الشباب ومشكلات السوشيال ميديا، ندوة بمكتبة مصر العامة    حزب الحركة الوطنية يناقش خطة عمل المرحلة المقبلة والاستعداد لانتخابات المحليات    اللواء عادل الغضبان يؤكد: لا ضرر ولا ضرار لأهالي سهل الحسينية    إزالة 163 حالة تعدٍ على أملاك الدولة بالدقهلية    مندوب فلسطين لدى جامعة الدول العربية: الاحتلال يعتمد تجويع الشعب الفلسطينى فى غزة    ثلاثي الأهلى يتحدث لوسائل الإعلام قبل مواجهة مازيمبي    التواصل مع مستثمرين إماراتيين، قرار جديد من إدارة برشلونة لحل الأزمة المالية    الحبس سنة لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش بالجيزة    البلشي: وضعنا ضوابط للتغطية الصحفية للجنازات تحفظ جميع الحقوق    المندوب الفلسطيني لدى الجامعة العربية: إسرائيل ماضية بحربها وإبادتها رغم القرارات الدولية والمظاهرات العالمية    بمناسبة العيد القومي لسيناء.. وزير الرياضة يشارك مع فتيات العريش مهرجان 100 بنت ألف حلم    إدخال 215 شاحنة مساعدات من خلال معبري رفح البري وكرم أبو سالم لقطاع غزة    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    وزير العدل يختتم مؤتمر الذكاء الاصطناعي التوليدي وأثره على حقوق الملكية الفكرية    الخميس ولا الجمعة؟.. الموعد المحدد لضبط التوقيت الصيفي على هاتفك    غدا.. أمسية فلكية في متحف الطفل    "أبواب تونس" في ثالث عروض مسرح ثقافة القليوبية    مصرف قطر المركزي يصدر تعليمات شركات التأمين الرقمي    بكين ترفض الاتهامات الأمريكية بشأن تبادلاتها التجارية مع موسكو    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    عضو بالشيوخ: مصر قدمت ملحمة وطنية كبيرة في سبيل استقلال الوطن    هنا الزاهد تروج لفيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بردود أفعال الجمهور    نصيحة الفلك لمواليد 24 إبريل 2024 من برج الثور    الكشف على 117 مريضا ضمن قافلة مجانية في المنوفية    «الصحة»: فحص 1.4 مليون طالب ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فيروس سي    «الأطفال والحوامل وكبار السن الأكثر عرضة».. 3 نصائح لتجنب الإصابة بضربة شمس    «الرعاية الصحية في الإسماعيلية»: تدريب أطقم التمريض على مكافحة العدوى والطوارئ    5 كلمات.. دار الإفتاء: أكثروا من هذا الدعاء اليوم تدخل الجنة    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    المستشار أحمد خليل: مصر تحرص على تعزيز التعاون الدولي لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    عاجل.. برشلونة يقاضي ريال مدريد بسبب هدف لامين يامال    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    جديد من الحكومة عن أسعار السلع.. تنخفض للنصف تقريبا    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    رئيس "التخطيط الاستراتيجي": الهيدروجين الأخضر عامل مسرع رئيسي للتحول بمجال الطاقة السنوات المقبلة    أسوشيتيد برس: احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تستهدف وقف العلاقات المالية للكليات الأمريكية مع إسرائيل    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    عمرو الحلواني: مانويل جوزيه أكثر مدرب مؤثر في حياتي    مدبولي: دعم الصناعة أصبح يؤتي ثماره في العديد من القطاعات الإنتاجية    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    أبومسلم: وسام أبو علي الأفضل لقيادة هجوم الأهلي أمام مازيمبي    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية أودى أديب
نشر في أكتوبر يوم 09 - 10 - 2011

اسمه إيهود (أودى) أديب، وهو من مواليد كيبوتس جان شموئيل القريب من حيفا عام 1946. خدم فى الجيش الإسرائيلى وأنهى خدمته العسكرية عام 1966 ثم استدعى لخدمة الاحتياط ضمن لواء مظليين شارك فى حرب يونيو 1967 فى المعارك التى دارت فى منطقة القدس.
بعد عودته من الحرب انضم أودى أديب إلى خلية لجماعة يسارية راديكالية تسمى البوصلة (متسبين) يقودها شخص يدعى إيلان هاليفى. . وكان هاليفى قد ولد فى باريس لأب من أصل تركى وأم من أصل يمنى، وتشبع فى سنوات شبابه بأفكار (اليسار الجديد) فى غرب أوروبا، وانضم إلى محطة إذاعة سرية فى مالى بأفريقيا تعمل ضد الاستعمار الفرنسى، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة لينضم إلى منظمة (الفهود السود) وأخذ يعمل بين الطلبة فى دول العالم الثالث.
* رحلة اليسارى الإسرائيلى من الكيبوتس إلى أثينا ودمشق
* أحلام أودى أديب تحطمت مع بروز الرأسمالية
وفى عام 1966 هاجر إلى إسرئيل واستقر به المقام فى كيبوتس جان شموئيل أحد قلاع حركة الحارس الفتى (هاشومير هاتسعير) وتزوج. وفى عام 1968 تم إبعاده عن الكيبوتس بسبب. مواقفه الراديكالية ثم غادر إسرائيل نهائيًا وعاد إلى فرنسا ليصبح أول إسرئيلى ينضم لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات.
وكانت البوصلة (متسبين) أيضًا اسم الجريدة التى يصدرها مجموعة من الشبان الإسرائيليين الذين أنشأوا فى عام 1962 (المنظمة الاشتراكية الإسرائيلية). وكان هؤلاء الشبان ومعظهم من طلبة الجامعة العبرية فى القدس أعضاء فى الحزب الشيوعى الإسرائيلى المعروف اختصارًا باسم (مالكى) لكن الحزب أبعدهم من صفوفه لأنهم عقدوا لقاءات دون الحصول على موافقة قيادة الحزب، وبذلك خالفوا مبدأ (المركزية الديمقراطية) الذى وضعه لينين عندما كان زعيمًا للبلاشفة فى روسيا قبل ثورة أكتوبر 1917.
والخلاصة أن أعضاء (متسبين) خرجوا عن الخط الأيديولوجى للحزب وهو الخط الذى كانت تمليه موسكو وعارضوا الصهيونية ودولة إسرائيل وانتقدوا بشدة التوجهات الغربية للحكومة الإسرائيلية برئاسة دافيد بن جوريون، وارتباطها بالقوى الإمبريالية والرأسمالية الغربية. وحتى عندما كانوا فى (ماكى) رفعوا شعار (سلام سلام ولا سلام) الذى يخالف الإعلام الرسمى لحكومة إسرائيل فيما يتعلق بأهداف حرب السويس وكشفوا ارتباط إسرائيل مع كل من فرنسا وبريطانيا فى العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر - نوفمبر 1956. وطالب أعضاء (متسبين) بحل الهستدروت وإنشاء نقابات مهنية تدافع عن مصالح العمال بدلًا منه. لكن (متسبين) أيضًا انتقد الدول العربية التى بها أنظمة ملكية وعسكرية و (رجعية). فقد كانوا يؤمنون فى (متسبين) أن السلام فى الشرق الأوسط يمكن تحقيقه فقط بتحالف طبقة العمال والفلاحين والمثقفين والعمل على إقامة اتحاد فيدرالى متعدد القوميات والأجناس فى الشرق الأوسط. وبعد انتهاء حرب يونيو 1967 مباشرة كان أعضاء (متسبين) هم أول من نادى بانسحاب إسرائيل من كل الأراضى المحتلة، وأخذوا يكتبون على الحوائط فى كل أنحاء إسرائيل (اخرج أيها الاحتلال)، وذلك فى ظل نشوة الانتصار التى سادت إسرائيل.
يقول أودى أديب: «بعد ما تحقق فى حرب يونيو والتعرف على أحوال الفلسطينيين فى المناطق المحتلة أخذت أبحث عنهم عن طريقى السياسى فى الحياة». فى تلك الفترة كان أديب هو مبعوث حركة (هاشومير هاتسعير) يعمل موجهًا فى منطقة كيريات حاييم بالقرب من حيفا. ويضيف أديب: «بعد أن سمعت عن متسبين، أخذت أبحث عنهم وحصلت على رقم بريدى لهم فى حيفا فكتبت لهم أدعو أحدهم للمجىء إلى كيريات حاييم وإلقاء محاضرة». وكان المندوب الذى وصل هو جبرا نيقولا، وهو عضو قديم فى (ماكى) حيفا متمسك بالمواقف التروتسكية، وعندما علمت قيادة هاشومير هاتسعير بما حدث تم إبعاد أديب عن الحركة عام 1968. وفى عام 1969 غادر كيبوتس جان شموئيل رسميًا وبدأ يدرس الفلسفة والاقتصاد فى جامعة حيفا ويصبح عضوا نشطًا فى متسبين. وفى تلك الفترة حدثت انشقاقات فى متسبين وانقسمت الحركة الصغيرة إلى ثلاث حركات وانضم أديب إلى إحداها وهى حركة تنتمى إلى فكر ما وتسى تونج، لأنه أراد أن يرى متسبين تعمل أكثر من أجل الموضوع الفلسطينى وتكف عن الانشغال بالعلاقة مع الهستدروت وطبقة العمال. لكن حتى مع هذه الحركة لم يجد راحته. وفى عام 1971 انشق وانضم إلى منظمة تطلق على نفسها اسم (الجبهة الحمراء) أقامها شخص يدعى دان فيرد، وهو مدرس رياضيات من مواليد جنوب تل أبيب كان أبوه يعمل موظفا فى بلدية المدينة وأمه مدرسة رياضيات وفى أوائل الستينات تعلم «فيرد» فى جامعة ميامى بالولايات المتحدة وتعرف هناك على الصراعات الكبرى من أجل حقوق الإنسان، وتبنى الأيديولوجية والفكر الماوى وأتى به إلى إسرائيل، وأخذ يتحدث عن ضرورة حدوث (ثورة ثقافية) على غرار الصين. يقول أودى أديب: «أردنا أن نحقق نظرية تعاون القوميات وسعينا لإقامة إطار مشترك لمنظمات إسرائيلية وفلسطينية تناضل من أجل حدوث ثورة على غرار كوبا فيدل كاسترو بقيادة طبقة العمال. وكانت أفكارنا خليطًا بين ماو وتشى جيفارا».
ومنذ البداية خطط أعضاء (الجبهة الحمراء) لإنشاء تنظيم سرى يحافظ على درجة عالية من السرية. وكان هذا التنظيم يجتمع أحيانًا فى منزل شخص يدعى داود تركى، وهو صاحب محل لبيع الكتب فى شارع خورى بحى وادى النسناس فى حيفا القديمة وكان تركى يأتى فى هذه الاجتماعات بعدد من أصدقائه العرب من حيفا ومن شفا عمرو ومن قرى الجليل الغربى.
كما كان تركى الذى يكبر رفاقه اليهود بعقد من الزمان تقريبًا، مثالًا واضحًا للفلسطينى الذى عاش فى شبابه تجربة النكبة فى حرب 1948 وعانى من الهزيمة والإذلال والعيش فى ظل الحكم العسكرى الإسرائيلى. فهو من مواليد 1928 فى قرية المغار فى الجليل وعندما كان فى الخامسة انتقلت عائلته إلى حيفا. ولم ينه دراسته الثانوية لكنه استكمل تعليمه بنفسه ليصبح على درجة عالية من الثقافة. وبعد الحرب 1948 انضم إلى الحزب الشيوعى الإسرائيلى (ماكى) الذى كان فى الواقع ملجأه الوحيد كعربى يعيش فى إسرائيل. لكن سرعان ما عارض توجهات هذا الحزب القائلة بأن من الممكن الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات والنضال البرلمانى. وأيد النضال الثورى العنيف فتم استبعاده من صفوف الحزب لينضم إلى حركة (الأرض) وهى حركة صغيرة كانت تضم حوالى 20 شابًا عربيًا يتبنون الأفكار القومية كما يراها الرئيس المصرى عبد الناصر.
بدأوا ينتظمون عام 1959 لإنشاء كيان سياسى يعبر عن التطلعات القومية لعرب إسرائيل. وكان من بين قياداتهم محمد ميعارى، الذى أصبح فيما بعد عضوًا بالكنيست فى الثمانينات مع اللواء (احتياط) ماتى بيليد عن (القائمة التقدمية للسلام).
ونادت حركة (الأرض) بتحدى شرعية قيام دولة إسرائيل ودعت إلى تغيير البنية التقليدية للمجتمع العربى، وأصدرت جريدة تتحدث باسمها لكن السلطات أغلقتها. وفى عام 1964 تم إلقاء القبض على أربعة من قيادات الحركة بتهمة الاتصال مع دول معادية فى مصر وسوريا.
وفى النهاية وقع وزير الدفاع الإسرائيلى، آنذاك، ليفى أشكول على أمر يقضى بخروج حركة (الأرض) عن القانون. وفى عام 1965، غيرت الحركة اسمها ليصبح (القائمة الاشتراكية العربية) وأعلنت نيتها المشاركة فى انتخابات الكنيست السادسة، لكن لجنة الانتخابات المركزية رفضتها بدعوى أنها تمثل تنظيما سريًا وأيدت المحكمة العليا قرار الرفض.
بعد قصته مع (الأرض) تبنى داود تركى الأيديولوجية الماركسية واقترب من حركة «متسبين» وأخذ يبيع فى محله الجريدة الناطقة باسمها ومن هنا تعرف على أودى أديب، ومنذ لقائهما الأول قرر داود تركى أن تنقسم (الجبهة الحمراء) إلى قسمين: قسم أعضاؤه من العرب وقسم أعضاؤه من اليهود بحيث يصعب على الشاباك كشف التنظيم.
وفى مناسبة أخرى قال تركى «إن المنظمة الثورية السرية يجب أن تعمل بنفس أسلوب المنظمات الفذائية الفلسطينية». لكن أعضاء الجماعة رفضوا هذا الاقتراح.
وفى ذات يوم - يتذكر أودى أديب - قال لى داود تركى أنه يعرف فلسطينيًا من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، وسألنى عما إذا كنت أرغب فى مقابلته لبحث إنشاء إطار مشترك فوافقت على الفور. وطلب منى تركى أن أحافظ على السر وقرر الاثنان عدم ذكر أى شىء عن هذا الموضوع لباقى أعضاء الجماعة. وأوضح تركى لأديب أن اللقاء سيكون فى العاصمة اليونانية أثينا، وأرشده بما يجب عمله قبل السفر إلى اليونان. ووفقًا لتوجيهات تركى كان على أديب أن يقدم نفسه لرجل منظمة التحرير باسم (موسى).
توجه أديب إلى مكتب سفريات فى شارع الميناء يملكه عربى من حيفا واشترى تذكرة طيران ذهابًا وعودة إلى أثينا. ووعده تركى بأن الفلسطينى الذى سيقابله سوف يعيد له نفقاته بالكامل. ووفقًا للتعليمات كان على أديب فور وصوله إلى أثينا أن يقيم فى فندق صغير وبسيط لكى لا يلفت الأنظار، ثم يذهب إلى مكتب البريد المركزى ويرسل برقية لعنوان معين فى بيروت يقول فيها (إبعث الكتاب). ومن اللحظة التى يتم فيها تسلم البرقية سوف يصلك هذا الشخص خلال يومين أوثلاثة، وهو ما حدث بالفعل.
فى 28 سبتمبر 1971 وصل أديب إلى مطار اللد ولأنه عضو فى (متسبين) وفى (الجبهة الحمراء) تم تفتيشه بدقة واكتشف معه رجل الأمن مئات الدولارات فوق المسموح بحمله لكنه لم يبلغ سلطات الجمارك وفقًا لتعليمات الشاباك. وبعد عملية التفتيش ركب أديب طائرة (تى. دبليو. إيه) المتجهة إلى أثنيا، وهناك دخل بجواز السفر الإسرائيلى بكل سهولة واستقل سيارة أجرة إلى وسط المدينة. وهناك واصل السير على قدميه فى الشارع الرئيسى لأثينا إلى أن وصل إلى ميدان (أومونيا) وبحث عن فندق صغير فى أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من الميدان. وبعد أن استحم وبدل ملابسه أخذ يتصرف كسائح وفى التاسعة مساء ذهب إلى مكتب البريد وأرسل برقية إلى بيروت على العنوان الذى أخذه من تركى: صندوق بريد 196.
وبعد حوالى ثلاثة أيام وصل إلى غرفته فى الفندق رجل قدم نفسه له باسم (أبو كامل) ضمّن أديب بأنه هذا ليس اسمه الحقيقى، ولكنه لم يلح عليه بالسؤال. أخذ (ابو كامل) أديب معه وخرجا من الفندق وأخذا يمشيان فى شوارع أثينا وبين الحين والآخر يجلسان على أحد المقاهى الصغيرة فى الشوارع الجانبية. تحدث الاثنان فيما بينهما باللغة العربية وقال (أبو كامل) إنه يمثل مجموعة فلسطينية مستقلة تتبنى الفكر الماركسى - الماوى. وأن هذه المجموعة تهتم بإنشاء إطار للنضال المشترك مع الإسرائيليين ضد الصهيونية.
بعد هذا اللقاء الذى دام ليومين، اقترح ابو كامل اللقاء مرة أخرى فى العام القادم ووافق أديب. وطلب أبو كامل من أديب أن يجهز له فى اللقاء القادم تقارير مفصلة عن الاقتصاد والمجتمع والجيش الإسرائيلى واهتم بصفة خاصة بخدمته العسكرية، كما طلب منه تجنيد إسرائيليين آخرين فى المجموعة والبحث عن شقق آمنة وتأجيرها يتم تخصيصها لإخفاء من تتعرض حياتهم للخطر أو لاستضافة المبعوثين الذين سيأتون من الخارج. يقول أديب: «كان من الواضح لى أن المقصود هو عمل سرى، وكنت أدرك أن هذا الأمر غير قانونى وأننى يمكن أن أواجه متاعب لا أول لها ولا آخر لكن هذا بالضبط هو ما سعينا إليه عندما أنشانا الجبهة الحمراء».
ويضيف أديب: «حصلت على اسم شابة يونانية وعنوان للرسائل وكان علىَّ أن أكتب بالحبر السرى. وعلمنى أبو كامل ثلاث طرق للكتابة: الأولى عن طريق دواء يمكن شراؤه من أى صيدلية، والثانية عن طريق قطرة دم من الإصبع وإذابتها فى الماء، والثالثة بغمس قطعة خشب مثل القلم الرصاص فى عصير الليمون. وطلب أبو كامل أن تكون الكتابة قصيرة وبالشفرة، وموقعة بأى اسم من دليل التليفونات.
وفى نهاية اللقاء الأخير سأل أبو كامل أديب عن النفقات التى أنفقها فقال له حوالى 700 دولار فأخرج من جيبه عشر ورقات فئة المائة دولار وأعطاها إليه بعد توقيعه على إيصال بذلك.
وفى آواخر سبتمبر 1972، عشيه عيد الغفران عند اليهود، سافر أديب إلى أثينا للقاء الثانى مع (أبو كامل). وعندما أبلغ عشيقته، ليئاه والتى أصبحت فيما بعد زوجته الثانية، عن نيته السفر لإجازة أخرى فى اليونان، ثارت فى نفسها الشكوك وقالت: هل تسافر لمقابلة أعضاء منظمة أيلول الأسود؟ فقد كان ذلك بعد حوالى شهر من قيام أعضاء هذه المنظمة بقتل 11 رياضيًا إسرائيليًا فى أولمبياد ميونيخ. لكنه طمأنها تمامًا.
وفى هذه المرة أيضًا حدث ما حدث فى السابق من النزول فى فندق صغير وإرسال البرقية إلى بيروت. انتظر مجىء أبو كامل وأخذ يتجول فى الشوارع ويجلس على المقاهى يقرأ الجرائد لكن أبو كامل لم يصل. وفى اليوم الثالث نزل أديب من فندقه إلى ميدان أو مونيا وفجأة وقعت عيناه على شخص أبو كامل.
صاح أديب «أى حظ هذا الذى يجعلنى أقابلك صدفة». فقال أبو كامل «لقد نسيت أن تذكر فى البرقية اسم الفندق، ولم أعرف كيف أجدك فأخذت أبحث عن اسمك فى كل فنادق المدنية وهذه هى ليلتى الثانية. وفجأة قال: «استعد سوف نسافر إلى دمشق غدًا».
البقية فى العدد القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.