جاء فى كتاب «مع القرآن العظيم» تأليف شيخ عموم المقارئ المصرية الشيخ محمود خليل الحصرى أنه منذ ظهور الإسلام والقرآن يتلى بأسلوب يجمع بين القراءة العادية والتنغيم البسيط الذى يطلق عليه حاليا «القرآن المرتل» وشعر الناس بحاجتهم إلى استنباط طريقة وقواعد مضبوطة لتجويد القرآن الكريم فوضع علماء التجويد هذه القواعد حتى يصونوا القرآن من عبث بعض القارئين هذه الطريقة هى تجويد كلماته وتقويم حروفه وتحسين أدائه بإعطاء كل حرف حقه، ومنحه مستحقة من الإجادة والإتقان والترتيل والإحسان. ولا يكون ذلك إلابتصحيح إخراج كل حرف من مخرجه الأصلىوتوفية كل حرف صفته المعروفة بتوفية تخرجه عن مجانسة مع تيسير النطق به على حال صفته وكمال هيئته.. من غير إسراف مع العناية بإبانة الحروف وتميز بعضها عن بعض. وبعد أن استقر علم التجويد وأبيح مد الصوت بالقراءة للمقرئين فى حدود خاصة بحيث لا يتنافى مع جلال القرآن الكريم، أخذ القراء يتغنون فى تلاوة القرآن واتخذ كل قارئ لنفسه طريقة خاصة من القراءة مما أوجد طرقاً منوعة فى القراءة أصبحت فيما بعد أساسا ثابتا لصياغة أسس الموسيقى العربية وأصبح بذلك بين القرآن الكريم والموسيقى صلة وثيقة وعلاقة قوية تشيع فى ألفاظه وتتمثل فى أسلوبه وبلاغته. وفى القرآن إيقاع موسيقى متعدد الأنواع يتناسق مع الجو ويؤدى وظيفة أساسية فى البيان. والموسيقى القرآنية هى شعاع للتنظيم الخاص فى كل موقع وتابعة لقصر الفواصل وطولها كما هى تابعة لإنسجام الحروف فى الكلمة المنفردة ولانسجام الألفاظ فىالفاصلة الواحدة فقط فقد جاء فى القرآن الكريم فى سورة «يس» ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ ) وقد جاء نفيا كما كان يتهم به الرسول صلىالله عليه وسلم» من أنه سلب عقول الناس بالشعر. لقد جمع القرآن الكريم بين مزايا النثر والشعر فأعفى التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة فنال بذلك حرية التعبير الكاملة وأخذ فى الوقت ذاته من الشعر الموسيقى الداخلية والفواصل المتقاربة فى الوزن التى تغنى عن التفاعيل والتقفية المتفاوتة التى تغنى عن القافية وكثيرا ما أخذ الشعراء وعلماء العروض أمثلة كثيرة من محكم القرآن الكريم فوجدوها مطابقة لتفعيلات العروض وقد استخدم الشهاب الجفاجى من عروض الشعر «البسيط» والوافر» فى تطبيق ذلك فقال: إذا بسطت يدى أدعو على فئة لامو عليك عسى تخلو أماكنهم مستفعلن فاعلن.. مستفعلن فاعلن «فأصبحوا لا يرى إلى مساكنهم» والشطرة الأخيرة من سورة «يوسف» وقال: غرامى فى الأحبة وفرقة عواذل فى الأزقة وأكزون مفاعلتن مفاعلتن فعولن.. إذا مروا بهم يتغامزون» والشطرة الأخيرة من سورة «هود».. وإذا كانت اللغة تتركب من حروف منها المتحرك أو الساكن فالموسيقى تلتقى معها فهى أصوات ونغمات. فاللحن مركب من نغمات والنغمات من فقرات وإيقاعات أصلها إما ساكن وإما متحرك وعلى حد تعبير الأصفهانى فى كتابه «الأغانى» فإن الحروف فى اللغة تقابلها الفقرات والإيقاعات والألفاظ تقابلها النغمات، والكلام يقابله اللحن أو الصوت. ويجب أن تطبق أحكام التجويد وتراعى قواعدها على جميع الألفاظ القرآنية من ناحية تركبيها اللفظى مَدّا وغنا وإدغما وإظهاراً وإخفاء دون التعرض لتصوير المعانى واختلاف اللهجات ويجب ألا تكون التلاوة على وتيرة واحدة، بل يتغير الصوت ويختلف النغم تبعا للمعانى التى تتجلى عنها الآيات الشريفة ومن هنا نشأ التغنى بالقرآن وهو يعنى تجميل الصوت وتطريبه وتحسينه وتزيين القرآن بالأصوات الحسنة وتنغيم ألفاظه وترديدها وترجيعها وتوقيعها على نغمات شجية مناسبة لصورة الأداء، وقد بارك رسولنا الكريم التغنى بالقرآن. [email protected]