اتصل بى مسئول كبير سابق بشركة المراجل البخارية وقال معاتباً: يا أستاذ كل ما كتبته الأسبوع الماضى عن بيع البلد قطاعى بسعر الجملة “كوم”.. ومخطط تخريب صناعة المراجل البخارية فى مصر “كوم تانى”.. لقد كانت مؤامرة بكل المقاييس.. شارك فيها د.عاطف عبيد عندما كان وزيراً لقطاع الأعمال العام، ومسئولون آخرون بعضهم فى ذمة الله، وبعضهم مازال حيا يرزق ينعم بما جنته يداه من مال حرام مقابل تخريب صناعة المراجل..! أرجوك اهدأ قليلاً و«احكى لى» الحكاية من أولها.. قال لى سأروى كل المخطط وسأعطيك بعض المستندات التى تحت يدى، ولا أريد أن تشير إلى اسمى لا من قريب ولا من بعيد، لأن الهدف أكبر من ذلك بكثير وهو محاكمة الذين باعوا مصر «قطاعى بسعر الجملة» على حد تعبيرك..! الحكاية من البداية هى أن شركة المراجل البخارية كانت إحدى أهم الشركات العامة الناجحة.. فقد كانت تحقق أرباحاً، وتلبى احتياجات السوق المحلية، وتنافس كبرى الشركات فى الأسواق العالمية خاصة الإنجليزية منها.. وكانت الشركة هى الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط التى تنتج الغلايات للفنادق والمستشفيات ومصانع الغزل والنسيج.. وغيرها.. وعلى الرغم من أن نجاح الشركة كان يثلج صدر كل مصرى يحب بلده، فإنه لم يكن كذلك لبعض الذين تآمروا على صناعاتنا الوطنية وباعوا مصانعها بتراب الفلوس لكل من هب ودب..! وقد بدأ مخطط اغتيال الشركة مع بداية التسعينيات؛ حيث قام عبدالوهاب الحباك - وكان وقتها رئيساً للشركة القابضة للصناعات الهندسية، وقد سجن بعد ذلك فى قضية فساد شهيرة، ومات داخل السجن - بدوره المرسوم فى المخطط، حيث قام بمنع المادة الخام، وهى الصاج، عن الشركة، مما أدى إلى عدم وفائها بتعاقداتها فى الداخل والخارج، مما أدى إلى تكبدها أول خسارة فى تاريخها عام 1992، وهو العام الذى كان فارقاً فى تاريخ الشركة.. فقد أعلن د. عاطف عبيد عن طرح الشركة للبيع فى مزايدة عالمية كأول شركة قطاع عام يتم بيعها فى إطار برنامج الخصخصة.. وتقدمت للمزايدة شركات كانت كل المؤشرات تشير إلى أنها ليست شركات عالمية ولا يحزنون؛ لكنها شركات «بير سلم» تلعب بالبيضة والحجر، منها شركة إيطالية، كانت تقوم بعمليات نصب فى سوق الغلايات، فقد كانت تستورد الغلايات منتهية الصلاحية (والتى يطلق عليها الغلايات «البحارى») وتعيد ترميمها.. ودهانها لتصبح كالجديدة ثم تبيعها للضحايا.. وقد حدثت كوارث نتيجة انفجار تلك الغلايات فى عدد من المشروعات. المهم أن المزايدة رست فى النهاية على إحدى الشركات الأمريكية بالمشاركة مع بعض المستثمرين المصريين والبنوك والشركات الأخرى بنسب أقل.. ثم انفرد بشركة المراجل فى النهاية أحد كبار المستثمرين المصريين المعروفين فى السوق ومعه الشركة الأمريكية والتى كان العضو المنتدب الأمريكى لها هو المسيحى الوحيد فى إدارة الشركة والباقى إما يهود أمريكيون أو إسرائيليون وكان من بينهم شخص يدعى «واين هالى» وكان يحمل جواز سفر إسرائيلياً، ولم يكن أحد يعلم على وجه التحديد دوره فى الشركة سوى إثارة الشائعات.. والمشاكل.. وشركة المراجل البخارية تقع على النيل على مساحة 34 فداناً فى منطقة منيل شيحة وقد بيعت بالميناء الخاص بها بمبلغ 56 مليون جنيه فقط.. نعم.. مرة أخرى 56 مليون جنيه فقط..!! وكان المفروض طبقاً لاتفاق البيع أن يتم تطوير الشركة، لكن المستثمرين الجدد جلبوا معدات مستعملة من عام 1972 وقاموا بتركيبها بدلاً من المعدات الموجودة بالشركة، وغيروا خطوط الإنتاج، وألغوا النشاط الأساسى لها واكتفوا بعمل غلايات ضخمة فقط لمحطات الكهرباء التى تسببت فى مشاكل فى المحطات التى تم تركيبها فى مصر.. وهكذا تحولت مصر من دولة منتجة ومصدرة للغلايات.. إلى دولة مستوردة.. وبعد فترة قام المشترون بتسريح العمالة.. وتركوا المصنع.. خرابة لا يعمل منذ أكثر من 7 سنوات.. وبذلك تم تنفيذ مخطط تدمير صناعة المراجل البخارية فى مصر..!! هذه هى حكاية المراجل البخارية من البداية للنهاية وهى كلها من أولها لآخرها تثير العديد من التساؤلات.. أولها: لماذا تعمد عبيد ومعاونوه إماتة شركة ناجحة؟! ولماذا اختارها هى بالذات دون غيرها لتكون باكورة الشركات التى بيعت ضمن برنامج الخصخصة؟ ولماذا باعها بذلك المبلغ الهزيل رغم مساحتها الشاسعة هى والميناء الذى تملكه..؟! والأهم من ذلك ما هو دور إسرائيل فى تخريب هذه الصناعة المهمة فى مصر..؟! ولماذا عطلت الشركة الأمريكية الإنتاج، وتركت استثمارات بالملايين هكذا دون أن تستفيد شيئاً؟! وهو ما يثير الريبة من أن الهدف لم يكن الاستثمار والبناء.. لكن التخريب والتدمير..؟! إنها تساؤلات مهمة أعتقد أن الوحيد القادر على الإجابة عنها هو د.عاطف عبيد.. فليته يجيب..!