عادت مشكلة الأحوال الشخصية للأقباط لتطل برأسها من جديد، بعد الو قفة الا حتجاجية التى قام بها بعض الناشطين الأقباط أمام وزارة العدل للمطالبة بقانون للطلاق والزواج المدنى يرى فيه البعض الحل الامثل لمشكلتهم التى ظلوا يعانون منها لسنوات طويلة خاصة مع رفض الكنيسة القاطع للطلاق إلا لعلة الزنا طبقاً لتعاليمها وامتناعها عن إعطاء تصريح بالزواج الثانى للحاصلين على الطلاق عن طريق المحكمة لأسباب أخرى غير علة الزنا.. على الرغم من أن قانون الزواج المدنى قد يكون مخرجاً بالفعل للأزمة الحالية، فإنه اثار جدلاً كبيراً فى الاوساط القبطية ما بين تأكيد المؤيدين له بأن الزواج فى بداية المسيحية كان مدنياً فقط ولم تتدخل الكنيسة فى الزواج إلا فى القرون الوسطى ويتمسك هؤلاء بما سبق وأعلنه البابا شنوده فى إحدى محاضراته من ان من يحصل على الطلاق من المحكمة يمكنه أن يتزوج مدنياً بعيداً عن الكنيسة، وبين معارض لهذا الزواج باعتبار أنه يتنافى مع تعاليم الكنيسة التى تعتبر الزواج أحد أسرارها التى يجب أن تتم داخل الكنيسة طبقاً لمراسيم دينية معينه، خاصة أن من وجهة نظر الفريق الأخير أنه ليست هناك حاجة لقانون مدنى لزواج الأقباط مشيرين إلى أن قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين والذى اتفقت عليه كل الكنائس المصرية سوف يحل هذه المشكلة من جذورها.. القانون المدنى/U/ فى البداية أكد أيمن جورج منسق وقفة الأقباط أمام وزارة العدل أن هدف الوقفة بالتحديد هو أننا نطالب الدولة – وليس الكنيسة – بقانون مدنى يحكم مسائل الطلاق والزواج للأقباط.. وأضاف جورج لقد انتظرنا سنوات طويلة..وهناك مشكله يعانى منها الأقباط فى مسائل الأحوال الشخصية تتلخص فى أن لائحة 1938 التى كانت تنظم الأحوال الشخصية للأقباط كان بها 9 أسباب للطلاق وظل يعمل بهذه اللائحة حتى عام 1971 عندما تم وقف العمل بها فى الكنيسة، ولكن القضاء ظل يعمل بها مما ولد مشكلة لآلاف المسيحيين الذين حصلوا على الطلاق من المحكمة ولم يستطيعوا الحصول على إذن بالزواج الثانى من الكنيسة لعدم اعتراف الكنيسة بأسباب الطلاق الواردة باللائحة، وفى شهر يونيو 2008 تم تعديل هذه اللائحة واختصارها فى بند واحد للطلاق وهو لعلة الزنا، وهو ما زاد حجم المشكلة لآلاف الحالات التى تسعى للحصول على الطلاق الذى أصبح مستحيلاً بعد قصره على علة الزنا.. أما عن سبب تحركهم الآن على الرغم من أن هناك بالفعل مشروع قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين فى طريقه للصدور! أكد جورج أن ذلك جاء بعد التسريبات التى جرت لبنود مشروع القانون التى اتفقت عليه جميع الكنائس والتى رأينا أنها ستكون بمثابة حكم بالإعدام على من لديهم مشكلة فى هذا الشأن حيث سيقفل المشروع المقترح الباب تماماً فى مسألة الطلاق والزواج الثانى للأقباط حيث إن قصر الطلاق إلا لعلة الزنا فقط أمر يستحيل تطبيقه. ففى نهاية الأمر سيضطر أحد الزوجين إلى إدانة الطرف الآخر بالزنا لكى يحصل على الطلاق أو إلى تغيير دينه بعد قفل باب تغيير الملة بعد اتفاق الكنائس جميعاً فى مشروع القانون الموحد وهو ما سيسبب مشاكل طائفية عديدة ولذلك فنحن نطالب بقانون مدنى يحكم مسائل الطلاق والزواج للأقباط.. واعترف جورج بأن الزواج المدنى ضد تعاليم الكنيسة والكتاب المقدس، وأضاف نحن نحترم ذلك تماماً كما نحترم قداسة البابا شنودة الثالث ولكننا نريد تطبيق الزواج المدنى خارج أسوار الكنيسة.. وأضاف جورج أننا نتكلم عن مدنية الدولة وحقوق المواطنة وحق الفرد فى اختيار حياته وحريته وكل ما نريده هو حل مشكلة فئة من الأقباط التى تعانى من مشاكل الطلاق والزواج الثانى وتعتبر حياتها متوقفة حالياً أمام هذه المشكلة ولذلك نحن نلجأ للدولة كمواطنين مصريين قبل أن نكون مسيحيين والدولة مسئولة عن إيجاد حل لنا.. وشدد جورج على أنهم لا يدعون لفتح الباب على مصراعيه للطلاق أو الزواج الثانى مضيفاً نحن فقط نريد أن يستمد القانون المدنى الذى ندعو إليه نصوص لائحة 38 التى كان بها 9 أسباب للطلاق وكانت كفيلة بحل كل المشاكل الحالية فمثلا فى لائحة 38 كان يسمح بالطلاق لاستحالة العِشرة بشرط أن يكون الزوجان منفصلين لمدة 3 سنوات متصلة على أن يكون هناك شهود على ذلك وبالتالى لم يكن الطلاق سهلا كما يتخيل البعض ولكنها كانت المخرج المناسب لمشاكل الطلاق والزواج الثانى التى نعانى منها حالياً بعد الغاء هذه اللائحة. أما عن اتهام لائحة 38 بأنه تم وضعها من قبل مجموعة من العلمانيين ولم ترض عنها الكنيسة أجاب جورج بأنه أمر طبيعى أن يقوم العلمانيون بوضع قانون احوال شخصية سيطبق على أشخاص عاديين مشدداً على انهم يرفضون أن يضع الرهبان قوانين تنظم الحياة الشخصية للمدنيين العلمانيين.. من جهته تساءل الأنبا يوحنا قلتة النائب البطريركى للأقباط الكاثوليك عما هو المقصود بالزواج المدنى؟ وأجاب حالياً يتم الزواج كنسياً ثم يوثق فى الشهر العقارى وهو ما نطلق عليه «زواج مدنى» ، فلا يعتد بالزواج الدينى أمام المحاكم ولا تعترف به الدولة إلا إذا كان موثقاً، وإنما الزواج الكنسى يعتبر صحيحاً أمام الكنيسة فقط، وبالتالى الزواج المدنى قائم حالياً وهناك موثقون من الكهنة (هم المأذونون بالنسبة للأقباط) ويعتبر هؤلاء موظفين حكوميين رسمياً تعينهم الكنيسة وتعتمدهم الدولة وبالتالى فهم موثقون رسميون.. وشدد قلتة على أن الدعوة إلى زواج مدنى بمعنى إلغاء الزواج الكنسى مضاد تماماً للعقيدة المسيحية ولا تعترف به الكنيسة كزواج صحيح، مشدداً على أن الحل فى الوضع القائم حالياً الذى تعترف فيه الدولة بالزواج الكنسى وفى نفس الوقت توثق الكنيسة هذا الزواج مدنياً فى الدولة، فإذا أراد البعض أو قامت دعوة او مظاهرة تدعو للزواج المدنى فهل المقصود بذلك الغاء اعتراف الدولة بزواج الكنيسة؟ وهو ما يعنى أن الدولة ستصبح هى المسئولة الأولى والأخيرة عن الزواج، ويتبع ذلك تطبيق قوانين الدولة فى الزواج الثانى والطلاق مما يدمر العقيدة المسيحية تماماً.. وأضاف قلتة إن الزواج فى المسيحية سر مقدس وله شروطه وقد حافظت الكنيسة على هذا السر واحتفظت بهذا الإيمان خلال العصور المتتالية واحترم الحكام المسلمون والدولة الإسلامية هذا الحق الذى يمس صميم العقيدة المسيحية فاذا جاء البعض وأراد أن يقيم زواجاً مدنياً فقط بدون تدخل الكنيسة أو الاعتراف بسر الزواج الكنسى فإن مثل ذلك الزواج المدنى كأنه غير قائم بالنسبة للكنيسة ويعتبر باطلاً فى العقيدة المسيحية والسماح به سينتج عنه ما حدث فى بعض البلاد الأوروبية التى فيها يتم الزواج والطلاق والزواج الثانى دون ادنى اعتبار للعقيدة المسيحية وعلى الرغم من مدنية القوانين فى بعض الدول الأوروبية فإن ملايين المسيحيين هناك متمسكون بالزواج الكنسى ويعقدون زواجهم فى الكنيسة لينالوا سر الزواج المقدس الذى يطلق عليه الكتاب المقدس «السر الأعظم».. أما بالنسبة لما يدعيه البعض من أن الزواج كان مدنياً فى العصور الاولى للمسيحية أجاب قلتة إنه حتى وقت قريب لا يزيد على 50 عاماً كان الزواج يتم فى المنازل ولكن دائماً بحضور كاهن ليكون الزواج سراً مقدساً مرتبطاً بالإيمان المسيحى، وأضاف الزواج لا يكون مدنياً أو دينياً حسب المكان الذى يتم فيه وإنما من الشروط الاساسية لصحة الزواج الكنسى أن يكون الكاهن شاهداً على عقد الزواج، وأن يقام ذلك الزواج وفقاً للطقس الكنسى ولا يهم بعد ذلك مكان الزواج سواء كان فى الكنيسة أو البيت.. وحول ما يراه البعض من أن الزواج المدنى الحل لمشاكل الطلاق والزواج الثانى فى المسيحية أجاب قلتة إنه عند حدوث خلاف بين الزوجين فإما أن يتجه صاحبا الخصومة إلى الكنيسة أو إلى الدولة؟ فإذا سلكا الطريق الاول واتجها إلى الكنيسة فيكون عليهما أن يطيعا شرائعها وتنظيماتها وفى هذا يكون على الدولة أن تعترف بالمحاكم الكنسية لتسرى عليها الشرعية المدنية، أما إذا اتجه أحد طرفى الخصومة إلى محاكم الدولة، فالكنيسة ليست ملزمة باتباع قوانين تخالف عقيدتها فإذا حكمت المحكمة لأحد الطرفين بالطلاق والزواج الثانى فالكنيسة ليست ملزمه بهذا الحكم لانه يتناقض مع الايمان المسيحى وهذا يحدث فى أعرق الدول الديمقراطية كفرنسا وألمانيا وإنجلترا، الدولة هناك لا تلزم الكنيسة بهذا الطلاق ولا تلزمها بعقد زواج ثان، ولكن مادام أحد الطرفين اختار الطريق المدنى فعليه أن يتحمل بضميره ما ينتج عن هذا الأمر ولكن الكنيسة لا تعترف به ومن حقها أن تمنع عنه الأسرار المقدسة وممارسة الشعائر الدينية. حرية شخصية/U/ أما الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الكنيسة الإنجيلية فى مصر فقد أكد أن هذه الوقفة الاحتجاجية ليس لها معنى لأن الدولة ليست معنية بقوانين الاحوال الشخصية وانما اعطت لكل طائفة أن تطبق لوائحها الملية فى الزواج والطلاق وفقاً لشرائعها الداخلية. وفى مفاجأة سارة للاقباط المطالبين بالطلاق والزواج المدنى أشار البياضى إلى أن اللجنة المشكّلة لإعداد القانون الموحد للأحوال الشخصية للأقباط أضافت مادة تنص على أنه فى حالة رغبة أى عروسين إجراء زواج مدنى فلهما الحق فى هذا دون الزام للكنيسة أن تجرى مراسيم دينية لهما، مشيراً إلى أنه فى هذه المادة حل لمشكلة الطلاق والزواج الثانى للأقباط ولذلك كانت الكنيسة الإنجيلية حريصة على وضع هذه المادة فى القانون الموحد. وأشار البياضى إلى أنه فى بداية المسيحية لم تكن الكنيسة طرفاً فى مراسيم الزواج حيث كان الزواج فى القرون الأولى للمسيحية زواجاً مدنياً ولم تعرف المسيحية الزواج الدينى إلا بعد مرور قرون على نشأتها، فالكنيسة تدخلت فى الزواج فى وقت متأخر وبالتالى فإن الزواج المدنى ليس بجديد على المسيحية والزواج الدينى ليس الزامياً إلا فى بلادنا فالزواج فى العالم كله زواج مدنى ومن يرد بعد ذلك الحصول على بركة الكنيسة يمكنه إجراء زواج كنسى.. وأكد البياضى أنه إذا كانت الكنيسة ليست ملزمة بقبول الزواج المدنى فإن هذا لا يمنع من قبول أطراف هذا الزواج وأن تسمح لهم بممارسة الطقوس الدينية إذا أرادت وبالطبع فهى تقبل الأطفال الناتجين عن الزيجة المدنية. أما عن تأكيد البعض بأن الزواج المدنى هو حل مشاكل الطلاق والزواج الدينى الذى ترفضه الكنيسة أجاب البياضى أنه يعتقد أن الموضوع يجب إعادة التفكير فيه من جانب الكنيسة التى يجب أن تقدر الظروف والمشكلات العائلية التى قد تفوق الاحتمال والتى يتعرض لها البعض مشيراً إلى أن الزواج المدنى فيه حل لهذه المشكلات ولا يتعارض فى نفس الوقت مع تعاليم الكنيسة. أما القمص صليب متى ساويرس الأمين العام لمركز السلام لحقوق الإنسان فقد أكد أن الزواج فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هو السر السادس من أسرار الكنيسة وهو سر يجب أن يمارس داخل الكنيسة وأمام المذبح المقدس ويشترط لصحته أن يقوم بالمراسيم الدينية كاهن «مشرطن» رسمياً من رئاسة الكنيسة وحتى بعد صدور قانون المجالس الملية فى أواخر القرن ال 19 ترك القانون للمجالس الملية التى يرأسها الاب البطريرك اعمال الزواج الذى كان معتمدا بالمراسيم الدينية التى تصدر بها وثيقة بإتمام الزواج معتمدة من البطريركية إلى أن صدر القانون 462 لسنة 55 والذى ألغى المجالس الملية والمحاكم الشرعية وجعل القضاء يختص بالنظر فى أمور الزواج وحدد التوثيق فى المحاكم والسجل المدنى والذى يقوم بالتصديق على إتمام الزواج الدينى الذى أجرى داخل الكنيسة واستقرت احكام محكمة النقض على أن الشرط الأساسى لصحة الزواج المسيحى هو إتمام المراسيم الدينية داخل الكنيسة على يد كاهن مشرطن رسمى، أما عملية التوثيق فهى للتعامل من قبل الزوجين أمام الجهات الرسمية للدولة من حيث أمور النسب والمواريث.. وشدد صليب على ان الدعوة للطلاق والزواج المدنى مخالفة لتعاليم الإنجيل لأن السيد المسيح نفسه أشار إلى أن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، ولم يقل ما جمعه «الشهر العقارى»، وبالتالى فالزواج المسيحى زواج دينى فى الأساس وإذا تم خارج الكنيسة يعتبر باطلاً والزوجان يعيشان فى هذه الحالة فى الزنا. ونفى صليب أن يكون الزواج فى العصور الأولى للمسيحية مدنياً ودلل على ذلك أن السيد المسيح نفسه قد بارك عرس قانا الجليل الذى يعتبر أول معجزة له وفى بداية المسيحية كان ينظر للبيت المسيحى على أنه بمثابة كنيسة صغيرة والدليل على ذلك قول بولس الرسول «سلموا لى على أكيلا وبريسكيلا والكنيسة التى فى بيتهما»، فإذن كان الزواج منذ العصر الرسولى يتم على أيدى الرسل وخلفائهم من بعدهم.. أما بالنسبة لوجهة نظر البعض من أن الزواج المدنى حل لمشاكل الطلاق والزواج الثانى للأقباط فقد أكد صليب أن هذا علاج للخطأ بأخطاء أكثر جسامة، فالزواج المدنى لن تعترف به الكنيسة وأطرافه لن يتمتعوا بمباركة الكنيسة أو يستطيعون ممارسة أسرارها وحتى عند الموت لن تتم الصلاة عليهم فى الكنيسة.