إذا كان مستقبل مصر قد اغتاله الرئيس المخلوع مبارك باغتيال عنصرين أساسيين من عناصر تكوين الأمة: التعليم والثقافة، فإن هذين العنصرين بالتحديد ما زالا فى يد رجال الرئيس السابق، الذين يعاندون فى التمسك بهما، فهناك أمين عام المجلس الأعلى للثقافة فى عهد فاروق حسنى على رأس الوزارة الحالية، ينفذ السياسة نفسها، سياسة رجال دخلوا فى علاقة ملتبسة مع «الهانم». والدكتور جابر عصفور الذى مازال يحكم من الكواليس فى مقدرات الوزارة، وهو من كان يدير الشئون الفكرية للهانم فى المجلس الأعلى للمرأة. ولكل من الرجلين فكر لا يحيد عنه: فكر الأوكار التى تسهم فى صناعة ثقافة التخريب. والوزير الحالى هو أحد أعضاء هذه الأوكار، والتى جعلته عندما يفكر فى وضع رجل على رأس الهيئة العامة للكتاب لجأ إلى رجال الوكر، إلى مساعد آخر من مساعدى فاروق حسنى. لقد ظلت ثقافة مصر وآثارها.. حبيسة الهانم وماتزال حبيسة رجالها.. والذى اقترب قليلا من الأوساط الثقافية طيلة الثلاثين سنة الأخيرة فى مصر كان سيدرك على الفور أن الأمر لا يتوقف على فساد فى الإدارة، وهو موجود بامتياز فى حالة وزارة الثقافة، من سرقة آثار ولوحات نادرة وحريق مراسم واحتراق بشر داخل مسرح، وكان الوزير يجد دائما من «يشيل» القضية، ويتواضع هو ويقبل ضغط الرئيس عليه حتى لا يغادر منصبه. الأمر لا يتوقف على- فساد استفاد منه من استفاد- ليس فقط فى القاهرة، ولكن فى عواصم العالم، ومنها روما، التى أعرفها جيدا بحكم دراستى، وتعرفى فيها على فاروق حسنى عندما كان وكيلا لحسن عبدون رئيس الأكاديمية المصرية بروما فى بداية الثمانينيات، ثم اختياره لأسباب أمنية وأسباب أخرى تتعلق بتكاتف أبناء الطبيعة الواحدة، وزيرا، بعد أن أدى دورا فى حادث السفينة لوكيربى. وفى روما تعلم فاروق فكر الأوكار، وسياسة الأرض المحروقة التى اتبعها الأمن فى ثورة 25 يناير. وفى روما ابحثوا أيضا عن أصدقاء الوزير السابق والشقة التى كان يعدها فى ميدان «لاريبوبليكا» وسعرها، وتحكمه وهو وزير فى من يقيم فى أكاديمية مصر بروما التى أصبحت عبئا على مصر بدلا من أن تكون وتستمر منارة ثقافية لها.