مثلما كان الأزهر الشريف منارة للعلم والعلماء لمئات السنين، تأتى مقارئ الأزهر لتحفيظ القرآن الكريم لتقوم بدورها فى احتضان كل من هداه الله إلى كتابه العزيز، طفلا كان أو كهلا أو حتى شيخ كبير لينهل من فيض القرآن.. ويستزيد من نوره وبركاته التى تعم الدنيا والآخرة.. «أكتوبر» قامت بزيارة إلى مقارئ القرآن الكريم فى الأزهر الشريف، وتحدثت مع حفظة القرآن من كل الأعمار والمستويات، والذين بدوا لنا ككنوز قرآنية اهتدت بفضل من الله إلى العيش بين صفحات المصحف الشريف.. ويحتويها صحن الأزهر.. وجدرانه.. أحد هذه الكنوز القرآنية الحاجة نوال حسين إبراهيم والتى تعدى عمرها الستين عاما ومازالت حريصة على اتمام حفظ كتاب الله... وتروى لنا قصتها مع كتاب الله فتقول: أنا من سكان الدراسة وبالتحديد بجوار سيدنا الحسين وبدأت حفظ القرآن منذ حوالى 12 عاماً وكان عمرى وقتها قد تعدى الخمسين، وأرى أن حفظى لهذا القدر من القرآن هو نصيب ورزق لى من الله. وتكمل الحاجة نوال أنها قبل أن تأتى إلى مقرأة الأزهر الشريف كانت تجلس فى البيت لا تعلم عن هذا العالم الجميل شيئاً. وذات مرة جاءت لى ابنتى وكانت عائدة من كليتها - حيث كانت تدرس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - ومرت فى زيارة إلىالجامع الأزهر، فوجدت الدرس اليومى الذى تحضره السيدات فنصحتنى بحضور هذا الدرس، وتضيف بالفعل حضرت إلى المسجد لمتابعة الدرس فوجدت مجموعة كبيرة من السيدات والبنات والأطفال يحفظون القرآن، وكانت المُحفظة الحاجة فاطمة حمدى تعدد لهم قدر سورتى البقرة وآل عمران.. فقلت هم «وأنا معاكم» .. فقالت لى الحاجة فاطمة وكانت أولى من حفظت على يدها القرآن.. «أنت مش هاتعرفى تقرأى» ثم أذنت لى فجلست. تستطرد الحاجة نوال: حاولت أن اتغلب على عدم معرفتى للقراءة والكتابة بتجولى فى العديد من المقارئ حتى لا أنسى وساعدنى أبنائى فى البيت والحمد لله أحفظ حتى سورة يونس من أول سورة البقرة. وتضيف أنها رغم ترددها على العديد من المقارئ كما روت إلا أن مقرأة الحاجة نبوية التى تحفظ فيها الآن تختلف عن غيرها فى أنها تحرص على تفسير القرآن مع الحفظ، لأن التفسير يجعلك تشعر بالقرآن وحلاوته فإذا قرأت آية ورد فيها ذكر الجنة تدعو الله «اللهم اجعلنى من أهلها».. وعندما يأتى ذكر النار ندعو ونقول «اللهم أجرنا منها».. وتوضح أنه بالرغم من صغر سنها وأنها مثل ابنتى إلا أننى تربيت على يديها وأتمنى أن تكون ابنتى مثلها فى تحفيظ القرآن. الحاجة كوثر أما الكنز الثانى فكانت الحاجة كوثر عبد الهادى، وهى موظفة بوزارة المالية والتى بدأت تحفظ القرآن وكان عمرها فى هذا الوقت قد تعدى الخمسين عاما. وتحفظ حتى سورة يونس من أول سورة البقرة بالاضافة إلى حفظها جزئى عم وتبارك من آخر المصحف الشريف. وتروى لنا قصتها مع القرآن فتقول: أنها قررت المجىء إلى الجامع الأزهر لتحفظ القرآن بعد مشاهدتها للأستاذ أحمد عامر على التليفزيون حيث ذكر أنه يقدم مقرأة فى الأزهر وعندما جئت وجدت الأزهر ملىء بالمقارئ التى تحرص على تحفيظ القرآن ودون أجر فالتحقت بمقرأة الحاجة أسماء ومنذ ذلك الحين ولم أنقطع. وتضيف الحاجة كوثر: بالرغم من أننى أسكن فى شارع أحمد سعيد إلا أننى أحرص على الحضور دائما وعدم الانقطاع عن المقرأه فأرى فى ذلك توفيقاً من الله وتيسيراً لأمرى فى التنسيق بين عملى وبين منزلى ورعاية أولادى وبين متابعة حفظى للقرآن الكريم، كما أننى أدير مقرأة الحاجة أسماء والتى سافرت إلى أمريكا منذ سنتين ونفس الشىء فى حالة غياب أو سفر أم عبد الرحمن التى نحفظ على يدها الآن. وتقول: إن المُحفظة تقوم بإسناد المجموعات المستجدة والمنضمين إلينا حديثا لمساعدتهم فى الحفظ والمراجعة لها، وهذه ثقة أدعو الله أن يقدرنى على أدائها.. والحمد لله أخرجت مجموعات تحفظ الآن أجزاء كبيرة من القرآن. وعن الصعوبات التى واجهتها عند الحفظ فى سن الخمسين تقول الحاجة كوثر: الحمد لله لم تكن هناك صعوبات واضحة فكان تيسيراً إلهياً وتوفيقاً من الله - لأننى دائماً أعمل بالآية الكريمة التى تقول «ولقد يسرنا القرآن للذكر» ومن كرمه على أننى كنت قليلة النسيان لدرجة أننى أرى أنه لا يوجد فرق كبير بين الحفظ فى الصغر وبينه فى الكبر. من الأمية للأزهر وتأتى إلى مقرأة أم عبد الرحمن بالجامع الأزهر ايضا ثريا حلمى عبد الرشيد والتى حصلت على شهادة محو الأمية بعد أن حفظت جزءا كبيراً من كتاب الله وتتحدث إلينا قائلة: بدأت وكان عمرى قد تعدى الخامسة والثلاثين وأول من حفظت على يديها كانت الحاجة فاطمة وبدأت الحفظ سماعاً، لأننى لم أكن أجيد القراءة ولا الكتابة وحرصت على الالتحاق بفصول محو الأمية حتى يساعدنى ذلك فى مراجعتى للقرآن الكريم. وتضيف ثريا: أن وفاة والديها معاً فى حادث كان بمثابة صدمة كبيرة لى ونقطة تحول فى حياتى لكن الأمر فى البداية كان يتمثل فى حضورى للدروس اليومية فقط حتى قررت أن انضم إلى مقرأة الحاجة فاطمة لأحفظ القرأن وحفظت ثلاثة أجزاء من آخر المصحف وبدأت معهم فى البقرة كل هذا سماعاً من المحفظة وفى البيت أستعين بالكاسيت وأسمع القرآن وأحفظ على صوت الشيخ الحصرى «المعلم». وتضيف: تعلمت من مشايخى أن القرآن الكريم كلما اقتربت من ظل معك وإذا ابتعدت عنه فلن تجده حتى أنهم قالوا: «إن القرآن مثل الحمامة إذا ابتعد عنك أو ابتعدت عنه يطير كما الحمام» وتعلمت أيضا أنه من اراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معا فعليه بالقرآن. براعم القرآن وكان لزاما علينا أن نتناول بالذكر البراعم الصغيرة التى تحرص على حفظ القرآن الكريم فتحدثت إلينا الطفلة سما والتى تمثل حالة خاصة فى مقرأة أم عبد الرحمن حيث كانت تصطحبها جدتها إلى المقرأه وكانت لا تتعدى العام فقالت: انها تدرس فى الصف الرابع بإحدى مدارس اللغات.. وجدتى صاحبة الفضل الاكبر فى حفظى أجزاء كبيرة من القرآن فهى التى حفظتنى جزأى عم وتبارك من المصحف قبل أن التحق إلى المقرأة وأبدأ الحفظ على يد الشيخة أم عبد الرحمن حتى وصلت حتى سورة الأحقاف ثم بدأت فى سورة البقرة. وتضيف الطفلة سما شاركت فىالعديد من المسابقات بالمدرسة والآخرى بالمساججد وحصلت على شهادات تقدير وشهادة استثمار قيمتها خمسون جنيهاً وكان آخر هذه المسابقات فى رمضان الماضى بمسجد العراقى والجامع الأزهر. وقالت انها الآن تراجع القرآن مع جدتها وتسمع معها القرآن وتحفظا سوياً. أما أصغر من كان يجلس فى المقرأه وكانت تحمل مصحفا متوسط الحجم كانت الطفلة رحمة محمد عنتر التى لم تكمل ثلاث سنوات وتحفظ 9 سور من جزء عم. لكن الطريف أنه يبدو أن رحمة والتى تأتى مع والدتها التى تحفظ فى مقرأة أم عبد الرحمن كانت فى نزهة مع والدتها فى حديقة الحيوان وقطعتها حتى تحضر إلى المقرأه وتحفظ القرآن. القرآن لكل الأعمار وتتحدث الحاجة نبوية عبد المنعم مدير المقرأه او المحفظة لكل هؤلاء فتقول إن المقرأه تضم جميع المستويات وجميع الأعمار فلدينا العجوز الذى لا تقرأ ولدينا الفتيات فى سن العشرين ولدينا الأطفال فباب المقرأه مفتوح أما الجميع للقادر وغير القادر لأن هذه المقرأه حسبة لله أعمل فيها بغير أجر والتحفيظ فيها بالمجان. وتضيف أنها تتبع فى عملها حديث البيهقى الذى يقول: «احفظ خمسه لا تنسى» وإن كان فيه ضعف لكن يستحب من فضائل الأعمال.. وتراعى فروق مستويات الحفظ بأن تقرأ كل أخت حسب مستواها موضحة أنه فى حالة انضمام فرد جديد إلينا نختبرها أولاً لنعرف مدى قدرتها على القراءة فإن كانت متقنة يبدأ من أول البقرة أما غير المتقنة نبدأ معها من قصار السور ونوكلها لإحدى الحافظات لتتعهدها بالرعاية والحفظ حتى تتقدم. أما عن المراجعة ففى كل مرة تقرأ الواحده منهن مما تحفظ سواء تسميعا أو تلاوة وتأخذ ربعاً. وتذكر الحاجة نبوية أو أم عبد الرحمن كما يدعونها أن هناك نسبة كبيرة من الملحقات إلينا فى المقرأة تكون فى زيارة إلى الجامع الأزهر أو تدخل للصلاة فتجد المقرأة فتنضم إلينا وتنتظم معنا ولا تقطع. وأشارت إلى أن المقرأة تقصدها سيدات وبنات من دول عربية شقيقة ليحفظن القرآن، وسبق وأن منحت إجازة لسيدتين إحداهن من السودان. وتسمى أم المؤمنين عائشة أبو إدريس مصطفى والثانية من أندونسيا وتدعى والدنيا بنت بصرى وانشأت مقرأة فى بلدها ومازالت تتواصل معى حتى الآن، كما اختار د. محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق رحمه الله هذه المقرأة من بين العديد من المقارئ التى تعقد تحت صحن الأزهر ليستمع إليها عند اصطحابه الأمير تشارلز وهو فى زيارة للأزهر. بقى أن نذكر أن الحاجة نبوية التحقت بجامعة الأزهر بعد حصولها على ليسانس الآداب والتربية قسم اللغة العربية وكان ذلك بالتحديد فى عام 1994 بعد أن فتحوا باباً للخريجين والخريجات من الجامعات الأخرى وحصلت على ليسانس الشريعة عام 1998 ثم حصلت على دبلومة فى الفقه المقارن عام 2002 والطريف كما تقول أنها كانت فى نفس السنة الدراسية مع أبنائها الذين يدرسون بجامعة الأزهر. وبدأت منذ عام 1999 فى تعليم السيدات أحكام التجويد. وتلاوة القرآن والدروس النافعة فى المساجد حتى استقر بها الأمر الآن فى الجامع الأزهر ومسجد السلطان الغورى ومسجد الحسين وذلك بعد أن أجازها شيخها ومعلمها عبد الحكيم عبد اللطيف.