جاءنى صديقى المراسل الأجنبى مهموماً مذعوراً.. ومتسائلاً: هل صحيح أن الإخوان المسلمين سوف يجعلون مصر دولة إسلامية ويطبقون الشريعة بحذافيرها ويمنعون العُرى بالشواطئ والخمور بالفنادق ويغيرون سياسات مصر الخارجية؟!.. هذا السؤال يحمل فى طياته الكثير من المعانى والدلالات والمخاوف أيضاً.. خاصة بعد إعلان نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات وتفوق التيار الإسلامى بشكل عام.. و«النور» السلفى بشكل خاص.. وهو مفاجأة الانتخابات الكبرى.. فى تقديرى.. نظراً لحداثة المشاركة السلفية فى العمل السياسى عامة.. وفى العملية الديمقراطية تحديداً. المخاوف التى عبر عنها صديقى الصحفى توضح ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة «الإخوانو فوبيا».. على غرار ظاهرة «الإسلامو فوبيا» أو الرعب والهلع من الإسلام، وهناك تشابه وتواصل وامتداد بينهما.. حيث إن الإخوان هم أكبر الحركات الإسلامية التى نشأت فى التاريخ المعاصر.. بل إنها شكلت الأساس القوى الذى انطلقت منه أغلب الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية.. ليس فى مصر وحدها.. بل وفى العالم بأسره، وهذه ليست مبالغة.. بل حقيقة واضحة وقاطعة تؤكد مدى رسوخ وانتشار هذه الجماعة التى اجتذب كثيراً من المفكرين والساسة.. بل والقادة الذين احتلوا مناصب رفيعة داخل بلادهم.. وعلى الساحة الدولية. وفى إطار «الإسلاموفوبيا».. نشأت «الإخوانو فوبيا».. أى أن الأصل فى الظاهرة هو العداء للإسلام.. ثم انسحب على العداء للإخوان والسلفيين وغيرهم من الجماعات والطوائف الإسلامية التى نالها قدر كبير من التشويه المتعمد.. خاصة فى الإعلام الغربى.. وكثير من الإعلام العربى للأسف الشديد.. والأخير يعيش مخاضاً عسيراً.. ما بين وطنى وقومى وخاص.. وعميل وممول وموجه.. وليس الغرب وحده الذى اختلق «الإسلاموفوبيا» بل إن من بيننا من سار على دربه وانتهج نهجه.. ووجد هؤلاء فى الإخوان المسلمين وسيلة لضرب الإسلام بشكل عام.. ومحاربة هذه الجماعة بشكل خاص.. بعد بزوغ نجمها وتصاعد دورها فى الحياة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير. وساهم النظام السابق بنصيب الأسد فى حشد وتجييش القوى الإعلامية والسياسية، بل والمراكز البحثية القومية.. لمحاربة الإخوان. وأصبح لدينا إعلاميون وصحفيون وقنوات ومجلات متخصصة فى الهجوم على الإخوان ومحاربتهم بكل الطرق.. بتوجيهات رسمية كانت تصدر من ضباط مباحث أمن الدولة.. فى النظام البائد، وكان رؤساء التحرير يقولون «سمعاً وطاعة».. بل إن منهم من كان يتطوع ويتبارى فى الهجوم على الإخوان.. كسباً لذهب المعز.. وهناك آخرون هاجموا الإخوان عن قناعة فكرية نتيجة انتماءاتهم الأيديولوجية ومصالحهم الشخصية ورؤاهم لأسلوب حياتهم الخاصة التى لا تتوافق مع الإسلام، فهم يريدون أن يمرحوا ويسرحوا.. على هواهم ولإشباع ملذاتهم! واعتقدوا – خطأ أو جهلاً أو بسوء نية - إن الإخوان لن يحققوا لهم ما يشتهون ويهوون! وعلى مدى عقود – حتى أيام الملكية – تعرض الإخوان لحملات البطش والتنكيل والعدوان على عائلاتهم ومصالحهم وجماعتهم.. وكانوا أكثر القوى السياسية المصرية التى دفعت الثمن باهظاً من خلال مئات الشهداء وآلاف المعتقلين.. ناهيك عن الظلم النفسى والصحى والمعنوى، وهذا ليس دفاعاً عن الإخوان بل هو إقرار للحق وإيضاح للحقيقة التى لا يدركها كثير من الشباب.. ومن تقدير الله.. أن كل هذه الحملات أفادت الإخوان أكثر مما أضرتهم، وكلما تصاعد التنكيل بهم.. ازدادوا إصراراً وقوة وصلابة.. ولمعاناً.. مثل الذهب.. عندما تصقله النار.. فيظهر فى أبهى صوره، ولم يكن يدرك هؤلاء المعادون للإخوان أنهم يدعمونهم.. بهجومهم عليهم.. يدعمونهم من حيث لا يحتسبوا.. أو يحتسبوا. *** وعندما نراقب سلوك وسياسات الإخوان على مدى عقود.. قبل وبعد ثورة يناير.. نلاحظ ثبات الأسس الاستراتيجية والمنطلقات الفكرية.. مع اختلاف فى التكتيكات والخطط المرحلية.. وفقاً لتطورات الأحداث والظروف، وهذه المرونة المطلوبة تعكس خبرة طويلة فى العمل العام ومواجهة الخصوم.. كما تعكس رؤية ثاقبة تستشرق آفاق المستقبل.. وقبل هذا وذاك توفيق من الله. ومن هنا جاءت مشاركتهم فى الثورة.. قبل الثورة.. وأثناءها وحتى الآن.. ولكن بحكمة وروية.. وبأسلوب الإخوان الذى لا يخضع لضغوط أو يسعى لمصالح دنيوية زائلة، ويكفى أنهم شاركوا فى حماية الثورة يومى 28 يناير.. يوم جمعة الغضب الدامية.. ويوم 2 فبراير.. يوم موقعة الجمل المفصلية الحاسمة فى تاريخ الثورة، وشاركوا فى المليونيات الكبرى المؤثرة، وكانت لهم رؤية واضحة فى المشاركة فى المليونيات.. رؤية لا تنساق وراء إغراءات ولا تقع فى فخاخ منصوبة بدهاء.. حتى لا تفقد المليونيات قيمتها وتأثيرها.. وحتى يحققوا مصالح الوطن العليا، وهذه معادلة صعبة لا يدرك أبعادها الكثيرون.. ويجيد أداءها القليلون! وشارك الإخوان فى كل الأنشطة السياسية بعد الثورة وطرحوا وثيقتهم كما طرح الأزهر وأطراف أخرى وثائقهم، والأهم من ذلك أنهم شكلوا تحالفاً عريضاً لخوض الانتخابات.. شمل كل أطياف المجتمع بما فيها الأقباط والقوميون والوطنيون المعتدلون.. ونتج عن هذا التحالف دخول بعض الأخوة الأقباط للبرلمان.. من خلال قائمة الحرية والعدالة.. لأول مرة فى تاريخ الحياة السياسية والبرلمانية المصرية، بل إن ثالث مرشح على قائمة الحرية والعدالة فى دائرتى (الزيتون) هو مواطن قبطى.. كما شملت القوائم الأخرى مرشحين مسيحيين آخرين. وهذا هو الفارق الكبير.. بين نظام بائد كان يفرض الأقباط بالتعيين فى البرلمان.. وبين دافع سياسى جديد يسعى لإعطاء الأخوة المسيحيين حقهم فى المشاركة البرلمانية والسياسية.. من خلال معادلة سياسية مدروسة ومقبولة ومتوازنة. وعندما يرفض الإخوان الانسياق وراء الاعتصامات والمظاهرات المفتوحة بلا هدف وبلا سقف زمنى محدد فإنهم يقدمون نموذجاً راقياً فى المعارضة السياسية، فليس المطلوب التظاهر من أجل التظاهر والاعتصام لمجرد الاعتصام، بل المطلوب تحديد الهدف والزمان والمكان المحدد.. وتقوم الفئة أو الحزب والجماعة – أياً كانت – بإعلان رأيها.. ثم تعود لممارسة حياتها بصورة طبيعية.. حتى لا تتعطل مسيرة الوطن وتتضرر مصالح الناس. وهذا لا يعنى أن الإخوان ليس لهم أخطاء.. فهم بشر معرضون للزلل والشطط.. خاصة فى بعض التصريحات والمواقف السياسية.. ومنها الموقف من أبوالفتوح وشباب الإخوان وتصريحات بعض مسئوليهم، وربما يدخل بعضها فى إطار اللعبة السياسية لجس النبض أو توزيع الأدوار، ولكن المؤكد أنهم حريصون على مصالح مصر وأمتنا العربية والإسلامية، وتاريخهم يؤكد ذلك.. بدءاً من جهادهم فى حرب فلسطين عام 1948.. وانتهاء بالمرحلة الأولى من الانتخابات. والإسلام الذى ندين به يحفظ حقوق الجميع – أقباطاً وغير أقباط – بل إن هؤلاء الأخوة لم يتعرضوا لاضطهاد فى ظل الإسلام.. مثلما واجهوا من عدوان فى ظل حكم الرومان، أما الحوادث الأخيرة فهى مفتعلة من نظام بائد.. مازالت ذيوله تعبث بأمن الوطن واستقراره.. بكل الوسائل القذرة وهى حوادث طارئة لن تدوم. الإسلام الذى ندين به جميعاً.. يحفظ حقوق الجوار والعلاقات والمعاهدات بما لا يضر مصلحة الوطن والأمة. وبشكل عام.. إذا وصل الإخوان إلى البرلمان وشكّلوا حكومة ائتلافية فلن يحدث انقلاب جذرى كما يروج البعض – كذباً وافتراءً – وهم قادرون على استيعاب كل القوى الوطنية المخلصة التى ترغب – بحق وصدق – فى العمل من أجل نهضة أرض الكنانة، أما مروجو «الإخوانو فوبيا».. فسوف يجرفهم تيار التاريخ.. قريباً.. جداً!