بعد اجتماع عاصف لمجلس الوزراء تعهدت حكومة الدكتور عصام شرف بتنفيذ مواد قانون العقوبات التى تجرم الإضراب عن العمل، وتعطيل عجلة الإنتاج.. وخرجت عن المجلس تصريحات قوية تؤكد أن الحكومة لن تتوانى عن التصدى لأى محاولة من أى جهة أو فئة تستهدف تعطيل العمل أو الإضرار بالاقتصاد الوطنى فى تلك المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد.. إذا عُرف السبب بَطل العجب كما يقولون.. والسبب نفسه عجب!.. فخلال الأيام الأخيرة الماضية شهدت مصر فى أكثر من محافظة مجموعة من الإضرابات والاعتصامات الغريبة، والتى كان من نتائجها قطع بعض الطرق البرية والحديدية.. ومحاولة إغلاق المجال الجوى المصرى.. وإصابة المرور فى وسط العاصمة بالشلل.. كل ذلك لأسباب لا علاقة لها بالثورة ولا بالأهداف التى قامت من أجلها.. وإنما هى أسباب خاصة جداً!.. ما هى علاقة إقامة برج للتليفون المحمول بالثورة؟!.. وما هى علاقة الثورة بتعيين 59 مراقبا جويا جديدا رأى زملاؤهم القدامى أنهم سيأخذون منهم “البرستيج”؟!.. ثم لماذا تقوم سيدات “الدويقة” بإغلاق طريق الكورنيش والإصرار على منع مرور السيارات أمام مبنى التليفزيون؟!.. كل هذه الأمثلة وغيرها قد يتصور البعض أنها انعكاس لقضية الانفلات الأمنى.. لكن الحقيقة غير ذلك.. لأن ما يحدث معناه أن هيبة الدولة فى طريقها إلى السقوط!.. المفارقة أن حكومة الدكتور عصام شرف التى تحاول الآن إنقاذ هيبة الدولة.. كانت هى نفسها أحد أسباب المشكلة!.. أحمل تقديرا كبيرا للدكتور عصام شرف وحكومته وأثق كما يثق ملايين غيرى أنها تحاول بكل همة أن تعبر بمصر مرحلة من أدق المراحل فى تاريخها وأكثرها خطورة.. لكن ذلك لا يمنع من أنها وقعت - سواء بوعى أو بغير وعى - فى مستنقع الإضرار بهيبة الدولة!.. عندما تنتشر جرائم البلطجة والاعتداء على المواطنين وترويعهم.. فليس معنى ذلك أن هؤلاء البلطجية واللصوص أسقطوا هيبة الدولة.. هؤلاء أجبن بكثير من أن يقدروا على ذلك.. وهؤلاء يمكن تحجيمهم والقضاء عليهم لو اقتضى الأمر.. إذا عادت الشرطة بكامل قوتها وإمكاناتها إلى الشارع.. هؤلاء سيسارعون بالاختباء فى جحورهم بمجرد زوال ظاهرة الانفلات الأمنى.. أما هيبة الدولة فهى مسألة مختلفة تماما.. وقد سقطت هذه الهيبة فى أول اختبار لحكومة شرف.. وكانت الحكومة كما ذكرت هى أحد الأسباب.. إن لم تكن أهمها!.. كلنا نذكر أحداث قنا.. كلنا نذكر كيف قام المواطنون - وليس البلطجية واللصوص - بقطع السكك الحديدية وتعطيل حركة القطارات تماما.. اعتراضا على تعيين محافظ قبطى.. كان الحدث نموذجا لسقوط هيبة الدولة!.. فى البداية تصورت الحكومة وتصور الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء أن الحوار قادر على حل المشكلة.. ثم تبين أن الحوار غير قادر وأن الحكومة عاجزة.. كان كل يوم يمر يؤكد أن هيبة الدولة تهتز بشدة.. وكان كل يوم يمر يضع الحكومة وقبلها هيبة الدولة فى اختبار صعب.. وأخيراً قررت الحكومة أن تواجه التحدى وتنقذ هيبة الدولة.. اجتمعت حكومة الدكتور شرف وأصدرت بيانا قويا حاولت من خلاله إظهار «العين الحمراء».. كأنها تقول إنها قادرة على الحفاظ على هيبة الدولة.. قالت الحكومة فى بيانها إن ما يحدث فى محافظة قنا لا يمكن السكوت عنه.. وإن المظاهرات والاعتصامات التى تشهدها المحافظة تمثل انتهاكا واضحا وصريحا لسيادة القانون.. وإنها تكدر الأمن العام وتعطل مصالح المواطنين وتؤثر سلبا فى الاقتصاد القومى.. قالت الحكومة وغضبت وأعلنت عن غضبها بأعلى صوت.. وتوعدت الخارجين على القانون بإجراءات قاسية.. وانتظرنا هذه الإجراءات القاسية وطال انتظارنا ثم اتضح أن كل هذه الإجراءات ليست أكثر من قرار بتجميد المحافظ «القبطى» عماد ميخائيل الذى من أجله قامت المظاهرات والاعتصامات وانتهاك سيادة القانون.. وتكليف نائبه بالقيام بعمله لمدة ثلاثة شهور!.. وهكذا سقطت هيبة الدولة.. الحكومة غضبت وثارت وهددت وتوعدت.. ثم تبين أن كل هذا الغضب والثورة والتهديد والوعيد.. أوهام!.. ولم يكن غريبا أن يرد المتظاهرون والمعتصمون الخارجون على القانون والمنتهكون لسيادته.. لم يكن غريباً أن يردوا على الإجراء الذى اتخذته الحكومة بسخرية فأعلنوا أنهم سيجمدون اعتصامهم وإضرابهم لمدة ثلاثة شهور.. فإذا أصرت الحكومة على استمرار المحافظ القبطى فى موقعه.. سيعودون إلى إضرابهم واعتصامهم وسيقطعون مرة أخرى خطوط السكك الحديدية ويعطلون حركة القطارات!.. الحكومة لم تبدأ بإسقاط هيبة الدولة.. المواطنون من أبناء محافظة قنا هم الذين أسقطوها.. لكن الحكومة أكدت هذا السقوط بتهاونها وسكوتها فى البداية.. ثم بإجراءاتها الضعيفة المضحكة.. وليتها سكتت!.. وتعلم المواطنون - وليس البلطجية واللصوص - أن إسقاط هيبة الدولة يحقق لهم مطالبهم الفئوية!.. *** تنوعت المظاهرات والاعتصامات والإضرابات التى تنتهك سيادة القانون والتى تؤثر فى هيبة الدولة.. ورغم تنوعها وتنوع أسبابها إلا أنها جميعها كانت تشترك فى اللجوء إلى أسلوب واحد.. قطع الطريق وتعطيل حركة المرور.. حدث ذلك فى محافظات كثيرة.. وحدث ذلك داخل العاصمة.. خاصة طريق الكورنيش أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون.. مرة الأقباط ومرة السلفيين ومرة سيدات الدويقة اللاتى افترشن طريق الكورنيش بالعرض لمنع مرور السيارات!.. ومرة أخرى تدخل الحكومة اختبارا جديدا.. ومرة أخرى تحاول الحكومة إنقاذ هيبة الدولة فتقوم بإصدار قانون بمرسوم يجرم التظاهرات والاعتصامات والإضرابات التى تعطل العمل والإنتاج.. ويشتعل الجدل حول هذا الإجراء.. البعض اعترض واعتبره خطوة للوراء فى طريق الحرية.. والبعض أيد الإجراء.. لكن الغريب أن الحكومة لم تحاول تطبيقه.. ولو مرة واحدة!.. وهكذا ساهمت الحكومة - بوعى أو بغير وعى - فى تأكيد سقوط هيبة الدولة.. تصدر قانونا تعجز عن تنفيذه.. قانونا يمثل مصلحة عليا تفوق بكثير كل المطالب الفئوية.. لكن الحكومة التى أصدرت القانون لا تتحرك خطوة واحدة فى طريق تنفيذه.. وتتجاوز الأمور حدود العقل والمنطق ويشارك المواطنون العاديون - وليس البلطجية واللصوص - فى عزف مقطوعة إسقاط هيبة الدولة!.. *** نسمع عن إضرابات واعتصامات فى قطاع الطيران.. المضيفون الجويون يعلنون عن إضراب واعتصام يهدد حركة الطيران ويؤكدون أنهم لا يطالبون بأى مطالب خاصة ولكنهم فقط يريدون تطهير «مصر للطيران» من رموز الفساد وتغيير اللوائح والقوانين التى تتيح للكبار الحصول على عمولات عند شراء طائرات جديدة.. إحدى الفضائيات تستضيف إبراهيم مناع وزير الطيران الذى يرد بغضب ويؤكد أن مطالب المضيفين الجويين هى مطالب فئوية تتعلق بزيادة رواتبهم ومكافآتهم، وأنه ليس صحيحا أن أحدا يتقاضى عمولات.. الكلام مرسل وليس له أى أساس من الصحة على حد قوله.. ولا مستند واحد.. وإنما هو محض افتراء!.. فى نفس التوقيت يقوم المراقبون الجويون بتنظيم إضراب واعتصام ويهددون بإغلاق المجال الجوى المصرى!.. تصور(!!!).. ولولا تدخل الجيش الذى اجتمع بهم لقاموا فعلاً بإغلاقه.. ويبدو غريبا وعجيبا أن تعرف أن السبب هو تعيين 59 مراقبا جويا جديدا أكثر كفاءة وأكثر قدرة على القيام بمهام هذه الوظيفة(!!!).. ويقوم الأهالى لأسباب لا علاقة لها بالثورة ومطالبها.. فى عدد من المحافظات بقطع طرق السفر ومنع السيارات من المرور.. وفى القاهرة تقوم سيدات الدويقة بقطع طريق الكورنيش من أجل الحصول على شقق من محافظة القاهرة!.. ويعطل آخرون مترو الأنفاق.. وفى محافظة الجيزة يقع الاعتصام الأغرب.. بسبب إقامة برج للتليفون المحمول.. ويقطع المعتصمون الطريق وتتعطل مظاهر الحياة.. وتستجيب الحكومة وتزيل البرج.. ورغم ذلك تنشب معركة دموية بين أصحاب الأرض المقام عليها البرج وأهالى القرية!.. وتشعر الحكومة بأن المسائل تجاوزت حدود العقل والمنطق.. وتجتمع وتصدر بيانا تتعهد فيه بتنفيذ مواد قانون العقوبات التى تجرم الإضراب عن العمل وتعطيل عجلة الإنتاج.. وأنها لن تتوانى عن التصدى لأى محاولة من أى جهة أو فئة تستهدف تعطيل العمل والإضرار بالاقتصاد القومى.. ومن الطبيعى أن قطع الطرق سواء بين المحافظات أو داخلها يؤدى إلى تعطيل العمل والإضرار بالاقتصاد.. فهل يعنى بيان الحكومة أنها جادة فى مواجهة هؤلاء الذين يقطعون الطرق ويعطلون مظاهر الحياة؟!.. هل ستقدر الحكومة على ذلك.. هذه المرة؟! ويطرح السؤال نفسه مرة أخرى: هل تقدر الحكومة على استعادة هيبة الدولة هذه المرة أم تستمر بسكوتها وقراراتها التى لا تنفذ فى إسقاط هذه الهيبة؟!.. *** ليس هناك أحد يعترض على حرية أى مواطن فى التظاهر والاعتصام والإضراب.. الاعتراض على الذين يستخدمون هذا الحق فى تعطيل العمل والإضرار بالاقتصاد وإسقاط هيبة الدولة.. وواجب الحكومة ومهمتها الأساسية هى أن تتصدى بقوة لهؤلاء.. حافظوا على هيبة الدولة.. يرحمكم الله!..