كان لكاتبنا الكبير أنيس منصور - الفلاح ابن المنصورة - أسلوب رشيق مميز لم نجده عند كثير من الكُتّاب والمفكرين المصريين والعرب.. جمع بين الفصاحة والبساطة واعتمد على الإيقاع السريع والجُمل القصيرة التى تحمل كثيراً من الدلالات والمعانى لتوصيل فكرته إلى القارئ فى زمن قليل ونفس قصير.. حتى لا يمل وينصرف عن القراءة.. ومن خلال عملى معه تلميذاً فى مدرسته الصحفية كنت أجد صعوبة فى فك طلاسم خطوط مقالاته.. حيث كان خطه غير واضح وقليلا ما يضع النقاط على الحروف.. ذلك لأنه كانت تشغله الفكرة ويخاف أن تذهب منه فيسجلها بسرعة فى كلمات تشبه الخطوط المتعرجة. ومع ذلك كنا فى قسم التصحيح نتعاون معاً فى الوصول إلى القراءة الصحيحة لهذه الخطوط.. وكانت بساطة الأسلوب الذى يكتب به أستاذنا الراحل يسهّل علينا كثيراً فك طلاسم تلك المتعرجات الكثيرة.. لكن أحياناً ما كانت تعيينا بعض منها ولا يستطيع أحد أن يصل إلى القراءة الصحيحة لهذه الكلمات فيذهب أحدنا إليه فى مكتبه. وعندما كثر ترددنا إليه لهذا السبب قال لنا جملة أحسسنا بها أننا نشاركه فى كتابة المقال: قال إذا لم تفهم العبارة جيداً فاكتبها كما تراها ليفهمها من بعدك.. فأنت أول قارئ لأكتوبر وإن لم تفهم ما أكتبه فلن يفهمه القراء بعد ذلك.. فكنا نجتهد فى حل طلاسم كلماته ونكتبها بما يقربنا من فهمنا ثم نعرضها عليه فيقر منها ما يراه صحيحاً وقريباً من المعنى ويعدل منها ما ابتعدنا فيه عن فكره.. وقد استمتعنا ونحن نعمل معه بكبار الكُتّاب والمفكرين من أمثال إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وفايز حلاوة وجمال حماد ود. عبد العظيم رمضان وغيرهم.. وكان - رحمه الله - مدرسة صحفية متحركة تَخرَّج فيها صحفيون على أعلى مستوى، منهم تلميذه النجيب المرحوم عادل البلك وحاتم نصر فريد وإسماعيل منتصر ومحسن حسنين وشاركه فى قيادة سفينة أكتوبر الأساتذة محمد عبدالوارث وإبراهيم صالح ومريم روبين ونفيسة عابد وأحمد شاهين وعبد العزيز صادق وسراج ومحمد سليم ومحمود عنان وفخرى فايد وإبراهيم مصبح وإبراهيم المليجى وحامد دنيا وسلامة ومسعود ونصار والتهامى وقابيل وعبدالبارى وأسيمة جانو ومحمد الطويل ومحمد المصرى وسوسن القصبى وهيام ومحمد إبراهيم وألفت نور وألفت الغندور وعبدالعال الحمامصى وفتحى الإبيارى وابتهال غيث وأسامة أيوب ومحمد نجم، والقائمة طويلة من محررين ومخرجين ومصححين ومصورين وطباعين.. إلخ.. رحم الله أستاذنا أنيس منصور الذى اجتمعنا على جمال أسلوبه وبساطته واختلفنا مع بعض آرائه ما بين مؤيد ومتحفظ ومعارض.. لكن يبقى أنيس منصور واحداً من المصريين الذين كانت لهم بصمة مميزة فى فن الكتابة الصحفية والخواطر الحياتية لم ينافسه فيها أحد حتى الآن.