر.. ملامحه رقيقة.. ترى الذكاء يشع من عينيه.. ولكن وجهه أصفر.. شفتاه بيضاء فى لون الثلج.. من آن إلى آخر يخرج لسانه كى يبلل شفيته.. تشعر بأنه يحتاج إلى ماء ليشرب.. عندما زارتنى الأم وهو فى صحبتها لم أكن أدرى أنه صاحب المشكلة الكبيرة التى تعانى منها الأسرة.. تقدمت الأم بالمستندات والأوراق.. وبدأت تحكى المشكلة من أولها.. إنه الابن البكرى الذى فرحت به رزقها الله إياه بعد تسعة أشهر من زواجها.. طار الزوج من الفرح عندما بشر به.. ووفر له كل شىء مع أنه رجل أرزقى على باب الله يكد ويكدح من أجل توفير لقمة العيش.. دخله يكفى بالكاد، وبالرغم من أنه مريض سكر ويعانى من مضاعفاته ويعيش على الحقن بالأنسولين إلا أنه لم يقصر فى حق زوجته وطفله.. وكانت ابتسامة طفله هى مصدر الحياة له ولزوجته.. سبع سنوات عاشتها الأسرة فى سعادة، وزاد من سعادتها عندما مَنّ الله عليهما بطفلين آخرين، وبالرغم من أن ذلك جعل العبء يزيد على كاهل الأب إلا أنه كان فى غاية السعادة، وبالرغم من مرضه المزمن إلا أنه لم يقصر فى حق أسرته.. تقول الأم فى غمرة السعادة لم أكتشف أن ابنى البكرى مريض أو أنه مصاب بمشكلة مرضية ما إلا عندما لاحظت أنه يتوجه إلى الحمام للتبول بصورة لافتة للنظر.. أول الأمر كنت أظن أنه قد أصيب بالبرد.. ولكننى لاحظت أيضاً أنه يطلب الماء ليشرب كثيراً مع أن الجو فى هذه الأثناء لم يكن حارا إلى هذه الدرجة.. عندما علم الأب بهذه الأعراض طلب منى أن أصطحبه إلى الطبيب وشعرت بالقلق من لهفة الأب وإصراره على أن أذهب بالطفل إلى الطبيب وبسرعة وبالفعل توجهت إلى المستشفى وهناك طُلب منى سرعة إجراء تحاليل للطفل ومنها تحليل لمعرفة نسبة السكر فى الدم.. ضحكت! وهل طفل صغير لم يتعد السابعة من عمره يصاب بهذا المرض فنحن لم نسمع عن طفل مريض بالسكر، بل جميع المرضى من البالغين وكبار السن وياليتنى لم أضحك.. فقد أكد الطبيب علىّ أن أقوم بعمل هذا التحليل.. وكانت الصدمة الكبرى التى لم تكن تخطر على بالنا أن يكون الطفل مصاب بمرض البول السكرى مثل أبيه وبكيت ولكنها مشيئة الله الذى لا راد لمشيئته، وقد أظهرت نتائج التحاليل أن نسبة السكر فى دمه مرتفعة جداً وأن هذه النسبة بالغة الخطورة عليه ويجب أن يكون تحت رعاية طبية سريعة وبدأ الأطباء فى علاجه بالأنسولين وظللنا نتردد على المعهد لتلقى العلاج وإجراء التحاليل حتى بدأ معدل السكر فى دمه يستقر عند الحد المعقول مع إعطائه الجرعات المناسبة من الأنسولين والالتزام بالطعام المناسب والامتناع عن إعطائه جميع أنواع السكريات.. الطفل يحتاج إلى غذاء معين وأدوية وسرنجات لأخذ جرعات الأنسولين كما أنه يحتاج إلى رعاية وعناية فائقة خوفا من إصابته بغيبوبة.. يصعب على عندما أراه ينظر إلى الحلوى فى يد أطفال الجيران.. الأم تخاف على ابنها من هذا المرض الذى تسلل بخفة ليسرق فرحتها بطفلها ويحرمه من طفولته.. الأم جاءت إلينا لأن دخل الأسرة قليل والأب مريض والابن الصغير يحتاج إلى غذاء خاص ودواء وكثيرا ما تأتى عليها أيام لا تجد مالا لديها لتوفر للطفل احتياجاته فهل تجد من يساعدهم؟ .