دخلت جامعة الدول العربية فى سباق مع الزمن لإنهاء الأزمة فى سوريا والبحث عن حل عربى يلبى مطالب الشعب السورى وينهى العنف ضد المدنيين، ويجنب المنطقة أى تدخلات خارجية جديدة. وعلى مدار الساعة شهدت الجامعة العربية وبعض العواصم اجتماعات وزارية متتالية وصنعت الحلول والآليات وكان أبرزها تعليق مشاركة دمشق فى اجتماعات الجامعة العربية كإجراء ضاغط للتجاوب مع خطة الحل لكن مع استمرار حالات القتل فى بعض المدن السورية وحصارها بدأ الاتصال مع المعارضة السورية لبحث تفاصيل المرحلة الانتقالية فى ظل تفكير بعض الدول الاعتراف بالمجلس الوطنى كممثل شرعى للشعب السورى.. فيما ترى بعض الأصوات الخافتة أن ما يحدث فى سوريا جزء منه محاولة غربية لإنهاء تحالف ما يسمى (إيران - سوريا - حزب الله). وفى غضون أسبوع واحد عقدت الجامعة العربية عدة اجتماعات على مستوى وزارى لبحث أفضل الحلول للتعامل مع الأوضاع الساخنة التى تشهدها سوريا داخليا حيث استمرار انتفاضة الشعب السورى والإصرار على رحيل نظام بشار الأسد، وتكليف المجلس الوطن الانتقالى والمجلس العسكرى المنشق بإدارة أمور البلاد - لكن الجامعة العربية حاولت مع دمشق إبعاد شبح حرب أهلية أو تدخل عسكرى خارجى لأن المعارضة حذرت من التسلح والانتقال إلى مرحلة استخدام السلاح ضد الآلة العسكرية لنظام الأسد وهو ما دفع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى لاتخاذ قرارات قوية وحاسمة ضد دمشق للتجاوب مع خطة الحل العربى من أهمها - تعليق مشاركة سوريا فى الاجتماعات وتوفير الحماية للمدنيين. ودعوة الجيش السورى إلى عدم التورط فى أعمال العنف والقتل ضد المدنيين وتوقيع عقوبات اقتصادية وسياسية ضد الحكومة ودعوة الدولة العربية لسحب سفرائها من دمشق. ودعوة جميع أطراف المعارضة السورية للاجتماع فى مقر الجامعة العربية لكن هذه القرارات بدأت تحاصر النظام السورى بشكل غير مسبوق لأن الانفتاح مع المعارضة يعنى التفكير فى الاعتراف بالمجلس الوطنى الانتقالى وسحب الشرعية من نظام الأسد. ثم التفكير فى دراسة تفاصيل المرحلة الانتقالية.. والتركيز على إقرار إصلاحيات سياسية يشارك فيها الشعب السورى لبناء دولة ديمقراطية تستوعب الجميع. وبشكل سريع توالت ردود الأفعال على الموقف العربى حيث اعتبرت العواصم العربية والغربية القرار العربى بمثابة ضوء أخضر - لمطالبة الرئيس السورى بشار الأسد بالتنحى - حيث دعا العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى الرئيس الأسد للتنحى كما تحدثت عواصم غربية فى هذا الاتجاه وتحدثت وسائل إعلامها عن زيادة عزلة سوريا فيما أشار الأمير تركى الفيصل صراحة إلى رحيل الأسد وقال إنه واقع لا مفر منه.. ومع استمرار الضغط الخارجى الغربى على نظام الأسد نشهد موقفا خليجيا واضحا يطالب بالاعتراف بالمجلس الوطنى الانتقالى السورى وفى الداخل ارتفعت وتيرة الانشقاق داخل الجيش السورى وقد شكل المنشقون مجلسًا عسكريًا مؤقتًا مهمته إسقاط النظام ومحاسبة أفراده وحماية المواطنين من بطش النظام واالحفاظ على الممتلكات الخاصة ومنع الفوضى.. وأمام كل هذه التداعيات بدأت دمشق تصدر مواقف جديدة كلها تنهى حالة الحصار الذى تتعرض له - كان من أبرزها الدعوة لعقد قمة عربية طارئة لبحث المخاطر التى تتعرض لها سوريا بما فيها مؤامرة غربية تهدف إلى تفكيك ما سمى بالتحالف الثلاثى (سوريا - إيران - حزب الله ) - لكن دول الخليج ردت برفض عقد هذه القمة كما لم تتحمس لها الدول العربية الأخرى على أساس أن هناك قمة عربية ستعقد فى شهر مارس المقبل وإذا كان ولابد من انعقاد قمة فليكن جدول أعمالها شاملًا ويبحث فى كل المستجدات والمخاطر التى تتعرض لها المنطقة العربية. وتوالت العروض الحكومية السورية حيث طلبت زيارة اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالشأن السورى لدمشق وبرفقة من تراه من منظمات ومراقبين لما يحدث فى سوريا لكن الجامعة العربية ذهبت لعقد الاجتماع الوزارى المخصص لمتابعة الأوضاع فى سوريا بالمغرب على هامش اجتماعات المنتدى العربى التركى وعليه ردت الخارجية السورية برفض المشاركة فى اجتماعات المغرب وكان فى الممكن أن تشارك باعتباره آخر يوم فى مهلة تعليق مشاركة سوريا فى اجتماعات الجامعة العربية ولكنها حسمت الموقف بعدم المشاركة وكان من الممكن أيضًا أن تسحب سوريا كل مظاهر التسلح من المدن والقرى السورية وتوقف القتل وتفرج عن المعتقلين وكأن القرار العربى بتعليق مشاركتها لم يكن، ولكن يبدو أن العد التنازلى لعزلة الأسد ونظامه وتفكيكه قد بدأ.. بعد تصميم تركيا على الدخول على خط المواجهة مع سوريا وبالتنسيق مع الجانب العربى.. وفى المقابل نجد المعسكر الثانى المساند على خجل لنظام الأسد والذى يتمثل فى إيران - والصين وروسيا.. وشتان بين الموقفين بما يفسر للمراقب أن ثمة أجندات خارجية تتسرب إلى بنيان الدولة السورية بهدف تفكيكها وإسقاط نظامها الراهن مع غياب التوقيت الزمنى للوصول إلى هذه النهاية مؤكدين أن نظام الأسد سوف يسقط عبر انقلاب يقوده الجيش السورى بعد إضعافه سياسيًا واقتصاديًا بينما ذهب البعض إلى إعطاء النظام السورى الراهن شهرين لكن البعض الآخر يراهن على صمود الأسد ونظامه وحزبه وطائفته انطلاقا من تمسكه بشعرة معاوية وعليه فالأيام والأسابيع المقبلة مليئة بالمفاجآت على صعيد المنطقة العربية من حيث تداعيات ما يحدث فى سوريا من انهيار أو صمود للنظام.