السجيني يسأل وزيرة التنمية المحلية عن الأثر الاجتماعي بمشروع الإيجار القديم.. والوزيرة: نسمع من حضراتكم لعمل الدراسة    إيران تنتظر موعد الجولة الرابعة لمفاوضات النووي مع واشنطن    ليفاندوفسكي يستهدف المئوية الأولى مع برشلونة    تقارير تكشف موعد سحب قرعة بطولتي كأس العرب ومونديال الناشئين    صحة المنيا: المرور على 778 منشأة غذائية.. وتحرير 528 محضرا للمخالفات خلال أبريل الماضي    أكاديمية الفنون تحتفل بحصولها على درع التميز في إبداع 13    تفعيل اتفاقية التعاون بين جامعتي عين شمس واسكس البريطانية في المجال القانوني    «المركزي» يطرح سندات خزانة ب3 مليارات جنيه    وكيل تعليم الجيزة يتفقد مدارس أوسيم ومنشأة القناطر ويشيد بالانضباط    الرئاسة الروسية: سننظر إلى أفعال المستشار الألماني الجديد    عازر تؤكد على أهمية الاعتراف بالعنف السيبراني كقضية مجتمعية    محافظ الدقهلية يكرم 50 عاملًا في احتفالية عيد العمال    قبل مواجهة الأهلي.. بوسكيتس: لسنا في مستوى يؤهلنا للمنافسة بمونديال الأندية    محترفو الفراعنة × أسبوع| خسارة كبيرة لصلاح.. فوز صعب لمرموش.. وهزيمة مصطفى محمد    حقيقة تعثر مفاوضات الزمالك مع كريم البركاوي (خاص)    قانون العمل.. حالات يحق فيها للمرأة إنهاء عقد العمل    حار نهارًا على أغلب الأنحاء.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 5 مايو 2025    بسبب سرقة لحن.. تأجيل محاكمة مطربي المهرجانات مسلم ونور التوت وآخرين    لمواعدة مثالية مع شريكك.. هذه الأبراج تفضل الأماكن الهادئة    بعد جنازته بمصر.. كارول سماحة تقيم عزاء زوجها في لبنان الخميس    وفاة الفنان نعيم عيسى بعد صراع مع المرض    رئيس الاتحاد الدولي للترايثلون: مصر تستحق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية: اقتصاد مصر سريع النمو وندعم برنامج الحكومة للإصلاح    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» يشارك في معرض أبو ظبي للكتاب    منتدى الأعمال العُماني الروسي يوقع اتفاقيات تعزيز فرص التعاون التجاري والاستثماري    "قومي حقوق الإنسان" ينظّم دورتين تدريبيتين للجهاز الإداري في كفر الشيخ    مستشفى قنا العام تنجح في تنفيذ قسطرة مخية لمسنة    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    شام الذهبي: الغُناء بالنسبة لي طاقة وليس احتراف أو توجه مهني    صلاح سليمان: مؤمن سليمان الأجدر لقيادة الزمالك    محافظ الجيزة يوجه بصيانة مصعد فرع التأمين الصحي ب6 أكتوبر    بعد قضية ياسين.. إحالة أربعيني للمحاكمة الجنائية لاتهامه بهتك عرض صغيرة بكفر الشيخ    الإغاثة الطبية بغزة: وفاة 57 طفلا نتيجة سوء التغذية والجوع فى القطاع    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    إحالة المتهم بالتعدى على الطفلة مريم بشبين القناطر للجنايات    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    وزارة الصحة تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى زايد التخصصي    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    فيديو.. ترامب يكشف عن نيته بناء قاعة رقص عالمية في البيت الأبيض    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    الكرملين: بوتين لا يخطط لزيارة الشرق الأوسط في منتصف مايو    في موسمه ال13.. جامعة بنها تحقق مراكز متقدمة في مهرجان «إبداع» (صور)    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    مقتل شاب على يد آخر في مشاجرة بالتبين    صدمة لجماهير الأهلي.. صفقة واعدة تبتعد    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجاسوسية والجواسيس 11 من خان من فى القاهرة؟
نشر في أكتوبر يوم 11 - 09 - 2011

فور عودته إلى ألمانيا اتصل إفرى إلعاد أو باول فرنك بالعقيد عثمان نورى، الملحق العسكرى بالسفارة المصرية فى بون، الذى ربطته به علاقة وطيدة فى القاهرة أثناء عمل نورى كنائب لرئيس المخابرات الحربية. وبسبب هذه العلاقة بدأ جدل لم ولن يتوقف فى إسرائيل: هل نجح ضابط المخابرات المصرى المحنك فى تحويل إفرى إلعاد أو باول فرنك إلى عميل مزدوج؟ ولماذا لم يقم إلعاد بإبلاغ قادته فى الوحدة 131 بأمر علاقته مع ضابط المخابرات المصرى عثمان نورى؟ وهل قام إلعاد (فرانك) فعلا بتسليم أعضاء شبكة التجسس والتخريب الإسرائيلية إلى المخابرات المصرية؟
التحول فى هذه القصة بدأ من لقاء داخل قبو لشرب البيرة فى حى العاهرات بمدينة ديسلدورف الألمانية. اللقاء كان فى أوائل نوفمبر 1957 وجمع بين (رجل أعمال) بريطانى وشخص يدعى روبرت يانسن، يملك محطة بنزين وورشة لتصليح السيارات بمدينة كارفيلد التى تبعد عن العاصمة بون حوالى 50 كيلو مترا.
وكان (رجل الأعمال) وهو شاب متوسط القامة فى الخامسة والعشرين من العمر تقريبا قد وصل قبل ذلك بسيارته إلى الورشة وطلب من صاحبها ضبط المحرك. وقام يانسن بضبط المحرك فى الوقت الذى بدأ فيه الاثنان يتبادلان أطراف الحديث بود شديد تطور فيما بعد إلى علاقة صداقة. فقد أعجب يانسن بالشاب البريطانى واتفقا على اللقاء فى مساء نفس اليوم ليشربا البيرة معا فى واحد من أقبية البيرة فى ديسلدورف.. وكان اللقاء حميما لدرجة أنهما قررا مواصلته كل ليلة.
كان يانسن ضابط مخابرات سابقا فى الجيش الألمانى، ووجد عملا فى مصر فى النصف الأول من الخمسينيات، وبعد انتهاء عمله فى مصر عاد إلى بلده، المانيا، وقام بفتح محطة البنزين وورشة السيارات. وكانت هذه المعلومة معروفة لوحدة (تسوميت) التابعة للموساد الإسرائيلى. وهذه الوحدة كانت مسئولة عن تجنيد العملاء فى أوروبا، وإقناعهم بالسفر إلى الدول العربية والعمل هناك كعملاء للمخابرات الإسرئيلية تحت أى غطاء.
وهذا هو ما حدث بالضبط فى اللقاء مع يانسن، فقد عمل ضابط الموساد الإسرائيلى الشاب، دافيد كيمحى، بهوية بريطانية. ودافيد كيمحى هو نفسه الذى تولى بعد ذلك العديد من المناصب داخل الموساد إلى أن أصبح نائبا لرئيس الموساد ورئيسا لشعبة (تيفل) المسئولة عن علاقات الموساد بأجهزة المخابرات فى شتى أنحاء العالم. وهو نفسه الذى تولى فيما بعد منصب مدير عام وزير الخارجية الإسرائيلية، وهو رجل الأعمال الإسرائيلى حاليا وواحد من النشطين فى معسكر السلام.
وكانت الهوية البريطانية ملائمة له تماما، فهو من مواليد بريطانيا، واللغة الانجليزية هى لغته الأصلية.
وكانت المهمة المكلف بتنفيذها هى محاولة تجنيد يانسن وإقناعه بالعودة إلى مصر. وفى اللقاء الثالث أو الرابع بينه وبين يانسن وبعد أن توطدت العلاقة بينهما تماما، شعر ضابط المخابرات الإسرائيلى كيمحى أن الوقت قد حان للإقدام على الخطوة التى يتمناها ويخشاها فى نفس الوقت أى ضابط مخابرات .
اعترف كيمحى وهو يهمس فى أذن يانسن بأنه ليس رجل أعمال عاديا فهو رجل يعمل فى جهازمخابرات أوروبى وأن كل ما عليه القيام به هو العودة إلى مصر والبحث عن عمل هناك وكتابة التقارير عما يجرى فى هذا البلد.
لكن الشىء الغريب أن يانسن لم يفاجأ بسماع مثل هذا الكلام، ولم يصدق أن كيمحى رجل مخابرات يتبع دولة أوروبية، بل إنه فاجأ كيمحى بقوله:(هات من الآخر. أنا أعرف أنك مبعوث من قبل عثمان نورى)!!
لم يعرف حب الاستطلاع لدى كيمحى أى حدود وترك يانسن يواصل كلامه:(أنا أعرف أنك مبعوث العقيد عثمان نورى. فإن باول فرانك أرسلنى إليه لكى يستأنف العلاقة معه)!!. وهنا حدد يانسن كلمة السر التى امره فرانك بإبلاغها لضابط المخابرات المصرى: (أمرنى فرانك بأن أبلغ العقيد نورى بأن «فاجنر» هو الذى أرسلنى إليه)!!
والآن، أصبح من الواضح أمام كيمحى ما الذى حدث بالضبط، وادرك بأن تحت يده الدليل الدامغ على أن إفرى إلعاد كان عميلا مزدوجا فى خدمة المخابرات الحربية المصرية. وأن (فاجنر) هو الاسم الحركى الذى أطلقه عليه العقيد عثمان نورى فى مصر.
وعندما دخل كيمحى على يانسن بالطريقة التى دخل بها عليه اعتقد الأخير بأنه مبعوث من قبل العقيد عثمان نورى بغرض استئناف العلاقة مع إفرى إلعاد عن طريقه.
أسرع كيمحى إلى مندوب الموساد فى ألمانيا، وكتب تقريرا أودعه فى أيدى مبعوث خاص استقل الطائرة المتجهة إلى إسرائيل فى اليوم التالى ليضع التقرير على مكتب إيسار هرئيل، رئيس الموساد. قرأ هرئيل تقرير كيمحى باهتمام شديد وعلق بقوله:(كنت اعرف). فهو منذ حوالى ثلاث سنوات كان يشك فى إفرى إلعاد ويشاركه فى هذه الشكوك مجموعة من رجاله.والآن، تحولت الشكوك إلى حقيقة ومن مصدر غير متوقع على الإطلاق: الألمانى يانسن.
سارع هرئيل بإبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلى، دافيد بن جوريون، بالواقعة، فأصدر بوجوريون اوامره بتسليم هذه المعلومات إلى قسم الأمن الميدانى بالجيش الإسرائيلى، لأن الوحدة 131 التى يتبعها إفرى إلعاد كانت وحدة عسكرية فى كل شىء. وكان يرأس قسم الأمن الميدانى فى تلك الفترة الرائد يعقوب حيفتس، الذى كان قبل ذلك رئيسا لأركان قسم الاستخبارات. وألقيت على حيفتس مهمة إعادة إلعاد إلى إسرائيل. وفى نفس الوقت كلف بن جوريون، رئيس الموساد، إيار هرئيل، بالمشاركة فى التحقيقات مع الشاباك، فلجأ هرئيل إلى رئيس الشاباك، عاموس مانور، الذى ألقى بالمهمة على عاتق رئيس وحدة المحققين، تسفى أهارونى ونائبه، فيكتور كوهين.
وفى مقابلة له مع صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 30/ 7/ 1993 قال أهارونى:منذ اكتشاف محاولة إفرى إلعاد الاتصال بضابط المخابرات المصرى، عثمان نورى، عن طريق يانسن، تم بذل الكثير من الجهد لإعادته لإسرائيل.. حاولنا إعادته عن طريق الخداع، لكنه كان حذرا للغاية. وفى ذات مرة، أرسلنا إليه عاموس حوريب (الذى أصبح فيما بعد برتبة لواء فىالجيش الإسرائيلى ورئيسا لمعهد التخنيون)وكان آنذاك ضابط تسليح رئيسيا. وقال له عاموس إن شركة (سوليل بونيه) تريد إنشاء مصنع فى إسرائيل لإنتاج محركات مرسيدس، وأنه من الافضل أن يعود إلى إسرائيل للتحدث مع المسئولين بالشركة، نظرا لأنه الأنسب لتمثيلهم فى ألمانيا. وفى مرة أخرى، حاولوا إغواءه بأن يكون ممثلا لشركة الطيران الإسرائيلية (إل- عال) فى فيينا.
وفى نهاية الأمر، وقع إلعاد فى مصيدة الإغواءات ووصل إلى إسرائيل. وظل لمدة شهر تقريبا يتجول بحرية تامة ويلتقى مع زملائه السابقين فى الوحدة 131 ويقوم أيضا بزيارة مكاتب الوحدة.
لكن فى 16 ديسمبر 1957، تم استدعاء إفرى إلعاد لمكاتب قسم الأمن الميدانى بهيئة أركان الجيش الإسرائيلى. ذهب إلى هناك بصحبة يوسى هرئيل، قائد الوحدة 131. وكان المحقق الرئيسى معه هو يعقوب حيفتس الذى يعرفه جيدا منذ كانا يخدمان فى البالماخ. ثم بعد ذلك فى دورة لقادة الكتائب.
بدأ حيفتس التحقيق بقوله:( إفرى، أنا لا أتحدث إليك بوصفى صديقك، ولكن بصفتى رئيس قسم الأمن الميدانى الذى يحقق مع الرائد إفرى زايدنبرج).
فقال إلعاد:( لا داعى للمقدمات.. هات من الآخر) فاستجاب له حيفتس وقال: (أنت غير ملتزم بالإجابة، ولكن كل ما سوف تقوله من الممكن أن يمثل دليلا ضدك.يا إفرى، هل خنت دولة إسرائيل ذات مرة؟).
بعد عشرات السنين يتذكر حيفتس أن إفرى إلعاد شحب وجهة ونطق بجملة يصعب أن تقال من شخص يثق فى صدق كلامه:(لحظة. أمهلنى لحظة لكى أفكر وأتذكر).
فى الغرفة المجاورة، كان محققا الشاباك تسفى أهارونى وفيكتور كوهين ينصتان لمجريات التحقيق. وعندما سمع أهارونىإجابة إلعاد، رأى أنه من الواجب إلقاء القبض عليه فورا، فدخل إلى الغرفة وقال لإفرى إلعاد: (أنت مقبوض عليك لاتهامك بالخيانة).
لكن حتى بعد إلقاء القبض عليه، عومل إلعاد كما لو كان أميرا. فقد أصدر حيفتس أوامره باحتجازه بصفة رسمية فى أحد الفنادق وأرسل معه مرافقا. ويقول حيفتس: صحيح أننى شددت الحراسة من حوله، لكن الحقيقة التى يجب أن تقال هى أنه لو كان يريد الهرب لكان قد فعلها بسهولة. فلقد صادرنا مسدسه فقط بعد أن أنزلناه فى فندق (هيركون ) الواقع عند ناصية شارعى ترومبلدور وهيركون فى تل أبيب المهم أنه بقى فى الفندق متمتعا بكافة المأكولات والمشروبات إلى أن جاء رجال الشاباك ونقلوه إلى غرفة الاعتقال التابعة لهم فى أبو كبير بالقرب من يافا.
وفى أبو كبير كانت المعاملة مختلفة تماماً على أيدى أهارونى وكوهين، ولكن إلعاد تمسك بأقواله. يقول كوهين: لقد جلست أمام هذا الرجل مشدوهاً تماماً. لم تكن لدى أدنى فكرة عن حكاياته التى أخذ يحكيها وكيف أنه صنع المعجزات وعمل كعميل للمخابرات فى مصر وكيف هرب من هناك، وأطلعنى على قصاصة من صحيفة مصرية مكتوب فيها أن باول فرانك محكوم عليه بالإعدام!!
ويقول أهارونى: وفقاً لرواية إلعاد نفسه إنه بقى فى مصر لمدة 12 يوماً بعد القبض على أعضاء شبكة التجسس والتخريب ، وهو تصرف غير طبيعى بالمرة لقائد خلية تجسس وإرهاب لو كنت مكانه لكنت قد طرت على الفور، ولكن إلعاد- وفقاً لروايته - كان لديه الوقت الكافى لبيع سيارته!! لقد قال لنا إفرى العاد - ولم نصدق كلمة واحدة مماقاله - إنه خلال ال 12 يوماً كان يرسم الخطط لإطلاق سراح أعضاء الشبكة من سجنهم وأنه تسلم من صديق ألمانى فيلماً مصوراً لمصنع الصواريخ الذى تم بناؤه فى مصر آنذاك ولم يكتف بذللك، بل تفاخر بأنه قام بلف الفيلم حول جسمه عند سفره بالطائرة من مصر إلى أوروبا ومنها إلى اسرائيل!!
وبالغ إلعاد فى روايته كثيراً عندما قال إنه فى مرحلة معينة لجأ للعقيد عثمان نورى وحاول أن يبحث معه إمكانية إطلاق سراح أعضاء الشبكة. وهذه الرواية التى بدت لكل من أهارونى وكوهين خيالية ومبالغاً فيها للغاية زادت من شكوتهم تجاهه.
لكن فى نفس هذه المرحلة، أخطأ الاثنان خطأ جسيما.. فقد طلب إلعاد منهما السماح له بالذهاب إلى شقته فى حيفا لأخذ بعض الأغراض الشخصية من هناك. فسمحا له بالذهاب إلى هناك بصحبة نقيب من الأمن الميدانى. وهناك، بقى النقيب فى الطابق الارضى من المنزل فى حين صعد إلعاد إلى شقته لجمع حاجياته. فيما بعد، اتضح أن العاد قام بجميع كميات كبيرة من الوثائق السرية ووضعها فى حقيبة زرقاء اللون. وكان إلعاد قبل ذلك وهو فى طريقه إلى الشقة قد نجح فى إقناع النقيب المرافق له بالذهاب إلى منزل صديقته، هداساه نجلر، المقيمة فى نفس المدينة ، حيث طلب منها إبلاغ صديقه بيتر لاند سمان، بالذهاب إلى شقته وأخذ الحقيبة الزرقاء والحفاظ عليها، والعمل على إيقاف طرد بريدى آخر أرسله من شقته فى حيفا بالباخرة إلى هامبرج وكانت الباخرة لا تزال رأسية فى ميناء حيفا وقام بيتر باللازم ، حيث نجح فى إنزال الطرد الخاص بإلعاد من الباخرة وأودعه بالامانات فى الميناء. وبعد ذلك ، أخذ الحقيبة الزرقاء ونقلها إلى منزل والديه فى إحدى المستعمرات الزراعية (موشاف) بالقرب من نتانيا . وعندما قام بفحص ما بداخل الحقيبة هناك اكتشف أنها وثائق سرية للغاية فقام بحرقها.
وبعد ذلك بعدة أيام وعندما جاءت شقيقة إلعاد لزيارته فى السجن دس فى يدها قصاصة ورق إلى لاندسمان، وقامت مباحث السجن والشاباك بمتابعة القصاصة فأسرعوا إلى لاند سمان الذى حكى لهم عن الحقيبة الزرقاء فى منزل والديه وعن محتوياتها، فأسرع أهارونى وكوهين إلى الموشاف ليجدا هناك حقيبة متفحمة. ولكن بسرعة نجح الشاباك فى وضع يده على الطرد البريدى الموجود فى ميناء حيفا. وكان الطرد عبارة عن مذكرات إلعاد التى كتبها فى مصر لكن لم يكن لها أى دليل ضد كاتبها. وزادت الشكوك عند أهارونى وكوهين اللذين اترضيا بأن إلعاد كتب عدة مذكرات وأنها موجودة عند زوجته شولاه، فى فيينا، فقام القسم الفنى بالشاباك بتزييف خطاب بخط يشبه خط إلعاد وحمله مندوب للشاباك وقام بدور سجين أطلق سراحه من سجن الرملة حيث كان إلعاد خلال تلك الفترة. سافر المندوب إلى فيينا ، وقدم للزوجة خطاباً يبدو من زوجها يقول فيه: (برجاء تسليم مذكراتى لحامله، فأنا فى حاجة ماسة لها للدفاع عن نفسى أمام المحكمة).
ترددت شولاه إلعاد وطلبت من المبعوث العودة بعد عددة أيام. وفى تلك الأثناء لجأت إلى شخص يدعى هوجو كروج، وهو إسرائيلى من أصل ألمانى كان شريكاً لإلعاد فى شركة (إيبنبركو) التى كانت غطاء لنشاطاته فى مصر. وبعد القبض على زوجها فى إسرائيل تولى كروج رعاية شولاه إلعاد وتلبية طلباتها وقام بتشغيلها فى الفندق الذى يمتلكه فى هامبورج.
نصحها كروج بعد تسليم المذكرات للمبعوث القادم من إسرائيل. واختفت المذكرات التى كان من الممكن أن تصبح أساساً لإدانته، ومن المفترض أنها أحرقتها.
وفى التحقيقات التى أجريت معه فى الشاباك، قال إلعاد إنه أرسل يانسين لمقابلة العقيد عثمان نورى لكى يبيح له أسراراً مفبركة!! وزعم إلعاد أنه كان فى حاجة إلى المال لتسديد النفقات الخاصة بعلاج والده فى أحد مستشفيات فيينا لكنه أنكر فى نفس الوقت خيانته لزملائه أعضاء شبكة التجسس والتخريب، وأنكر تسليمهم للمخابرات المصرية. وعندما قام كل من أهارونى وكوهين بإطلاعه على وقائع المحاكمة المنشورة فى الصحف المصرية، والتى قال فيها الادعاء إن الشبكة سقطت بسبب عميل مزدوج كان يعمل داخلها، قال إلعاد إن هذا العميل كان شموئيل عازار، أحد قادة الشبكة وأحد اثنين صدرت الأحكام بإعدامهما!!
وعملاً بتوصية لجنة مشتركة من الجيش الإسرائيلى والموساد، برئاسة العقيد أرئيل عميعاد، تقرر تقديم العاد للمحاكمة العسكرية. وانعقدت المحكمة بصورة سرية فى أحد المعسكرات برئاسة القاضى بنيامين هاليفى، وأصدرت حكمها بسجنه لمدة 12 عاماً. واستأنف إلعاد الحكم فقضت المحكمة بسجنه لمدة 10 سنوات.
قضى إلعاد سنوات سجنه فى زنزانة منفردة بسجن الرملة. وخلال سجنه تم طلاقه من زوجته. وبعد إطلاق سراحه غادر إسرائيل إلى الولايات المتحدة حيث قام بشراء مزرعة فى كاليفورنيا. وفى يوليو 1993 لقى حتفه. وإلى الآن لا يزال كل من أهارونى وكوهين يحملان الإحساس بالفشل الذريع.
نفس الإحساس ظل يطارد رئيس الموساد، ايسار هرئيل ، الذى قضى حياته كلها يحاول حل اللغز المسمى إفرى إلعاد. وكل رجال الشاباك ظل يساورهم نفس الإحساس.
وفى عام 1967، نجح فيكتور كوهين فى إقناع رئيس الشاباك ، آنذاك ، يوسف هرملين، يفتح الملفات من جديد فى محاولة للبحث عن مادة جديدة. وفى أوائل 1968، تم إطلاق سراح سجناء الفضيحة المسماه بفضيحة لافون أو (عملية سوزانا) من سجنهم فى مصر ضمن صفقة تبادل الأسرى التى أعقبت حرب يونيو 1967. وعند وصولهم إلى إسرائيل التقى سجناء الفضيحة مع محققين من الشاباك فى بيت للضيافة بالقرب من القدس، وحاول المحققون الوصول إلى دليل يدين إلعاد دون جدوى.
ورغم ذلك سيظل إفرى إلعاد فى نظر كل الأجهزة الأمنية الاسرائيلية هو الخائن الذى سلم زملاء فى شبكة التجسس والتخريب إلى المخابرات المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.