كانت هناك أغنية لفرقة ثلاثى أضواء المسرح السابقة (سمير وجورج والضيف أحمد) تقول: «شالو ألدو.. حطوا شاهين.. ألدو قال: منتوش لاعبين».. وهو اعتراض غير مبرر.. ولكنه يحدث طبقا للمقولة الشهيرة (أنا فيها.. يا أخفيها).. وهذه هى مشكلة المجلس الاستشارى الذى أنشئ مؤخرا لمعاونة المجلس العسكرى فى إدارة شئون البلاد فى الفترة الانتقالية الحالية وحتى يستكمل البرلمان بشقيه تشكيله النهائى أو يتم انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد. ولكن مشكلة البعض أنه لا يقرأ.. وإن قرأ فقد لا يفهم.. لأن لديه غرضا.. أو فى نفسه مرض.. لقد عانت البلاد كثيرا من كثرة المطالب المختلفة فى المليونيات المتعددة والمتتالية التى كان ينظمها متظاهرو ميدان التحرير.. مع ملاحظة أن بعضها كان موضوعيا ومنطقيا وكان يحظى بمساندة كاملة من قبل الأغلبية الصامتة، وكان منها المطالبة بتسليم السلطة من قبل المجلس العسكرى إلى مجلس مدنى لإدارة البلاد فى تلك المرحلة، ونظرا لاستحالة تنفيذ هذا الطلب دستوريا وعمليا.. فقد اقترحت القوى السياسية وعدد من رموز المجتمع تشكيل مجلس مدنى استشارى لمعاونة المجلس العسكرى من خلال ابداء الرأى فى بعض القضايا المهمة. وقد استجاب المجلس العسكرى لهذا الطلب.. كما استجاب لطلبات أخرى مماثلة ومنها تشكيل «حكومة إنقاذ» وطنى برئاسة د. الجنزورى والإسراع فى إجراء انتخابات البرلمان.. وتحديد موعد نهائى لانتخابات الرئاسة، وبالطبع لم يكن يجوز للمجلس العسكرى التنحى عن السلطة وإلا اعتبر ذلك- بلغة العسكريين- هروبا من المعركة.. ومن ثم جاء تشكيل المجلس الاستشارى حلا وسطا.. فضلا عن إمكانية الاستفادة من خبرات أعضائه المتنوعة.. وكلهم مصريون وطنيون خدموا فى أكثر من موقع.. بمعنى أنه بمثابة «مجلس حكماء» طبقا للخبرات الكثيرة المتراكمة لدى أعضائه والحديث الشريف يقول «لا خاب من استشار». *** ولكن الطبع غلب التطبع.. وهى عادة مصرية- للأسف الشديد- متأصلة لدى البعض منا، حيث يطلب وعندما يستجاب لطلبه.. يسارع بالمعارضة لسبب أو لآخر. وهو ما حدث مع المجلس الاستشارى الذى تم اختيار أعضائه «بالتوافق العام» بين القوى السياسية المختلفة فى المجتمع.. وكذلك القيادات السابقة والحالية للعمل التنفيذى والأهلى ورؤساء الاتحادات والنقابات المهنية. والكل يعلم أن هناك طريقتين لا ثالثة لهما لاختيار لجنة أو مجموعة من الأشخاص لمهمة معينة سواء كانت مؤقتة أو مرتبطة بأحداث محددة.. وهما الانتخاب والتوافق العام، وبالطبع لم يكن هناك مجال عملى أو زمنى لإجراء انتخاب عام لاختيار أعضاء المجلس.. فنحن فى فترة انتخابات برلمانية.. وكافة مؤسسات الدولة مشغولة بتلك الانتخابات ولا يمكن تحميلها بأعباء إضافية من خلال إجراء انتخابات إضافية لا ضرورة لها، ومن ثم كان اللجوء الاضطرارى إلى الأسلوب الثانى فى الاختيار.. وهو التوافق العام، حيث رشحت جهات عديدة ممثلين لها.. كما تم حصر ممثلى التيارات السياسية المختلفة.. والاتحادات والنقابات.. وأصبح لدى المجلس العسكرى كشف طويل من الأسماء المؤهلة للاختيار.. حيث جرى التشاور حول العدد الملائم ومن ثم اختيار الأعضاء بحيث يكونون ممثلين لكافة طوائف الشعب من أساتذة جامعات وقانونيين وسياسيين وممثلى تجمعات نقابية وعمالية..إلخ. *** ولكى يكون للمجلس سند قانونى فى تشكيله وعمله فقد أصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرارا- وبصفته قائما بأعمال رئيس الجمهورية- من 6 مواد لتحديد مهمة المجلس وأعضائه وكيفية عمله ومكان انعقاده وطبيعة علاقته بالمجلس العسكرى.. وهى أمور إجرائية مفهومة ومطلوبة حتى يكون هناك «صفة» ومشروعية للمجلس وأعضائه وما يقومون به من عمل أو ما يقدمونه من اقتراحات واستشارات. ولكن المشكلة- مرة أخرى- أن البعض لا يقرأ.. فالمادة الأولى من قرار إنشاء هذا المجلس (مجلس الحكماء) تنص على أن ينشأ مجلس استشارى «يعاون» المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال إدارته لشئون البلاد فى المدة الباقية من المرحلة الانتقالية حتى إتمام انتخاب رئيس الجمهورية ويكون مقره مدينة القاهرة. فالكلام واضح وصريح.. بأن المجلس «مؤقت» وينتهى عمله بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد. أما المادة الثانية فقد تضمنت أسماء أعضاء المجلس على سبيل الحصر ومنهم علماء وأساتذة فى القانون والسياسة مثل د.أحمد كمال أبو المجد، ود.عبدالعزيز حجازى، ود. محمد نور فرحات، وغيرهم.. كما يضم ممثلا للفنانين وهو النقيب أشرف عبد الغفور، وممثل للصحفيين أ.لبيب السباعى. وكذلك المحامين أ. سامح عاشور.. وشباب الثورة د.عصام النظامى.. وكذلك رؤساء أحزاب وخبرات مختلفة فى مجالات متعددة. ولكن مع اعترافى بأن المجلس مجرد استشارى لإبداء الرأى فى بعض القضايا إلا أننى كنت أفضل إلا يضم أحدا من المرشحين المحتملين للرئاسة.. حتى لا نخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع. أما اختصاص المجلس وهو مربط الفرس فى الموضوع فقد ورد فى المادة الثالثة من قرار إنشائه، حيث يختص المجلس الاستشارى بإبداء الرأى فيما يتعلق بشئون البلاد ويهم الرأى العام من قضايا وأحداث وأوضاع. كما يختص أيضا بإبداء الرأى فيما يلى: 1) ما يعرض عليه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة من شئون البلاد. 2) مشروعات القوانين والاتفاقيات الدولية إلى أن يتم انعقاد مجلسى الشعب والشورى. كما للمجلس اقتراح ما يتراءى له من موضوعات أو وسائل التعامل مع ما قد ينشأ من أزمات أو أوضاع تمس المواطنين أيا كان مجالها. والمعنى أنه يجوز للمجلس ابتداء أن يبدى رأيه فى أى قضية أو مشكلة يرى أنها تهم الرأى العام أو تتعلق بشئون الحكم فى البلاد، وله أن يقترح وسائل وأساليب التعامل مع أى أزمة طارئة أو محتملة الحدوث ولكنه أيضا- أى المجلس- ملزم بإبداء الرأى فيما يعرضه عليه المجلس الأعلى من أمور أو قضايا، كذلك عليه أن يبدى رأيه فى مشروعات القوانين والاتفاقيات الدولية التى تكون هناك ضرورة لإصدارها على وجه السرعة أو عقدها مع جهات خارجية- دول أو مؤسسات أو منظمات. *** ويجب الإشارة هنا إلى أن كل ما يبديه المجلس مجرد «رأى» قد يأخذ به المجلس العسكرى أو يرفضه، بمعنى أنه لا يشترط «موافقة» المجلس الاستشارى على كل ما يرغب المجلس العسكرى فى إصداره من قرارات أو مشروعات قوانين. وما أقوله هنا هو التفسير القانونى لنص المادة السابقة حتى لا تتوه الاختصاصات، فالمجلس العسكرى مازال هو المسئول عن إدارة البلاد وما يتطلبه ذلك من قرارات أو قوانين.. ومن ثم هو الذى سيحاسب أمام الشعب والتاريخ إن أخطأ أو أصاب. ولكن عمليا.. لا أعتقد أن الأمور ستسير بالشكل السابق، فكل أعضاء المجلس من الخبرات المصرية المحترمة وبعضهم كان رئيسا للوزراء.. ومن ثم فسوف يحترم رأيهم ويأخذه المجلس العسكرى فى الاعتبار، فالمجلس لن يكون مجرد «مكلمة» كما يعتقد البعض أو كما كان «البرلمان الموازى» الذى شكلته القوى السياسية من قبل، ولكن الأهم والذى يجب أن يتنبه إليه الجميع- والنص واضح- أن كل ذلك سوف يتوقف بمجرد انعقاد مجلسى الشعب والشورى. فالمجلس الاستشارى ليس جهة تشريع وليس بديلا عن البرلمان.. وإنما هو مجرد مجلس حكماء مؤقت.. يقوم بما كانت تقوم به المجالس القومية المتخصصة مع بعض الاختلافات. *** وأخيرا.. يجب الإشارة إلى أن المجلس لن يكلف البلاد أعباء إضافية فقد نص القرار على ألا يتقاضى أعضاء المجلس أى مقابل مادى عن عملهم. والآن.. مازلت لا أفهم علامَ الخلاف حول المجلس وأعضائه ومهمته المؤقتة؟.