هل تحول الإعلام من رسالة إلى سفالة؟ ومن أداة للتنوير والتثقيف إلى وسيلة للتعتيم والتدمير..؟ وهل أصبحت الآلة الجبارة بوقا للتشهير واختراق الخصوصية وعدم الالتزام بالقوانين؟. هذه الاسئلة ثارت وتجسدت بعد فضيحة «نيوز أوف ذا وورلد» التى يملكها أخطبوط الإعلام اليهودى الأمريكى الأسترالى «روبرت ميردوخ». وقد تكون «نيوز أوف ذا وورلد» مجرد نموذج لفساد إعلامى شامل يستدعى التدقيق والتحقيق والحرص والحذر.. بل يتطلب إعادة صياغة هذا الواقع المزرى للإعلام.. محليا وعربياً ودولياً! بداية يجب أن نعلم أن بريطانيا العظمى هى موئل التآمر ضد العالم العربى والإسلامى.. وهى صانعة أزماته وكوارثه الكبرى.. وأبرزها احتلال اليهود لفلسطين. هذه نقطة انطلاق اساسية لها علاقة جوهرية بالقضية الخطيرة وليست بعيدة عنها كما يظن البعض. فبريطانيا ذات تاريخ طويل وميراث عريق فى امبراطورية صناعة الشر سياسيا واقتصاديا وإعلاميا أيضا.. ولو تابعنا خرائط العالم الاسلامى لاكتشفنا ان الاستعمار زرع بذور الأزمات والصراعات داخله عبر الحدود والتقسيمات الجغرافية واستغلال الأقليات والأعراق والأديان كوسائل لتأجيج الصراعات.. حسب الطلب.. وبطريقة مبرمجة! ووفق هذا التخطيط الاستراتيجى يأتى التحالف الغربى الصهيونى عامة.. واليهودى البريطانى الأمريكى خاصة. ومن هذا المنطلق يدخل روبرت ميردوخ.. امبراطور الإعلام والاقتصاد والسياسة.. إلى آخر ألقابه ونشاطاته.. ليكشف أنه يلعب فى إطار هذه الاستراتيجية الغربية.. وهو يدرك خفاياها ويعرف حدودها وله علاقات وطيدة مع كل صناع الشر فى مختلف المجالات. وليس ميردوخ وحده الذى يلعب فى هذا المجال الاخطر الذى يتحكم فى صياغة العقول والافكار وفى مجريات الاحداث. فهناك امبراطوريات اعلامية صهيونية أخرى تشارك ميردوخ هذه الاستراتيجية..ولو افترضنا جدلا سقوطه بعد هذه الفضيحة - وهذا مستبعد - فإن هناك بدائل أخرى.. ولاعبين جاهزين ومستعدين لاستكمال ذات المسيرة لصالح الصهيونية المتحالفة مع الغرب. هذا الاعلام الصهيونى يتحكم فى وسائله من المنبع.. بشراء «البيت من بابه» فتصبح المؤسسة الإعلامية خاضعة لأهواء وتوجهات رأس المال.. فلا يستطيع صحفى أو إعلامى تجاوز الخطوط الحمراء.. فهو يعلم من يملك المال ولقمة العيش.. وقرار الفصل أيضا. فيرتدع الإعلامى ذاتيا عن كتابة اخبار او تحليلات أو تحقيقات تخالف هذا النهج الاستراتيجى (الغربى الصهيونى). ولو افترضنا جدلا.. أنه حدث تجاوز أو اختراق للخطوط الحمراء.. فهناك رئيس التحرير ومدير التحرير.. وكل حراس البوابات الإعلامية. هؤلاء مهمتهم منعه وردعه وحتى الإطاحة برأسه! وقد شهدنا أحداثا ومواقف كثيرة أطاحت بإعلاميين فى كبريات الصحف والشبكات الإعلامية الغربية.. والعربية.. والمصرية! نحن ندرك أيضا أن من يسيطر على الاعلام يستطيع السيطرة على السياسة والاقتصاد والتجارة بل والفكر والثقافة.. رغم أن شبكة الإنترنت بدأت تحقق اختراقات واضحة ولكن المواقع الكبرى الشهيرة تتحكم فيها أياد صهيونية وليس أدل على ذلك من منع صفحات ومجموعات معينة من الفيس بوك لانها تعارض السياسة الإسرائيلية الصهيونية أى أن الفيس بوك ليس خيرا كله.. بل إنه يدس السم فى العسل ومن خلاله تتم متابعة الكثير من الشخصيات ومعرفة أخبارها وتحركاتها فهو وسيلة سهلة جداً لتقديم المعلومات لأجهزة المخابرات! وفضيحة «نيوز أوف ذا وورلد» التى شملت التنصت على المشاهير فى بريطانيا.. بما فيهم العائلة المالكة.. على مدى سنوات.. كشفت فى جانب منها عن فساد الحضارة الغربية بشكل عام.. فالحافز المادى هوالمحرك لهذه الحضارة التى تعتمد على القوة الغاشمة بكل صورها.. قوة المال والاقتصاد والتجارة وسطوة الإعلام.. ولو على جثث الضحايا الأبرياء. هذه الحضارة تقوم فى جوهرها على فرض التفوق بالقوة والقسوة على الآخرين. من هذا المنطلق بدأ بالحملات الاستعمارية والصليبية التى مازالت مستمرة فى زى ما يعرف بمكافحة الإرهاب.. وأيضا فى إطار محاولة استغلال الثروات العربية وتوجيهها لتحقيق ذات الهدف. الفضيحة الأحدث - وليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة - تعرَّى تحالف رجال المال والإعلام والسياسة كما حدث ويحدث لدينا أيضاً ولكن بدرجات وبصور مختلفة. فكلنا يتابع مدى تهافت رجال المال والأعمال على شراء الفضائيات وتمويل الصحف ومواقع الإنترنت الشهيرة. الكل يحاول استقطابها لدعمه.. أو لاتقاء شرها على أضعف تقدير. وفى النهاية فإن الضحية هى الحقيقة والمواطن البرىء الذى لا يدرك الغث من الثمين وليست لديه خلفية ثقافية أو إعلامية تمكنه من اكتشاف هذا التلاعب والتواطؤ الإعلامى الخطير. هذا التحالف المالى الاعلامى يؤدى الى ضياع خصوصية الانسان.. وهى أبسط حقوقه.. ويكفى أن وسائل الاتصالات الحديثة - خاصة المحمول - تحولت إلى وسائل للاختراق والحصول على المعلومات الشخصية.. والرسمية ايضاً. بل إن الموبايل تحول منذ سنوات إلى أداة للقتل والذبح عن بعد!! فضيحة «نيوز أوف ذا وورلد» كشفت فى جانب منها أيضاً تواطؤ أجهزة الشرطة والمخابرات مع الإعلام، ويكفى أن مدير شرطة اسكوتلانديارد المستقيل قابل مسئولى امبراطورية ميردوخ 18 مرة خلال أعوام قلائل.. وهذا هو المعروف فقط من قمة جبل الجليد.. فى عز الصيف! وعندما يسيطر الإعلام تستطيع أن تلعب بالاقتصاد وبالبورصات العالمية والإقليمية.. وتحقيق مكاسب طائلة بصورة غير مشروعة. وفى السياسة الغربية كل شىء مباح ومستباح.. فلا مبادئ ولا اخلاق.. بل مصالح مادية بحتة.. ولو بالرقص على جثث الآخرين. ولعلنا تابعنا نبأ مصرع الصحفى مفجر فضيحة التنصت.. بعد أيام من إعلان هذه الكارثة الإعلامية. وهذا يؤكد مدى استمرار نفوذ امبراطورية ميردوخ وتواطؤها مع أجهزة الشرطة والمخابرات ويكشف أن الذراع الطويلة للإعلامى «القصير المكير» مازالت تطيح برءوس معارضيه وهى رسالة إرهاب للآخرين.. فى السلطة.. وخارجها! ويثور سؤال مهم: هل تؤدى هذه القضية إلى الاطاحة بامبراطورية ميردوخ الاعلامية؟ اشك فى ذلك.. انطلاقا من الرؤية الاستراتيجية للقضية.. كما أوضحناها فى بداية المقال.. فالرجل يرتبط بمافيا الاعلام الغربى والصهيونى تحديدا.. وهناك دول وساسة وأجهزة مخابرات تدعمه أكثرها خلف الكواليس. وأقصى شىء هو تحجيمه أو فرملة نشاطه.. وربما يتراجع هو تكتيكيا.. ومرحليا.. فقط!!