فى حلقة الأسبوع قبل الماضى كشف السفير بسيونى حكاية?7 جنرالات وشهيد، حملوا أكفانهم على أكتافهم من أجل مصر، انتصروا فى معركة السلام كانتصارهم فى معركة الحرب.. تعرضوا لضغوط ومساومات، تنوء عن حملها الجبال. تعرض السفير بسيونى لجنرالات المقاهى الذين أجادوا الأكل على كل الموائد، وأجادوا ركوب الموجة وقالوا من خلال الغرف المكيفة والسفريات المشبوهة والاجتماعات المغلقة سنقاتل حتى آخر جندى مصرى.. اتهموا السادات بالخيانة مع أنه البطل، واتهموه بالعمالة مع أنه القائد، ولكن ما أسهل البذاءات التى يطلقها المرتزقة فى وجه الشرفاء، ومع هذا فقد مات السادات بطلاً، أما الذين ناصبوه العداء فقد أصبحوا فى مزبلة التاريخ.. وفى هذه الحلقة اليوم يواصل السفير بسيونى قائلاً: لا توجد معاهدة سلام فى الدنيا طالتها الاتهامات والشائعات مثلما طالت معاهدة السلام المصرية التى وقّعها الرئيس السادات مع الجانب الإسرائيلى برعاية أمريكية، ولا يوجد رئيس فى الدنيا طالته اتهامات بالعمالة والخيانة مثلما طالت الرئيس السادات، ومالا يعرفه الكثير فإن الرئيس السادات قد قال أكثر من مرة لخاصته والمقربين منه -الذين انقلبوا عليه فيما بعد - إنه لا يوجد رجل دولة يذهب إلى الحرب من أجل الحرب.. ولكنه يذهب إلى الحرب من أجل السلام واسترداد الأرض، وهذه الكلمات الموجزة هى التى نفذها السادات، وللأسف لم يلتفت إليها أحد لأنه كان يدرك ببُعد نظره أنه إذا حارب من أجل الحرب، لن يكتب له النجاح وذلك لأن أمريكا لن تسمح لزعيم دولة عربية هزيمة إسرائيل، ولن تسمح للسلاح الشرقى أو السلاح الروسى بهزيمة السلاح الأمريكى الذى تمتلكه إسرائيل. أما عن الشائعات التى لحقت بمعاهدة السلام فقد رددها البعض بسوء نية وعلى رأسها تلك الشخصيات التى دارت فى فلك جبهة الرفض والتى كان يتزعمها صدام حسين ومعمر القذافى وحافظ الأسد، وهم الذين ادعوا أنهم حماة القومية العربية، والقضية الفلسطينية، وردع إسرائيل، وغيرها من العبارات المطاطة والشعارات الرنّانة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع. وأضاف السفير بسيونى بإنه قد ظهر على السطح بعض الشخصيات التى ركبت الموجة - كما يحدث فى ثورة 25يناير- وقامت بترديد شائعات لإظهار البطولة والخوف على مصلحة البلد مع أن الرئيس السادات قد حمل كفنه على كتفه، عندما تحمل بمفرده قرار الحرب، وتحمل بمفرده أيضاً قرار السلام.. ويكفى أن تحركات وقرارات الرئيس السادات - حربًا وسلمًا - نجحت فى النهاية فى تحرير أرض سيناء فيما ظلت الجولان والقدس محتلتين حتى أيامنا تلك. وعن أخطر الشائعات التى لحقت بمعاهدة السلام قال السفير بسيونى: ردد البعض عن قصد أو جهل - كما ذكرنا أن معاهدة السلام تشتمل على بنود سرية.. تلك البنود كانت لخدمة أمريكا وإسرائيل، منها إنشاء جامعة عبرية لتكون بمثابة وكر للجواسيس على أرض سيناء، مع أن أعمال الجاسوسية لا تحتاج إلى جامعات أو مدارس، وعندما تبين كذب هذه الادعاءات، قالوا: إن الجامعة الأمريكية تقوم بدور الجامعة العبرية، والتى تم التراجع عنها بسبب الضغط العربى، مما يؤكد أنهم اخترعوا الكذبة وصدقوها. وأضاف جنرالات المقاهى - كما قال السفير بسيونى: إن معاهدة السلام تتضمن اتفاقًا خطيراً مفاده توصيل مياه النيل والكهرباء لإسرائيل عبر ترعة السلام وخطوط الضغط العالى فى سيناء كما تتضمن إنشاء خزانات للمياه الجوفية لخدمة إسرائيل أيضاً، وعندما لم تتحقق هذه الأكاذيب، أرجعوا بأن ذلك يعود إلى المقاومة التى أبداها زعماء جبهة الرفض لإحباط المخطط الصهيونى الذى وضعه مناحم بيجين بمباركة السادات. وفى محاولات حثيثة لتشويه السادات ادعى هؤلاء أيضاً أن معاهدة السلام تنص على بيع وتسليم أرض سيناء للإسرائيليين بلا ثمن وحرمان البدو منها وإنشاء مزارع مشتركة فى غرب النوبارية، ودخول الإسرائيليين الأرض المصرية بلا تأشيرة دخول، وكأن مصر أصبحت بلداً مستباحاً، وأن السادات لم يكن رئيساً لمصر، ولكنه كان على أقصى تقدير - من وجهة نظرهم - حاكم ولاية فى أمريكا، ورئيس بلدية فى تل أبيب، هكذا قال أعداء السلام، وأعداء النجاح، وأعداء العروبة.. والآن كما هو واقع أصبحوا ماركة مسجلة فى سجلات الماضى وصفحات التاريخ السوداء. وفى سر ربما يذاع لأول مرة أكد السفير بسيونى أنه بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، وهى الزيارة التى أحدثت زلزالاً فى منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، وجه الرئيس المصرى دعوة للرئيس جيمى كارتر لزيارة مصر.. لم يكن توجيه الدعوة للشو الإعلامى، ولكنها كانت لمناقشة قضايا ملحة وعاجلة قبل الحديث عن أى سلام فى منتجع كامب ديفيد، ولظروف ما لم يأت كارتر، وبعدها سافر السادات لأمريكا. وفى منتجع كامب ديفيد قال الرئيس السادات لجيمى كارتر: إذا أرادت إسرائيل السلام، لابد لها أولاً: أن تنسحب من كل الأراضى العربية المحتلة، بما فيها القدسالشرقية وهضبة الجولان السورية، ولابد لها أن ترد ما أخذته من ثروات وخيرات أثناء احتلالها سيناء.. إسرائيل لابد أن تدفع 20 مليار دولار قيمة ما حصلت عليه من بترول، وفحم ومنجنيز، وموارد طبيعية لا أول لها ولا آخر، إسرائيل لابد أن تدفع قيمة ما أخذته من سيناء نتيجة استغلالها لآثار سيناء، وحملات الجذب السياحى التى روجت لها على أرض محتلة فى مخالفة صريحة للقانون الدولى الذى يجرم مثل هذه الأعمال. وإضاف السفير بسيونى: أصر الرئيس السادات على أن تدفع إسرائيل 20 مليار دولار كتعويضات للثروة التى نهبتها من سيناء، وصمم أن يرفق بند بمعاهدة السلام يجبر إسرائيل على الالتزام والوفاء بتعهداتها، ولكن إسرائيل - كعادتها - ماطلت حتى كتابة هذه السطور وقالت للسلطات المصرية: إذا أردتم الحصول على 20 مليار دولار.. سيتم فى المقابل دفع 20 مليار دولار للأسر اليهودية التى تركت مصر بعد ثورة 1952 مع أنه لا يوجد ثمة تشابه بين ما استولت عليه إسرائيل عنوة، وموقف الأسر اليهودية التى تركت مصر بحرية مطلقة. وفى أحد الملاحق الخاصة بمعاهدة السلام قال السفير بسيونى: اتفق الرئيس السادات مع باقى الأطراف على إنشاء نصب تذكارى للجندى المجهول، يخلد ذكرى شهداء معركة الفالوجا التى استشهد فيها البطل خالد الذكر أحمد عبد العزيز، والذى أذاق عصابات الهاجاناه والأورجون والاشترن الأمرين، والتى حارب فيها أيضاً الرئيس جمال عبدالناصر ورفاقه الأبطال أمثال فؤاد نصار وخالد محيى الدين وإبراهيم رفعت، وغيرهم الكثير والكثير، ومع ذلك لم تنشئ إسرائيل النصب التذكارى داخل الأراضى المحتلة، بل طالبت السلطات المصرية بإقامة نصب تذكارى يخلد قتلاها فى منطقة العريش. كما كشف السفير بسيونى عند بند سرى آخر متعلق بالحقوق التى نهبتها إسرائيل من الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر، وهو الملف المتعلق بدير السلطان، وهذا الدير لمن لا يعلم كان من أملاك الكنيسة القبطية المصرية قبل احتلال إسرائيل مدينة القدس فى 67، وبعد النكسة استولت عليه، واعتبرته من أملاك دولة إسرائيل، إلا أنه قبل توقيعه معاهدة السلام قرر الرئيس السادات أن يعود هذا الدير لأملاك الكنيسة فى مصر وأن تدق فيه الأجراس، وتقام فيه الصلوات بحرية كاملة، إلا أن إسرائيل ماطلت كعادتها رغم صدور حكم نهائى من المحكمة الإسرائيلية بأحقية الكنيسة القبطية فى استرداد الدير. وفى محاولة لمعرفة المزيد والمزيد عن البنود السرية لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قال السفير بسيونى: من المعلوم أن معاهدة السلام وضعت أساساً لمستقبل الفلسطينيين مفاده أن يتمتع الشعب الفلسطينى بالحكم الذاتى خلال 5 سنوات من توقيع معاهدة السلام، لتشجيع باقى الأطراف المعنية، وكان المقصود بالطبع سوريا على الدخول فى مفاوضات جادة مع إسرائيل لتحقيق السلام الكامل والشامل، ولكن إسرائيل كعادتها قالت فى البداية إن الأرض مقابل السلام، وبعد استشهاد الرئيس السادات، وسقوط الاتحاد السوفيتى، وموت أبوعمار، وانقسام حماس عن السلطة الفلسطينية، قالت: إن الأمن مقابل السلام.. وجعلت من صواريخ القسام وحماس شماعة للتباطؤ والتواطؤ والتهرب من المبادئ التى وضعها الرئيس السادات مع مناحم بيجن وجيمى كارتر، بغرض عودة الأرض المحتلة. وبناء على أحد البنود المهمة فى معاهدة السلام كان قد تقرر ترحيل ما يقرب من 4 آلاف أسرة فلسطينية، مقيمة فى مخيم أطلقنا عليه آنذاك «مخيم كندا» بالقرب من رفح المصرية.. كان من المقرر ترحيل هذه الأسر إلى رفح الفلسطينية ليلحقوا بذويهم هناك، وبعد فترة تقاعست إسرائيل عن تنفيذ بنود الاتفاقية واستكمال المهمة كعادتها، لكونها تتمتع بحصانة أمريكية سواء فى الشرق الأوسط أو مجلس الأمن. ومن أخطر البنود والتى لم يكشف عنها النقاب بعد، يقول السفير بسيونى: بند خرائط الألغام والذى وضعه الرئيس السادات على قائمة أولوياته قبل توقيع معاهدة السلام عام 1979، وأكد بسيونى أنه رغم مماطلة إسرائيل فى تحديد مواقع الألغام، أو تسليم الجانب المصرى الخرائط كاملة فإن الأجهزة المعنية وضعت يدها على كثير من الخرائط والمواقع، وقامت بتطهير الكثير منها، إلا أن الجانب الإسرائيلى لم يف بالتزاماته كاملة، ومن جانبنا -كما قال السفير بسيونى: نقوم باتصالات دبلوماسية وعسكرية بالضغط على إسرائيل لتسليم البقية الباقية من تلك الخرائط لاستغلال خيرات سيناء كاملة خاصة مناطق البترول والفوسفات والمنجنيز فى الجزء الجنوبى منها. ويتذكر السفير بسيونى أن إسرائيل دائماً ما تضع عراقيل كثيرة فى طريق السلام وتحتاج إلى مفاوض ماهر، يحتاج إلى صبر «وطولة» بال كما يقولون، ويضيف قائلاً: يبدو أن القدر قد خلق الرئيس السادات ليتحمل قرار الحرب، ويصنع قرار السلام ثم يموت شهيداً بعد ذلك، لأن مناحم بيجن كان يحتاج إلى عقلية جبارة للتفاوض معه، ولم يكن موجوداً على الساحة العربية والدولية إلا الرئيس السادات لأداء هذه المهمة. وللتأكيد على ذلك أنه فى بداية عام 81 طلب مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل الاجتماع مع الرئيس السادات لأمر مهم وخطير، وأثناء جلسة مطولة معًا فى شرم الشيخ، أذاعت وكالات الأنباء العالمية أن الطيران الإسرائيلى قام بقصف المفاعل النووى العراقى.. عندها شعر السادات أن بيجن جاء خصيصاً ليشوه صورته أمام الشعوب والزعماء العرب، أراد بيجن حرق الرئيس السادات، أراد أن يقول للعرب: إن رئيس أكبر دولة عربية وافق على ضرب المفاعل العراقى.. وافق على ضربه، وأنا جالس معه.. عندها تم استدعاء السفير الإسرائيلى فى القاهرة «موشى ساسون» وتم التأكيد عليه أن ينقل لبيجن غضب الرئيس السادات، ويبلغه أن إسرائيل لن ترقى إلى مصاف الدول التى تعتمد فى سياستها على الحضارة والدبلوماسية. وتعد مشكلة «طابا» من أشهر العقبات التى وضعتها إسرائيل فى طريق السلام، فمع أن العلامات الدولية تؤكد حق مصر فى منطقة طابا فإن إسرائيل رفضت تسليمها بسهولة، مما دعا مصر إلى التحكيم الدولى.. والذى أقر فى النهاية بالعلامات الكائنة أيام الانتداب البريطانى لأرض فلسطين، حيث أقرت جميع الأطراف بسلامة الموقع المصرى وتم استرداد منطقة طابا كاملة غير منقوصة. أما مستعمرة ياميت فكانت حكايتها حكاية - كما يقول السفير بسيونى - حيث رفض رئيس الوزراء الإسرائيلى التفاوض بشأنها فى البداية، وأكد أنها ستكون مستعمرة يتيمة للإخوة اليهود على أرض سيناء الحبيبة، وستكون بمثابة حائط مبكى للذين فقدوا ذويهم على أرض سيناء، وتأكيداً لكلامه أمر بإنشاء معبد أطلق عليه «السيناجوج».. إلا أن الرئيس السادات رفض كل هذه الألاعيب، وقال: إذا أراد اليهود البكاء على قتلاهم، فيمكنهم تكليف أشقائهم المصريين بالمهمة بعد دفع «المعلوم» فكلنا «أبناء الله وأحباؤه».. وتشاء الأقدار، ويموت الرئيس السادات شهيداً وسط أبنائه فى 6 أكتوبر 1981. وقد أصر الرئيس السابق مبارك على تدمير ياميت، وبالفعل، قام أكثر من 20 ألف جندى إسرائيلى بتدمير المستعمرة، وتركوا المعبد قائماً بعد أن كتبوا على بابه «إن نسيتم القدس، انسوا ياميت». وفى الحلقة قبل الأخيرة قال السفير بسيونى إن إسرائيل هى العدو الحقيقى لمصر فإذا سقطت مصر - لا قدر الله - سقطت الأمة العربية، وإذا نهضت مصر، نهضت الأمة العربية.. ومع كل هذه الظروف كما يقول السفير بسيونى إن مصر لن تسقط بفضل شعبها وجيشها وماضيها وحاضرها، وشكيمتها التى لن تلين. فى الحلقة القادمة (الأخيرة) قصة الملوك والرؤساء العرب مع عبدالناصر والسادات وجولدا مائير