جدل واسع وتساؤلات عديدة أثيرت بعد حكم محكمة القضاء الإدارى منذ أيام قليلة ببطلان عقد بيع ثلاث شركات هى شبين الكوم للغزل وطنطا للكتان والنصر للمراجل البخارية ومن قبلها أربع شركات منها شركة قها للأغذية المحفوظة بالإضافة إلى شركة عمر أفندى.. وعودة هذه الشركات مجدداً لحضن الحكومة. وما بين فرحة عارمة من جانب عمال هذه الشركات.. وقلق من جانب بعض الخبراء والمستثمرين تم طرح العديد من الأسئلة.. أهمها: هل الحكومة بدأت فى تطبيق سياسة «العمعمة» بعد ما أثبتت الخصخصة فشلها؟! وهل مثل هذه الأحكام لها تأثير سلبى على مناخ الاستثمار فى مصر خاصة مع تهديد بعض المستثمرين باللجوء إلى التحكيم الدولى؟! ومن أين ستأتى الحكومة بالمبالغ التى سترد بها قيمة هذه الشركات للمستثمرين؟! كل هذه الأسئلة وغيرها أجابت عنها سطور التحقيق التالى.. *عادل العزبى نائب رئيس شعبة المستثمرين بالغرف التجارية يرى أن المشكلة الرئيسية هى فى كيفية الإدارة فإهدار المال العام تحت أى مسمى سواء حكومياً أو خاصاً مرفوض مشيراً إلى أن القضاء على الفساد الإدارى هو المخرج الوحيد للخروج من الأزمة وتحقيق انتعاش للاقتصاد المصرى بعد أن ثبتت عدم جدارة القطاع الحكومى ادارياً طوال السنوات الماضية لذلك يجب توجيه الاهتمام إلى هذه الشركات لكى تتحول خسائرها إلى مكاسب فى ظل نجاح الثورة. وأكد العزبى أنه ليس ضد عودة الشركات التى تم بيعها ولكنه ضد الإدارة الحكومية التى أثبتت فشلها طيلة السنوات الماضية وهو ما دفع المسئولين إلى بيع هذه الشركات بعد أن تكبدت خسائر باهظة وهذا هو السبب الرئيسى الذى أدى لفشل هذه الشركات وبالتالى أدى إلى الخصخصة لأن الجهاز الحكومى لا يوجد لديه منظومة واضحة المعالم يمكن الاعتماد عليها فى إنجاح هذه الشركات لذلك يجب تفعيل القوانين وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وانشاء هيئة مستقلة عن الوزارات تتكون من الحكماء والخبراء فى مجال الاقتصاد تكون مهمتهم التخطيط والمتابعة والمراقبة للنهوض حتى لا يكون هناك عودة مرة أخرى إلى الخصخصة. *د.محمد النجار أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها قال: إن الخصخصة فى حد ذاتها كانت هدفاً وليست وسيلة وذلك لإرضاء المنظمات الاقتصادية الدولية لصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والدول الرأسمالية مثل أمريكا اعتقاداً بأن سيادة المشروع الخاص أو الملكية الخاصة على مستوى النشاط الاقتصادى يعنى انتصار الرأسمالية لذلك حرصت الحكومات المصرية المتعاقبة بدءاً من عاطف صدقى مروراً بالجنزورى وعاطف عبيد ووصولا إلى أحمد نظيف على عملية الخصخصة حتى المرافق العامة من مياه وبريد واتصالات لم تسلم من أيديهم. ويؤكد د. النجار أن الأحكام الصادرة ببطلان عقود بيع الشركات التى تمت خصخصتها أمر سوف يعيد الحق لأصحابه مطالباً بسرعة تطبيق الاحكام الصادرة فى هذا الشأن بما فيه النصائح التى أصدرتها هيئة المحكمة للحكومة من ضرورة النظر فى كل عمليات عدم الشفافية والفساد التى شابت عمليات الخصخصة. ويشيرا إلى أنه تبين من عملية الخصخصة أكثر من أمر.. الأول هو حدوث جريمة تحويل الأموال المادية إلى أصول نقدية واستخدامها فى الانفاق الجارى، أما الأمر الثانى فهو جرائم فى خصخصة بعض الشركات مثل شركة المراجل البخارية والثالث جريمة بيع الشركات الناجحة الراجحة أو تم القيام بالتدليل على الشركات الخاسرة دون نتيجة والاصرار على ضخ أموال جديدة فى هذه الشركات لإعادة هيكلتها وتطويرها ثم بيعها لمستثمر أجنبى. ويضيف: أنه فى بدايات 2004 صدر تقرير أمريكى يلوم الحكومة لتباطؤ عملية الخصخصة وكان التقرير يتضمن ضرورة توجه الحكومة المصرية إلى التخلص من كل ما هو عام وكان يلزم الحكومة بأن تتخلى عن الضوابط الثلاثة لعملية الخصخة بمعنى أن البيع ليس لأعلى سعر ولا يشترط على المشترى الاحتفاظ بالعمالة ولا استمرار النشاط. وقال: إنه للأسف الشديد فإن الخصخصة بدأت باكتتاب عام يوسع قاعدة الملكية لكل حاملى الأسهم ثم تحولت إلى احتكار للمستثمر الرئيسى، ومن ضمن المهازل أيضاً استخدام عائد البيع فى سداد ديون بنوك القطاع العام بالإضافة إلى مذلة المعاش المبكر والتى زادت من نسبة البطالة وتبقىالمأساة وهى عمليات بيع المصنع والوحدات المبيعة. *ويؤكد د. حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادى أن بيع شركات القطاع العام أدى إلى إهدار المال العام وأدى أيضاً إلى ضياع حقوق العاملين وتشريدهم وأن استرداد الحكومة لهذه الشركات هى بمثابة عودة الحق لأصحابه ولم يكن هناك تأثير سلبى على الاقتصاد كما يدعى البعض.. بل إنه سيكون هناك تقدم إيجابى فى الاقتصاد وذلك بعد القضاء على المحسوبية والرشوة والعمولات. وأضاف أن المرحلة القادمة تتطلب - بعد عودة الشركات مزيداً من التخطيط العلمى لكى تنهض هذه الشركات حتى لا تلجأ الدولة مرة أخرى إلى بيعها بعد فشلها فى ادارتها ويكون ذلك بإنشاء هيئة مستقلة من كبار الخبراء والاقتصاديين لمتابعة أداء هذه الشركات ووضع خطط مستقبلية لها لكى تنجح وتزدهر وتحقق أرباحاً. وقال: إنه بالرغم من أن الحكومة» إدارة فاشلة وتاجر سيئ» ولكن كان يجب ألا يتم التخلص من القطاع العام بالطريقة التى تمت بها سياسة الخصخصة التى أدت إلى فقد العديد من المصانع والشركات الناجحة ولم يبق إلا المصانع والشركات الخاسرة مضيفاً أن عمليات بيع القطاع العام ما هى إلا عمليات نهب للمال العام أضاعت على الدولة وعلى الشعب المصرى الكثير حيث ان النظام السابق باع قلب مصر بثمن بخس ولا يعرف أحد أين ذهبت حصيلة جريمة هذا البيع فهناك من قبض عمولات البيع وتم ايداع هذه العمولات فى الخارج. ويؤكد أن ما حدث فى مصر أثناء عملية الخصخصة مخالف لأبسط قواعد الخصخصة فهى أبرز دول العالم مثل بريطانيا وفرنسا عندما وجدت أن هناك حاجة لخصخصة بعض الشركات فى نهاية الثمانينيات تقدمت «تاتشر» للانتخابات بمشروع خصخصة لبعض الشركات وعلى أساس هذا المشروع انتخبها الشعب البريطانى ومعنى ذلك أن الأغلبية «الملاك» يوافقون على البيع. ثم إن من أدار عملية البيع أشخاص منتخبون من الشعب وهناك برلمان حقيقى بنواب منتخبين من الشعب يراقب أداء الحكومة المنتخبة فى مشروع خصخصة وافق عليه الشعب. *د. أحمد حسين أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة يرى الجانب الآخر أن بطلان عقود الخصخصة للشركات المصرية خطوة سلبية سوف ترجع بنا إلى الخلف أكثر من 50 عاماً وستقضى على الاستثمار وتزيد نسبة البطالة فى مصر فى وقت نحن فى أشد الحاجة للاستثمار فالاقتصاد المصرى يعانى من العجز من مصادر التمويل للمشروعات المختلفة وفى أول اجتماع بعد الثورة اتفق مجلس الوزراء على أن السياسة المتبعة لن تختلف عن السابقة وسوف تظل السياسة الاقتصادية فى مصر دون مساس وذلك لطمأنة المستثمرين العرب والأجانب فإنه لا مساس بمشاريعهم الاقتصادية فى مصر. ويضيف أن الاستثمار بالنسبة لنا يساوى مصانع وفرص عمل وزيارة إنتاج واستيراد وتصدير وايرادات أعلى وأكبر ونحن الآن نضرب بكل ذلك عرض الحائط ونوجه رساله إلى المستثمرين الاجانب بأن مصر غير آمنة على مشروعاتكم وبالتالى سيتوجه إلى دول أخرى توفر له الأمن والأمان. وأشار حسين إلى أن جهاز التعبئة العامة والاحصاء أصدر تقريرا حول معدل البطالة بعد الثورة وصل إلى 11,9% وكان قبل الثورة 9,4% أى بمعدل زيارة فى خلال 8 شهور وصل إلى 3%. رئيس إحدى الشركات القابضة التابعة لقطاع الأعمال العام -رفض ذكر اسمه - اعترف بأن بيع شركات القطاع العام كان يتم على أساس باطل من البداية لذلك فإن الحكم بإلغائها كان أمراً طبيعاً حيث إن عملية البيع كانت تتم وفقاً لقرارات ادارية ووزارية غير معتمدة على قاعدة معاير قانونية. وقال: إنه فى عهد الرئيس السابق كان الاتجاه إلى ما أسموه بإلاصلاح الاقتصادى يسير فى طريق إلغاء القطاع العام وتطبيق الرأسمالية الأمريكية وكان من المفترض أن يم بيع هذه الشركات والمصانع بناء على قوانين لأن ما تم تأميمه وأصبح ملكاً للشعب لابد ألا يتم بيعه والتصرف فيه إلا بموجب قوانين وهذا لم يحدث على الإطلاق. وفى عهد عاطف صدقى تم اعداد قانون يسمى قانون الأعمال العام وتم الاعتراض عليه من جانب مجلس الدولة لأنه لم يتضمن معايير تحديد الشركات التى تجوز خصختها ولا توجد به قاعدة لكيفية معاملة العاملين بهذه الشركات والاخطر من ذلك أنه لاتوجد به أية قواعد تحدد جنسية المشترى لهذه الشركات مما يسمح بتملك الأجانب لشركات حكومية. إلا أن حكومة عاطف عبيد طبقت هذا القانون.. وفقاً لهذا القانون غير الدستورى تم بيع الشركات الرابحة وليست الخاسرة وتم التخلص منهابأسعار لا تتجاوز 20% من قيمة الأرض وتم البيع للأجانب بالتقسيط مقابل عمولات وسمسرة ومزايا عينية وبذلك فإن البيع باطل لأن القانون الذى تم البيع به كان مخالفاً للدستور والمنطق فى عمليات بيع القطاع العام . وقال: إنه كان لابد أن يتم اعداد عقود البيع بواسطة الحكومة وتتم دراستها فىمجلس الوزراء ثم يتم بعد ذلك اعداد مشروع قانون وتتم إحالته لرئيس الجمهورية وفى النهاية إلى مجلس الشعب لاقراره والموافقة عليه بعد مناقشته ولكن كل هذا لم يحدث وتم البيع بعقود غير دقيقة لا تحافظ على حقوق الشعب. د. ماجدة قنديل المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية قالت على الجانب الآخر: إنه بهذه الأحكام نكون قد عدنا إلى الخلف بالرغم من وجود أخطاء شابت عمليات البيع وبعض الأخطاء الاجرائية وتسريح عدد كبير من العمالة والإضرار بهم ولكن بهذه الاحكام فنحن نهدد الاقتصاد الوطنى لأننا بهذه الأحكام نخلق حالة من الخوف للمستثمر وسيضطر إلى التساؤل: هل أنا أتعامل مع دولة يحكمها قانون أم يحكمها أفراد فتهدد أوضاعهم بمجرد زوال الفرد أو نظام الحكم؟ ولذلك فلا يجوز بجرة قلم أن نحكم ببطلان عقد بيع قد استقرت المراكز القانونية فيه. وقالت: علينا محاسبة المخطئ ومحاكمته وأيضاً توفيق الأوضاع بمعنى انت تطلب من المستثمرين التفاوض لاجراء تسوية تتضمن إعادة التقييم. وأشارت إلى أن الأخطاء التى حدثت فى تطبيق برنامج الخصخصة المصرى لا يعنى الهجوم على الفكرة فهى لم تحقق المستهدف نتيجة للاخطاء الشديدة فى العقود والفساد الكبير الذى كان موجوداً مشيرة إلى وجود العديد من شركات القطاع العام والتى تحقق خسائر سنوية بالملايين ويعطى الموظف غير المنتج بها ما لا يستحق وهذا يرهق ميزانية الدولة. وأضافت: أنه لا يمكن الاستغناء عن أى من الملكيتين العامة والخاصة فى المجتمع المصرى أو أن نعتمد على واحدة ونترك الأخرى بل نريد قطاعا خاصا عليه رقابة منضبطة وقطاعًا يوفر الخدمات التى يعجز القطاع الخاص عن تقديمها.