بعد تأجيل امتحانات أبريل 2025 لصفوف النقل بدمياط بسبب الطقس السيئ.. ما هو الموعد الجديد؟    تراجع أسعار النفط مع إغلاق أغلب البورصات الآسيوية بسبب عطلات رسمية    أسعار العملات العربية والأجنبية في مستهل تعاملات اليوم الأثنين 5 مايو 2025    ممثل الحكومة عن تعديلات قانون الإيجار القديم: لدينا 26 حكمًا بعدم الدستورية    الكابينت الإسرائيلي يعطي الضوء الأخضر لعملية عسكرية موسعة في غزة    مجازر الفجر في غزة.. 20 شهيدا ضحايا قصف إسرائيلي عنيف على منازل المدنيين    الحكم على 28 متهما بهتك عرض شابين وإجبارهما على ارتداء ملابس نسائية    أخبار الطقس في الكويت اليوم الاثنين    أول تعليق من رئيس جامعة الزقازيق بشأن سقوط طالبة في كلية العلوم من الطابق الرابع    أكاديمية الفنون تحصل على درع التميز للعام السادس على التوالي فى مسابقة إبداع 13    تشكيل الزمالك المتوقع ضد البنك الأهلي اليوم في الدوري    مواعيد مباريات اليوم الإثنين: الزمالك والبنك الأهلي.. ميلان الإيطالي    إصابة سائق بطلق ناري في مشاجرة بسبب خلافات مالية بسوهاج    طهران: دعم اليمنيين لفلسطين قرار مستقل واتهام إيران به تضليل لتغطية جرائم إسرائيل    سوسن بدر ضيف شرف فيلم «السلم والثعبان 2»    انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف بالهاون    الطماطم ب 10 جنيهات.. أسعار الخضار والفاكهة في أسواق الشرقية الإثنين 5 مايو 2025    لاعب الأهلى حسام عاشور يتهم مدرسا بضرب ابنه فى الهرم    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ المشروع السكني "ديارنا" المطروح للحجز حاليا بمدينة بني سويف الجديدة    هل يشارك زيزو مع الزمالك في مواجهة البنك الأهلي الليلة؟    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    «المصرى اليوم» تحاور المكرمين باحتفالية «عيد العمال»: نصيحتنا للشباب «السعى يجلب النجاح»    «يا خلي القلب» و«أيظن».. الأوبرا تحيي ذكرى رحيل عبد الوهاب على المسرح الكبير    الدولار ب50.68 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 5-5-2025    الأمم المتحدة ترفض خطة إسرائيل لتوزيع المساعدات في غزة.. ما السبب؟    أشرف نصار ل ستاد المحور: توقيع محمد فتحي للزمالك؟ إذا أراد الرحيل سنوافق    مقتل شاب على يد آخر بعدة طعنات في التبين    لا أستبعد الخيار العسكري.. ماذا قال ترامب عن ضم جزيرة جرينلاند؟    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 5 مايو    المجلس الوزاري الإسرائيلي يوافق على توسيع عملية الجيش في قطاع غزة    رويترز: ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومى    زوج شام الذهبي يتحدث عن علاقته بأصالة: «هي أمي التانية.. وبحبها من وأنا طفل»    عمرو دياب يُحيى حفلا ضخما فى دبى وسط الآلاف من الجمهور    زي الجاهز للتوفير في الميزانية، طريقة عمل صوص الشوكولاتة    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    تفاصيل اتفاق ممثل زيزو مع حسين لبيب بشأن العودة إلى الزمالك    وكيل صحة شمال سيناء يستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد تمهيدًا للتأمين الصحي الشامل    مبادرة «أطفالنا خط أحمر» تناشد «القومي للطفولة والأمومة» بالتنسيق والتعاون لإنقاذ الأطفال من هتك أعراضهم    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    التحريات تكشف ملابسات وفاة شاب إثر سقوطه من الطابق الرابع    لهذا السبب..ايداع الطفلة "شهد " في دار رعاية بالدقهلية    مجلس الشيوخ يناقش اقتراح برغبة بشأن تفعيل قانون المسنين    قداسة البابا يلتقي مفتي صربيا ويؤكد على الوحدة الوطنية وعلاقات المحبة بين الأديان    انتهاء الورشة التدريبية لمدربى كرة القدم فى الشرقية برعاية وزارة الرياضة    أمين الفتوى يوضح حكم الميت الذي كان يتعمد منع الزكاة وهل يجب على الورثة إخراجها    جودي.. اسم مؤقت لطفلة تبحث عن أسرتها في العاشر من رمضان    محمود ناجى حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلى فى الدورى    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    ما هي محظورات الحج للنساء؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز التعاقد على شراء كميات محددة من الأرز والذرة قبل الحصاد؟.. الأزهر للفتوى يجيب    برج الميزان.. حظك اليوم الإثنين 5 مايو: قراراتك هي نجاحك    فرع محو الأمية بالإسماعيلية يفتتح دورة لغة الإشارة بالتنسيق مع جامعة القناة    «في عيدهم».. نائب رئيس سموحة يُكرّم 100 عامل: «العمود الفقري وشركاء التنمية» (صور)    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    مساعد وزير الصحة ووكيل صحة سوهاج يتفقدان مستشفى ساقلته    جامعة القاهرة تصدر تقريرها الرابع للاستدامة حول جهودها في المجال الأكاديمي    رئيس جامعة بنها: حريصون على بناء قدرات القيادات وتأهيلهم للإدارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجاسوسية والجواسيس أكذوبة العميل المزدوج
نشر في أكتوبر يوم 21 - 08 - 2011

(الجواسيس) هو اسم كتاب إسرائيلى كتبه اثنان من أشهر الصحفيين هناك هما «يوسى ميلمان» الصحفى والباحث المتخصص فى شئون الاستخبارات وعضو هيئة تحرير جريدة «هآرتس»، و«إيتان هابر» الصحفى عضو هيئة تحرير «يديعوت أحرنوت» منذ عام 1960 ومدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل «إسحاق رابين».
وفى الفصل الرابع من هذا الكتاب الذى يضم ما يقارب ال 400 صفحة وتحت عنوان «أسطورة العميل المزدوج» - عملية «ياتيد» أو الوتد بالعبرية «جاك بيتون» تناول المؤلفان قصة رفعت على سليمان الجمال الذى عرفه المصريون والعرب باسم «رأفت الهجان»، بعد إذاعة المسلسل التليفزيونى الذى يخلده ويخلد الانتصار الذى حققته المخابرات المصرية.
وادعى المؤلفان فى كتابهما أن رفعت الجمال الذى عاش فى إسرائيل باسم «جاك بيتون» كان عميلا مزدوجاً، وألمحا إلى أنه كان وراء حرق عملاء آخرين لمصر فى إسرائيل مثل كيبورك يعقوبيان وعبد الرحيم «عابد» قرمان وزميله توفيق فياض بطاح.
وكانت قصة رفعت الجمال مع المخابرات المصرية قد بدأت فى أعقاب قيام دولة إسرائيل عام 1948 وقيام ثورة يوليو 1952 ففى تلك الفترة أصبح غالبية اليهود المصريين موضع شك واتهام فى نظر جيرانهم بالتعاطف مع الصهيونية وإسرائيل، وكان عدد غير قليل منهم مواطنين وحاصلين على جنسية الدول التى قدموا منها أصلاً فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولذلك كانوا يجيدون اللغات الأجنبية وبصفة خاصة الفرنسية، وبالتدريج وافقت الحكومة المصرية على هجرتهم وأعطتهم وثائق مغادرة (ليسيه باسيه) مصرية إلى دول البحر المتوسط رغم علمها أن معظمهم سوف يتجه حتما إلى إسرائيل، ولذلك اضطر اليهود المغادرون إلى الطيران لغرب أوروبا، أو الإبحار من الإسكندرية إلى موانئ البحر المتوسط (جنوه ومارسيليا) حيث يستقبلهم هناك مندوبو الوكالة اليهودية ويهجرونهم إلى إسرائيل.
وكان من بين المهاجرين اليهود من مصر اثنان سوف يشتهران فيما بعد كعميلين للموساد الإسرائيلى فى الدول العربية: الأول هو إيلى كوهين الذى تم القبض عليه فى سوريا، ونُفذ فيه حكم الإعدام شنقاً عام 1965، والثانى هو باروخ مزراحى الذى قبض عليه فى اليمن عام 1972 وسجن فى مصر وبعد عامين تقريبا تمت مبادلته مع عبد الرحيم (عابد) قرمان وعاد إلى إسرائيل.
وبطبيعة الحال لم تكن المخابرات الإسرائيلية وحدها التى استفادت من موجة هجرة يهود مصر والذين كانوا فى معظمهم داخلين فى نسيج المجتمع العربى والثقافة العربية ويتحدثون ويقرأون العربية، ولكن أيضاً المخابرات المصرية لم تدع الفرصة تمر هكذا دون الاستفادة من موجة الهجرة إلى إسرائيل، وعلى هذه الخلفية تم فى أوائل الخمسينيات تجنيد رفعت على سليمان الجمال، الذى كانت له عدة مشاكل قانونية وبدلا من تقديمه إلى المحاكمة عُرض عليه العمل كجاسوس، فوافق على الفور واجتاز عدة تدريبات لتجهيزه وإعداده وتأهيله لأن يصبح جاسوسا محترفا، وفى النهاية منحه الضباط المسئولون عنه فى المخابرات المصرية هوية يهودية باسم «جاك بيتون» وأدخلوه إلى إسرائيل بين مئات المهاجرين اليهود القادمين من مصر.
كان هدف الجمال «بيتون» هو الاستقرار فى إسرائيل وإقامة مشروع اقتصادى يكون بمثابة غطاء لعمليات التجسس التى يقوم بها، وبعد اقتناع رؤسائه فى المخابرات المصرية بمعايشته لشخصيته الجديدة بدرجة كافية اعتلى الرجل فى أوائل عام 1955 الباخرة المتجهة من الإسكندرية إلى جنوة فى إيطاليا.
وكانت إيطاليا بمثابة (بلد القاعدة) التى عليه أن ينطلق منها إلى بلد الهدف.. إسرائيل، وبناء عليه سافر بالقطار من جنوة إلى روما وهناك تحدد له لقاء مع أحد رؤسائه من المخابرات المصرية الذى أمره بالتوجه إلى القنصلية الإسرائيلية فى المدينة ومقابلة القنصل الإسرائيلى وإخباره بأنه يهودى غادر مصر ويطلب الهجرة إلى إسرائيل مع تقديم وثيقة سفره المصرية إليه وهى الوثيقة التى تحمل اسم «جاك بيتون».
وبعد فترة قصيرة من الوقت حصل الجمال «بيتون» على تأشيرة الهجرة المطلوبة إلى إسرائيل وبناء على تعليمات القنصل الإسرائيلى العام فى روما اتصل بيتون بمندوب الوكالة اليهودية الذى أمره بالسفر إلى فرنسا وهناك وعلى مقربة من ميناء مرسيليا تم استيعاب بيتون فى معسكر انتقالى تابع للوكالة اليهودية يضم مئات آخرين من مهاجرى مصر وشمال أفريقيا. وبعد عدة أيام تم نقلهم إلى حيفا على ظهر إحدى السفن، وحرص بيتون بين كل مرحلة وأخرى وطوال فترة بقائه فى إيطاليا وفرنسا على إبلاغ رؤسائه بتفاصيل التقدم الذى أحرزه لتنفيذ العملية، كما حرص على اطلاعهم على موعد الإبحار المتوقع إلى إسرائيل والذى تحدد له شهر مايو عام 1955.
قبل الإبحار التقى بيتون مع رئيسه من الخابرات المصرية للاتفاق النهائى بخصوص تفاصيل العمل والتنسيق وتلقى التعليمات، وحصل منه على أموال وتوجيهات بخصوص كيفية الاتصال بمكتب المخابرات المصرية فى روما والمهام الأولية الخاصة بجمع المعلومات، وفى نهاية الرحلة نزل المهاجرون فى ميناء حيفا ومروا بإجراءات تسجيل جديدة، وكرر بيتون تاريخ حياته أمام موظفى إدارة استيعاب المهاجرين التابعة للوكالة اليهودية، ومثله مثل أى مهاجر آخر تلقى المساعدة المالية والنصيحة والتوجيه وبعد عدة أسابيع استأجر شقة صغيرة فى وسط تل أبيب.
رواية إسرائيلية/U/
إلى هنا لا يوجد اختلاف كبير بين الرواية الإسرائيلية مثلما جاءت فى كتاب «الجواسيس» والرواية المصرية التى شاهدناها على شاشات التليفزيون، لكن من هنا يبدأ مسلسل الكذب الإسرائيلى فى محاولة للحفاظ على ماء الوجه، فيحكى المؤلفان ميلمان وهابر فى كتابهما عن وحدة خاصة فى «الشاباك» كانت مهمتها فحص ماضى المهاجرين الجدد وتركزت جهودها فى مطار بن جوريون وفى ميناء حيفا، ويقوم عمل هذه الوحدة بالأساس على تشمم الأخبار وتتبع أية معلومة يمكن أن يدلى بها مهاجر جديد.
ويدعى المؤلفان أن أحد المهاجرين أثار الشكوك خلال حديثه مع ضباط هذه الوحدة، حول مهاجر آخر كان رفيقا له فى السفر يدعى جاك بيتون! فقد تحدث معه بالفرنسية وسمع منع تعبيرات لا يمكن أن تكون متداولة فى رأيه على لسان يهودى من مواليد مصر، وعندئذ كتب المسئول الأمنى تقريره وأرسله لقيادة الشاباك وهناك قرأوا التقرير وفتحوا ملفا باسم جاك بيتون لكنهم لم يقرروا شيئا بشأنه فى هذه المرحلة!
وبعد مرور فترة من الوقت تم استدعاء المهاجر الجديد «جاك بيتون» لاستيضاح أمره وذلك فى مكتب تابع لشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» ويقع فى شارع اللنبى بتل أبيب وكان على رأس هذا المكتب موسى أبراموفيتش وهو مدنى يعمل بالجيش الإسرائيلى ويتحدث العربية بطلاقة.
ويزعم المؤلفان أن أبراموفيتش خرج من مقابلته مع بيتون بانطباع سيىء، وفيما بعد قال إن شيئًا ما كان فى تصرفاته وفى نغمة كلامه وفى الجهد الذى يبذله للرد بإجابات صحيحة عن أسئلته، ومثلما يحدث فى عملية تركيب «البازل» انضمت مذكرته إلى التقرير المبدئى الذى كتبه مسئول الشاباك فى ميناء حيفا، وفى عام 1956 قرر الشاباك إلقاء القبض عليه فقام رجال وحدة العمليات فى ظلمة الليل بالتمركز حول البناية التى يسكن فيها بيتون، وفى منتصف الليل تقريبا وعندما انطفأت الأنوار فى شقته صعدوا السلالم فى هدوء إلى الطابق الثالث، وقام أحدهم بطرق الباب لكنه لم ينفتح فقام آخر بطرقه عدة مرات، وعندئذ فقط وبعد مرور عدة ثوان فتح جاك بيتون الباب، حيث بدا مفزوعا من نومه ويرتدى ملابسه الداخلية فقط، ثم دفعه بقوة إلى الوراء ودخل المغيرون إلى الشقة بعدما أبرز أحدهم بطاقة الشرطة الخاصة وأبلغه بأنه مقبوض عليه، ومن داخل غرفة النوم سمع صوت فتاة، فقد عثر رجال الشاباك على فتاة فى الثامنة عشرة تقريبا نصف عارية جالسة على طرف السرير وعند رؤيتها لهم انفجرت باكية، فسارعوا بتهدئتها وأمروها بارتداء ملابسها وأخذوا شهادتها، بعد ذلك وصل الشقة خبراء من الإدارة الفنية قاموا بتمشيط كل ركن وكل قطعة أثاث فيها، وفى أثناء عملية البحث عثروا على حبر سرى وكتاب شفرة لاستقبال موجات الراديو المشفرة.
ويستمر المسلسل الإسرائيلى فى حبك الأكذوبة، فيقول ميلمان وهابر فى كتابهما إنه فى الوقت الذى الذى كان فيه بيتون مقبوضا عليه ويتم التحقيق معه بواسطة الشرطة، تم عقد اجتماع لبحث الموضوع بين كل من ايسار هرئيل رئيس الموساد وعاموس مانور رئيس الشاباك ويهوشافاط هركابى رئيس المخابرات العسكرية «أمان» وتقرر القيام بعملية جريئة ومعقدة وهى تحويل العميل المصرى إلى عميل مزدوج.
صدرت الأوامر ببدء العملية - وفقا للكتاب الإسرائيلى - فوصل محققو الشاباك إلى مركز الشرطة المحتجز فيه بيتون والذى أنكر كل شىء خلال التحقيق معه، ونقلوه إلى مبنى التحقيقات التابع للشاباك، وهو مبنى معزول فى منطقة أبو كبير على مقربة من يافا، ووقعت مهمة تحويله إلى عميل مزدوج على عاتق «دافيد رونين» رئيس القسم الجنوبى فى إدارة مكافحة التجسس العربى.
لكن الحقيقة أن رفعت الجمال «جاك بيتون» عاش فى تل أبيب وقام بناء على تعليمات المخابرات المصرية بفتح مكتب سياحة وسفريات يحمل اسم «سيتور» ويقع فى 2 شارع برينر ليكون بمثابة غطاء له ولأعماله التجسسية وغطاء أيضاً للمبالغ التى كانت تصله والتى كان من الممكن أن تلفت إليه الأنظار فيما لو لم يكن هناك نشاط يدر عليه مثل هذه الأموال.
نجح الجمال «بيتون» فى إقامة شبكة واسعة من العلاقات مع رموز وأقطاب المجتمع الإسرائيلى من كافة التيارات والفئات، ووضع بين يدى القيادة المصرية الموعد الذى حددته إسرائيل لشن الحرب فى يونيو 1967، ونجح أيضاً فى أن يضع بين يدى الرئيس السادات، خرائط مفصلة لخط بارليف، الأمر الذى عاد بالفائدة على الجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973، ونجح أيضاً فى حرق الكثيرين من أغلى جواسيس إسرائيل، والمعروف أنه واصل أداء مهمته على أكمل وجه إلى أن عرض على المسئولين بالمخابرات المصرية رغبته فى الاعتزال لكى يقضى بقية حياته مواطنا عاديا يعيش حياته الطبيعية فاستجاب المسئولون لرغبته واعتزل العمل وتوفى فى ألمانيا فى 29 يناير 1982 عن عمر يناهز الخامسة والخمسين عاما.
صمت مطبق/U/
لكن لماذا صمتت إسرائيل كل هذه المدة؟ لماذا لم ترد فى حينه؟ يقول المؤلفان فى كتابهما إنه فى أعقاب إذاعة مسلسل (رأفت الهجان) فى التليفزيون المصرى وبعد نشر الصورة الحقيقية لرفعت الجمال «جاك بيتون» فى الصحافة المصرية، بدأت تنشر أخبار ومقالات فى الصحافة الإسرائيلية تؤكد ولو بصورة جزئية ما جاء فى المسلسل وما تنشره الصحافة المصرية، فعلى سبيل المثال قامت الصحافة الإسرائيلية بنشر خبر مفاده أن اسم «جاك بيتون» له وجود بالفعل فى سجلات وزارة الداخلية الإسرائيلية.
وعلى صفحات هذه المجلة (العدد 613 الصادر فى 24 يوليو 1988) وتحت عنوان (أخيراً تكلموا أصدقاء رأفت الهجان داخل إسرائيل) نشرنا نقلا عن الأوبزيرفر البريطانية ومعاريف الإسرائيلية رد الفعل لما كشفت عنه المخابرات المصرية فى حينه، فقد سارع اثنان مع صحفيى معاريف هما شيفى جباى وجدعون مارون إلى العنوان المذكور لشركة السياحة وفوجئا بمكتب السفريات موجودا فى مكانه ويعمل بالفعل حتى الآن، وكان يجلس بداخل المكتب إسرائيلى يدعى د. إيمراه فريد وبمجرد أن وضع الصحفيان صورة رفعت الجمال المنشورة فى الصحف المصرية أمامه شحب لونه وطلب أن يعرف السبب وراء نشر الصحيفة صورة شريكه السابق، وعندما قالا له إن المصريين يعتبرونه بطلا قوميا نجح فى اختراق المجتمع الإسرائيلى كعميل مخابرات مصرى، أسكتته الصدمة وأصابه الذهول وكانت الصدمة الأكبر عندما علم أن شريكه السابق «جاك بيتون» كان فى حقيقة الأمر مصريا مسلما من أسرة معروفة فى مدينة دمياط.
كما تعرفت عليه أيضاً إسرائيلية من مواليد تشيكوسلوفاكيا تدعى عدناه مارش كانت فى أواخر الخمسينيات مصممة أزياء وصاحبة ستوديو فى تل أبيب وكانت سيدة مجتمع بمعنى الكلمة تعرف عليها جاك مصادفة فى الشارع وربطت بينهما قصة حب، تقول عدناه فى خريف 1958 ولمدة حوالى ثلاثة أشهر كنا قريبين جدا من بعضنا البعض.. لم أشك للحظة واحدة أنه عميل أو أنه عربى، لقد قدم نفسه كيهودى هاجر من مصر.
ونشرت الصحف الإسرائيلية فى حينه أن جاك بيتون اعتاد قضاء وقته أيضاً فى مطعم كاليفورنيا وهو مطعم فخم يملكه ناشط السلام الإسرائيلى الراحل «إريبى ناتان» وهو المغامر الذى هبط بطائرته فى مطال الجميل ببورسعيد فى عهد عبد الناصر، وصاحب سفينة السلام بعد ذلك عندما كان المطعم يقع فى شارع فريشمان بجوار مسرح الكامرى، لكن رغم الأخبار والتقارير المتقطعة التى نشرتها الصحف الإسرائيلية لم يخرج إلى النور تقرير جاد يتناول حقيقة الدور الذى لعبه رفعت الجمال «بيتون» فى إسرائيل، ويزعم المؤلفان أن بعض الصحفيين والباحثين وبعضا من رجال المخابرات السابقين حاولوا لكنهم اصطدموا بحائط منيع اسمه الرقابة العسكرية التى فرضت التعتيم الكامل حول كل ما يتعلق بهذا الموضوع!
وأخيرا هل يُعقل أن يكون البطل الأسطورى الذى أمد القيادة المصرية بالموعد السرى الذى حددته إسرائيل لشن هجومها على العرب فى يونيو 1967 عميلا مزدوجا؟
وهل يصدق أحد أن من وضع بين يدى السادات الخرائط التفصيلية لخط بارليف قبل عبور الجيش المصرى فى أكتوبر 1973 عميلا مزدوجا؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.