أخشى أن يكون العنوان صحيحا!.. أخشى أن تكون حالة الهدوء النسبى التى تسود البلاد هذه الأيام وحالة الاستقرار الجزئى التى نعيشها.. هى مقدمة عاصفة قوية قادمة!.. قبل شهرين أو ثلاثة كانت كل التوقعات تشير إلى أن مصر ستعيش خلال فترة الانتخابات فوضى غير مسبوقة، أحداث عنف مدمرة تسيل معها الدماء فى الشوارع أنهاراً !.. كان الجميع يؤكد أن إقامة الانتخابات مسألة مستحيلة فى ظل حالة الانفلات الأمنى وانتشار الأسلحة فى الشوارع.. وكان الرهان أنها لن تقام فى موعدها.. وإذا أقيمت لن تكتمل!.. وكان هناك من يزعم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة متمسك بإقامة الانتخابات فى موعدها لكى تصل الفوضى إلى مداها ويصل العنف إلى أقصاه.. ويكون ذلك مبرراً للاستيلاء على السلطة وفرض الأحكام العرفية!.. كل هذه التوقعات خابت وكل هذه الآراء طاشت.. وجاءت الانتخابات ومرت مراحلها الأولى والثانية فى سلام وأمان.. وشهدت مصر هدوءا واستقرارا على عكس كل التوقعات.. لكن لماذا لا يكون الهدوء الذى يسبق العاصفة؟! السؤال لا علاقة له بقوانين التفاؤل والتشاؤم لكنه الإعلام أو بالتحديد الفضائيات التى أصبحت فى مصر تتنبأ بالأحداث أحياناً.. وتصنع الأحداث أغلب الأحيان!.. فإذا تابعنا البرامج الحوارية التى تمتلئ بها الفضائيات هذه الأيام نجدها تسير فى نفس هذا الاتجاه.. إما أنها تتنبأ بصدام وشيك وعاصفة قريبة.. وإما أنها تحرض على ذلك!.. فى كل الأحوال المؤشرات تؤكد أن الصدام قادم لا محالة وأن العاصفة على وشك أن تهب.. وأن الهدوء النسبى الذى تعيشه مصر والاستقرار الجزئى - الذى ننعم به خلال فترة الانتخابات - ليس إلا مقدمة.. مقدمة لعاصفة قوية!.. وأدعو الله من كل قلبى أن أكون مخطئا.. وأن يخيب ظن الفضائيات!.. *** عقب المرحلة الأولى من الانتخابات والتى أظهرت نتائجها تقدم التيارات الدينية خاصة جماعة الإخوان ومن ورائها السلفيون.. وتراجع التيارات الليبرالية والعلمانية ثم فشل ائتلافات شباب الثورة فى الحصول على مقاعد تذكر.. عقب ذلك كله لم تستطع الكثير من الفضائيات إخفاء انحيازها ضد التيارات الإسلامية وخيبة أملها فى النتيجة.. وركّزت معظم هذه الفضائيات على استضافة شبان الائتلافات الذين خسروا الانتخابات.. وكان لافتا للنظر أن معظم هؤلاء الشبان يهاجمون الأحزاب الإسلامية الفائزة فى الانتخابات وهم يحاولون تبرير خسارتهم.. الأهم من ذلك أنهم جميعاً - كما لو كانوا قد اتفقوا على ذلك - راحوا يؤكدون أن ميدان التحرير أقوى من أى برلمان وأنهم سيستخدمون ميدان التحرير لإسقاط البرلمان المنتخب إذا ما حاول النواب (الفائزون أساسا بثقة الشعب) الالتفاف حول إرادة الشعب!.. ليس خافياً أن جزءا من رد فعل هؤلاء الشبان كان صدمتهم فى النتيجة وخيبة أملهم فى عدد الأصوات التى حصلوا عليها.. وليس سرا أنهم كانوا يعبرون عن غضبهم لكن الحقيقة أن كلامهم كان يسير فى اتجاه الصدام مع الإخوان والسلفيين.. وبدأ الشبان مع انتخابات المرحلة الثانية يضعون سيناريوهات هذا الصدام، فيقولون فى الفضائيات وحتى فى الصحف إن الصدام قادم لا محالة وإنه سيكون بين التيارات الإسلامية والشارع.. كيف؟!.. يقول هؤلاء الشبان إن المجلس العسكرى سيحاول أن يستولى على السلطة، ولذلك سيضع العراقيل أمام التيارات الإسلامية وعلى الأخص الإخوان.. والهدف هو حرقهم فى الشارع وإظهارهم وكأنهم غير قادرين على الوفاء بوعودهم.. ومن ثم يغضب الناس ويصطدمون بالإخوان!.. الشبان يؤكدون أن الذنب يقع فى الأساس على الشارع الذى استسلم لشعارات الإسلاميين الخادعة والأساليب التى لجأوا إليها للفوز فى البرلمان.. وانسياقهم لنغمة الاستقرار التى استخدمها كل من الإخوان والمجلس العسكرى!.. هل يمكن أن يتحقق هذا السيناريو؟.. صعب لأن الناس هى التى اختارت الإخوان.. وربما أيضاً لأن الإخوان سيبذلون المستحيل لمنع أى صدام مع الشارع.. ومع ذلك فإن الصدام يمكن أن يقع.. بل إن الاحتمال الأقرب هو وقوعه.. لأن كلام الشبان يعنى أنهم سائرون فى هذا الاتجاه!.. ويزيد من احتمالات الصدام أن الليبراليين دخلوا فى معركة مبكرة مع الإسلاميين!.. *** على الرغم من أن الإعلان الدستورى الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد حدد مسألة إصدار الدستور الجديد ونص على أن البرلمان المنتخب هو المختص باختيار اللجنة التأسيسية التى ستتولى صياغة هذا الدستور الجديد.. على الرغم من ذلك فإن كلام الليبراليين فى الفضائيات يتركز على أهمية منع وقوع هذه المأساة (من وجهة نظرهم طبعا)!.. وجهة نظر الليبراليين أن الدستور يجب ألا تضعه الأغلبية.. وإنما يجب أن يكون هناك توافق عام عليه.. ولذلك يطالبون بأن تضم اللجنة التأسيسية كل أطياف المجتمع وكل القوى السياسية المختلفة.. دون إقصاء لأحد.. الإسلاميون يردون بأن مثل هذا الكلام حق يراد به باطل.. صحيح أن الدستور يحتاج إلى توافق وصحيح أن كل القوى السياسية يجب أن تشارك فى وضعه.. لكن هل معنى ذلك أن تفرض الأقلية رأيها على الأغلبية؟!.. يمضى الإسلاميون فى شرح وجهة نظرهم فيقولون إنه من المفترض أن تشمل اللجنة التأسيسية أكبر عدد ممكن من القوى السياسية.. لكن هل معنى ذلك أن يتخلى الإسلاميون عن أغلبيتهم داخل اللجنة لمجرد إرضاء الأقلية؟!.. ثم لمن ستكون الكلمة إذا كان هناك خلاف.. للأغلبية أم للأقلية؟!.. المثير للدهشة أنه تم طرح بديل للجنة التأسيسية المفترض أن يختارها البرلمان.. فقد طرح الليبراليون (الذين لم يحققوا الغالبية فى البرلمان) أسماء عدد من الشخصيات العامة قالوا إنها تمثل كل القوى السياسية وأنها تستطيع أن تتولى مسئولية وضع الدستور الجديد (!!!).. الأكثر غرابة أن اللجنة التى يحاول الليبراليون تسويقها الآن تضم أسماء لشخصيات لم تحظ بالفوز فى الانتخابات الأخيرة.. ومن ثم فإنها فشلت فى الحصول على ثقة الشعب.. ومع ذلك يتم تسويقها على أنها ممثلة لإرادة الشعب!.. وتسمع من الليبراليين إصرارا على عدم منح البرلمان المنتخب اختصاص تشكيل اللجنة التأسيسية التى ستضع الدستور.. وتسمع من الإسلاميين إصرارا على التمسك بحقهم فى اختيار هذه اللجنة التأسيسية، مؤكدين أن تمسكهم بهذا الحق هو تحقيق لإرادة الشعب.. لأن الشعب هو الذى وافق على الإعلان الدستورى الذى أعطى للبرلمان المنتخب حق تشكيل اللجنة التأسيسية.. ولأن الشعب هو الذى اختار البرلمان.. وتسمع بعد ذلك من يتحدث عن احتمالات وقوع صدام بين شباب الثورة والجيش.. وتسمع من يؤكد أن الصدام آت لا محالة بين الجيش والإخوان.. تسمع وتضرب كفا على كف وأنت ترى من يتمنى وقوع هذا الصدام ومن يحرض عليه ويسعى إلى تحقيقه!.. *** تمنيت أن أكون مخطئاً.. ودعوت الله أن يخيب ظن الفضائيات التى تسعى لإشعال النار، لكن المشكلة أن معظم الأطراف لم يعد يهمهم إلا تحقيق مصلحتهم الخاصة حتى لو كانت هذه المصلحة الخاصة تتعارض مع مصلحة الشعب.. والغريب أن الجميع يتحدث باسم الشعب.. دون حياء!..