لا يستطيع أحد أن يشكك فى وطنية قداسة البابا شنودة، فالرجل يحب مصر لدرجة العشق، ويكفى أنه صاحب المقولة التاريخية:(إن مصر ليست وطنا نعيش فيه، ولكنه وطن يعيش فينا)، وكان بيانه الأخير وهو الأقرب إلى التحذير، فقد جاء فاصلا قاطعا لا يحتمل لبسا ولا تأويلا وبألفاظ واضحة موجهة إلى أشقاء الوطن من أقباط مصر، خاصة من اعتصم منهم أمام مبنى التليفزيون ولمدة قاربت الخمسة عشر يوما - حتى كتابة هذه السطور - تعطلت خلالها حركة السير بأهم شوارع العاصمة «كورنيش النيل» وما يترتب على ذلك من شلل تام لمرافق الدولة، وتعطيل لمصالح الشعب، فضلاً عن توقف كل مصادر أرزاق المواطنين على اختلاف أعمالهم ومقاصدهم، وقد جعل المعتصمون من منطقة «ماسبيرو» لأول مرة فى تاريخها الطويل والذى تجاوز مئات السنين ساحة لانتظار السيارات، وما تبع ذلك من انتشار المظاهر البيئية المؤسفة والمسيئة لمجتمعنا والتى تبتعد بنا عن أى مظهر حضارى، حيث شاهدنا عربات اللب والفول السودانى مع عربات باعة «البطاطا» وكذلك التجارة المستحدثة لباعة الأعلام ولم ينس باعة الكشرى والبيض والسميط مساهماتهم فى اغتنام هذه المهزلة البعيدة عن كل تصور والمفتقرة لكل مبرر مقنع، وقد اتضح ذلك بشكل جلى من خلال بيان البابا شنودة للمعتصمين وكان من نصه (إنكم تجاوزتم كل حدود التعبير عن الرأى، وأنكم أسأتم إلى الثورة المصرية وقبلها إلى الكنيسة ذاتها، وكذلك أصبحت الفرصة سانحة لأصحاب الأغراض الدنيئة من قوى مضادة للثورة من أذناب رجال النظام السابق الذين أرادوا دس الوقيعة بين مسلمى مصر وأقباطها وبين جيشنا المصرى العظيم وشعبنا صاحب الحضارة العريقة حتى يتحقق لهم هدفهم المنشود فى بث الفرقة بين عنصرى الأمة الذين اتحدوا فى نسيج واحد خلال أيام الثورة والذى ترجم فى شعار خالد (ارفع راسك فوق أنت مصرى) وكانت معاينة على أرض الواقع حين قام شباب الأقباط بحراسة إخوانهم المسلمين أثناء صلواتهم وكان الموقف ذاته متبادلا حين قام المسلمون شبابا ورجالا ونساء بحراسة إخوانهم الأقباط أثناء إقامتهم لقداسهم ترحما على شهداء الثورة من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، حيث اختلطت دماؤهم معا لتصنع ملحمة كان نتاجها ثورة عظيمة ومظفرة نالت إعجاب العالم أجمع، ومن أهم ما ورد فى بيان قداسة البابا شنودة حين ذكر أن الحكام قد ينفد صبرهم إذا ما شعروا أن أمن الوطن فى خطر، وهنا لا بد أن تكون لنا وقفة جادة حاسمة حازمة حماية للوطن وصونا لكرامة شعبه وحفاظا على ثورة الرائعة.. وهنا أيضاً تظهر الحاجة ماسة وملحة لحكماء الأقباط، خاصة من رجال الدين الأفاضل بالكنيسة والعقلاء من خارجها، حيث يتطلب الموقف الذى تفاقمت آثاره ومن أبرزها وأكثرها وضوحا هو احتقان المشاعر الطائشة من الطرفين بما يجعل الجميع يتصيد الأخطاء للآخر متذرعا بأوهام مختلفة لبث الضغائن ذات العواقب الوخيمة التى لن تبقى ولن تذر إذا - لا قدر الله - تجاوزت الأمور حدودها ولم يدرك المعتصمون أن القانون يجرم كل ما من شأنه تهديد أمن الوطن والمواطن بما يجعل من الأمور الحتمية تفعيل القانون بمنتهى الجدية والصرامة لما تمر به البلاد من ظروف مصيرية دقيقة وهذا القانون ذاته الذى يمكن أن يعطى لكل ذى حق حقه ولكن ذلك شريطة السلوك القديم المتسق مع الشرعية والبعد عن كل ما يندرج تحت مسمى البلطجة أو استخدام القوة الغاشمة التى قد تضيع الحقوق وتنقل المجنى عليهم إلى خانة الجناة الذين يقعون تحت طائلة القانون وحينذاك سوف يكون لمجلسنا الأعلى للقوات المسلحة تصرف آخر فى إدارة هذه الأزمة المفتعلة بالحزم الواجب الذى يحيل الغلبة لمصلحة مصر التى هى بالقطع فوق الجميع، كما هى خط أحمر لا نبغى تجاوزه بأى حال من الأحوال.