تحدثنا فى خواطرنا الماضية عن السابقة البرلمانية التى فجرها أحمد عز أمين التنظيم الأسبق للحزب الوطنى «المنحل» تحت القبة.. وسجلتها مضابط مجلس الشعب قبل انتهاء دورته البرلمانية الثالثة فى يونية 2008 بيوم واحد.. وهى إصراره وتصميمه على تعديل قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكارات بعد موافقة مجلس الشعب عليه بيومين فقط.. وهى سابقة خطيرة لم تشهدها قبة المجلس من قبل.. ولكنها حدثت تحت سمع وبصر د. سرور رئيس مجلس الشعب السابق! وانصب تعديل «عز» على المادة 26 من القانون والتى كانت تعفى المبلغ عن الممارسات الاحتكارية من العقوبة تشجيعاً وأنه يجوز للمحكمة أن تعفى المتهم من العقوبة متى قدرت أنه أسهم فى الكشف عن عناصر الجريمة. ولكن عز استخدم كل أسلحته وألاعيبه لتعديل النص بعد إعفاء المبلَّغ عن الممارسات الاحتكارية وأن المحكمة يجوز أن توقع علية غرامة تصل إلى 50% لكل من بادر من المخالفين بإبلاغ الجهاز بالجريمة وبتقديم ما لديه من أدلة ارتكابها. وأذكرأن اللجنة الاقتصادية وافقت على هذا التعديل فى الجلسة التى عقدتها ظهر الأربعاء 18 يونية 2008 ورأسها عبدالرحمن بركة وكيل اللجنة بعد غياب رئيسها د. مصطفى السعيد ونجح عز فى تمريرها من اللجنة بعد مناقشات ساخنة مع مساعد الوزير المستشار هشام فتحى رجب.. وتم عرض هذا التعديل- فى نفس اليوم - فى الجلسة المسائية لمجلس الشعب. ورفضت المعارضة والمستقلون هذا التعديل الذى يفرغ القانون من مضمونه ويقلل من فرص كشف المخالفات، وجعل العقوبة جوازية وليست وجوبية للمحكمة.. وضاعت اعتراضاتهم فى أجواء القاعة لأن عز استخدم سلاح الأغلبية. كعادته - فى تمرير مايشاء وفى أى وقت يريده.. فالأغلبية كالخاتم فى إصبعه أو كالدمى الذى يحركها على خشبة المسرح! ولكن ماهو موقف وزير الصناعة والتجارة م. رشيد محمد رشيد من القانون كله.. ومن التعديل الأخير الذى مرره «عز» رغم أنف الجميع. ويصب فى مصلحته أولا وأخيرا باعتباره المحتكر الأول للحديد فى مصر؟!لأن المفروض أن م. رشدى هو ممثل الحكومة أمام مجلس الشعب للرد على مناقشات الأعضاء والاجابة عن تساؤلاتهم! لكن العجيب والغريب أن معالى الوزير تغيب عن الحضور.. ولم يتابع المناقشات النهائية.. سواء فى اللجنة الاقتصادبة أو فى الجلسات العامة.. وترك الجمل بما حمل لعز، وأغلبيته، ولمساعده، وللدكتور مفيد شهاب وزير المجالس البرلمانية السابق للقيام باللازم واختفى فى ظروف غامضة! وأذكرأنه عندما انتشرت شائعة بين النواب أن وزير الصناعة استقال من الحكومة.. وأنه أرسل استقالته من فرنسا احتجاجاً على ما يفعله عز فى القانون. وفجرالنائب المستقيل مصطفى بكرى هذا الكلام تحت القبة وقف د. مفيد شهاب لينفى بشدة هذه الشائعة المغرضة! لكن بعد يومين من ترديد هذه الشائعة ونفيها ورفع جلسات مجلس الشعب.. وبالتحديد فى ظهر السبت 21 يونية 2008 يعود رشيد محمد رشيد من رحلته للخارج للرد على هذه الشائعة.. ويعقد مؤتمراً صحفياً فى مقر الوزارة تحضره كل وسائل الإعلام ليؤكد لهم وللنواب أنه لم يستقل.. وأنه اضطر للسفر لظروف عائلية - وهذه هى عادته فى كل أزمة السفر للخارج - وكان آخرها سفره أثناء ثورة 25 يناير لظروف عائلية.. وأنه سوف يعود فوراً لأرض الوطن بعد انتهاء هذه الظروف العائلية كما قال ولكن ذلك لم يحدث فى هذه المرة.. ومازال هارباً وتم إبلاغ الإنتربول الدولى للقبض عليه فى تهم التربح لشركاته أثناء توليه منصب الوزارة وصرف مبالغ بدون وجه حق وصلت إلى 9,5 مليون جنيه من صندوق تنمية الصادرات لشركاته! المهم: أن الوزير الأسبق رشيد قال لمندوبى الصحف ولباقى وسائل الإعلام- بكل براءة - إنه لا توجد أية خلافات حول قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكارات. وأن ماحدث من تعديلات اثناء المناقشات إنما يأتى فى إطار الممارسة اليمقراطية وهى أمر طبيعى.. حيث إن معظم مشروعات القوانين التى تتقدم بها الحكومة يتم إدخال بعض التعديلات عليها. وقال إن القانون بعد إقراره بشكله الحالى يمثل خطوة مهمة فى زيادة الأدوات الممنوحة للحكومة وجهاز منع المنافسة وحماية المستهلك لضبط السوق والتصدى بحزم لأية ممارسات احتكارية.. فمن ناحية العقوبة فقد زادت بنحو 30 ضعفا! وأشار رشيد إلى أن الغرامة ليست هى العقوبة الوحيدة فى القانون وأن الشركة التى تقوم بالممارسات الاحتكارية ستكون معرضة لعقوبات القضاء التجارى بالإضافة إلى القضايا التى سيرفعها المتضررون من هذه الممارسات مما يحملها غرامات وتعويضات كبيرة. وطبعاً كل ما قاله وزير الصناعة الأسبق كان دخاناً فى الهواء:لأن المحتكرين لم تردعهم هذه العقوبات الهزيلة التى نص عليها القانون.. والتى تتيح الاستمرار فى تنفيذ سياساتهم الاحتكارية فى الحديد والأسمنت والسلع الغذائية وغيرها من السلع! وخير مثال على ذلك هو توقيع غرامة قدرها200 مليون جنيه على 20 متهماً من أصحاب ومسئولى شركات الأسمنت بسبب اتفاقهم على رفع الأسعار وتعطيش السوق.. وتعمدوا اقتسام الأسواق بطريقة جغرافية وتقييد عمليات التسويق من أجل رفع الأسعار! وقد قام هؤلاء المحتكرون بدفع الغرامة وهم يخرجون لنا ألسنتهم لأنهم يجنون المليارات من وراء سياستهم الاحتكارية على حساب المستهلك! ومازال مسلسل الاحتكارات مستمراً.. ولكننى سعدت كثيراً بأن وزير الصناعة د. سمير الصياد تقدم إلى مجلس الوزراء مؤخراًبمشروع قانون لتعديل بعض مواد القانون طالب فيه بتحفيز المساهمين فى جرائم الاتفاقات الضارة بالمنافسة على الإبلاغ .. وتبنى فكرة الغرامة النسبية من قيمة مبيعات المنتج وزيادة قيمة الغرامة على المحتكرين.. وأرجو أن يسارع مجلس الوزراء بالموافقة على هذه الاقتراحات وأن يصدر المجلس العسكرى مرسوماً بهذه التعديلات لإنقاذ الاسواق من هؤلاء المحتكرين!!