مبارك رجع فى كلامه وطمع فى الرئاسة لأكثر من مدة، وسقوط نظامه يرجع إلى التوريث والفساد والنفاق.. هكذا بدأ السفير عبدالرؤوف الريدى سفير مصر الأسبق فى واشنطن والرئيس الشرفى للمجلس المصرى للشئون الخارجية حديثه ل «أكتوبر» الذى رصد فيه أبرز الملامح السياسية ل 30 عاماً الأخيرة. (25) يناير التى اعادت كتابة تاريخ مصر ووضعتها على أول خطوات طريق الديمقراطية الحقيقية. الريدى رفض اتهامه بأنه كان من الدائرة المقربة من سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق، مشدداً على أنه عمل «متطوعاً» فى إنشاء مكتبة مبارك، وحذر من خطورة المرحلة الراهنة التى تعيشها مصر والتى باتت تحتاج إلى مجلس للأمن القومى. كما تحدث عن رأيه فى جماعة الإخوان المسلمين والثورة المضادة وترشيح د. مصطفى الفقى لمنصب أمين عام الجامعة العربية، بالإضافة إلى وجهة نظره فى المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة القادمة.. وعدد آخر من القضايا المهمة فى الحوار التالى: *هل توقعت قيام ثورة فى مصر؟ **فى الحقيقة لم أتوقع قيام ثورة ولكننى كنت أتوقع سقوط هذا النظام، وفى رأيى هناك 3 أسباب أدت إلى سقوطه بهذه السرعة، وهى رغبة النظام فى الاستمرار فى السلطة إلى مالانهاية ومن هنا جاءت فكرة التوريث، ثم الفساد الذى أصبح جزءاً من النظام وأخيراً النفاق الذى استشرى فى المجتمع. *وكيف أدت هذه الأسباب إلى سقوط النظام؟ **فيما يتعلق بالتوريث، على الرغم من تصريح الرئيس السابق لى عام 1991 أثناء وجودى فى واشنطن بأنه لا يرغب فى الترشح لفترة ثالثة معللا ذلك بأن وظيفة الرئيس هى أسوء وظيفة تولاها فى حياته إلا أنه ترشح لفترة ثالثة ثم رابعة ثم خامسة وكان على وشك أن يترشح لفترة سادسة ويأتى بعد ذلك توريث الحكم، ولتنفيذ فكرة التوريث إضطر إلى تعديل المادة 76 من الدستور بحيث أصبح نص المادة غير مفهوم وكأنها مادة فى القانون – على الرغم من أن مواد الدستور يجب أن تكون قصيرة وواضحة وتعالج أمهات الأمور- ولضمان تحقيق هدف التوريث قام بتزوير الانتخابات خاصة البرلمانية الأخيرة حيث أظهرت النتيجة فوز الحزب الحاكم بنسبه 97% و هو أمر غير واقعى ولا منطقي. اما السبب الثانى وهو استشراء الفساد فى المجتمع حيث أصبح هو القاعدة و التيار السائد وهو ما أتمنى تطهير البلاد منه بعد الثورة. وفيما يخص النفاق الذى وصل إلى أبعاد غير معقولة وغير مسبوقة، فإن خطورته تكمن فى أنه يجعل الحاكم يصدق ما يقال له أناء الليل وأطراف النهار من قصائد المدح التى لا أساس لها من الواقع. *هل كنت تتوقع نجاح ثورة 25 يناير؟ **عندما علمت بانضمام جماعة الإخوان المسلمين للثورة توقعت حدوث شئ كبير فقد كانت الثورة تكستب زخمًا جديدًا كل يوم. وفى رأيى أن سبب نجاح الثورة هو التحرك السريع للمتظاهرين فى مقابل بطء ردود أفعال الحكومة، مما أدى إلى زيادة السخط العام، فضلا عن استخدام العنف والرصاص الحى وسقوط أعداد كثيرة من الشهداء. *هل تعتقد فى وجود ثورة مضادة؟ **بالتأكيد هناك قوى تخطط لتعطيل مسار الثورة وحركة الإصلاح فى مصر، ولكن ما يهمنا الآن هو ترسيخ مبادئ الديمقراطية وإقامة نظام حكم عادل ودولة مدنية. فأسوء ما حدث لمصر على مدار الثلاثين عاماً الماضية كان ضياع الفرص، فمصر كان أمامها فرصة كبيرة لبناء إقتصاد قوى، خاصة أن فترة ال30 سنة الماضية كانت تنعم بالسلام واستطعنا إلغاء الديون، وتوصلنا إلى برنامج للإصلاح الإقتصادى لا يترتب عليه أعباء على الشعب، وإنما أدى إلى نمو الإحتياطى الإستراتيجى فى البنك المركزى المصرى خلال عام واحد من مئات الملايين إلى 20 مليار دولار، إلا أن الحكومة تراجعت عن تطبيقه. فالفترة الماضية كانت مثالية لإحداث نهضة إقتصادية كبرى ولكن للأسف أهدرت هذه الفرصة وزاد الفساد ولم يتم الإلتزام ببرنامج الإصلاح الإقتصادى مما أدى إلى زيادة الهدر وبالتالى عجز الميزانية. الاخوان والسلطة *هل تتوقع وصول الإخوان للسلطة ؟ ** الإخوان فصيل فى المجتمع لذا يجب أن يشارك فى الحياة السياسية، أما فرص نجاحهم فتتوقف على سلوكهم فى الفترة الأخيرة، ومدى التزامهم بتصريحاتهم بأن مصر يجب أن تكون دولة مدنية تحترم حقوق المواطنة. *هل الثورة المصرية سيكون لها تأثير قوى على الوطن العربى؟ **الثورة المصرية ستؤثر بشكل كبير على الوطن العربي، فأنا أعتقد أن نجاح مصر فى تأسيس نظام حكم مدنى ديمقراطى قائم على المواطنة والفصل بين الدين والتشريع، وتطبيق القانون ورفع قيمة العلم سيكون نموذجا تحتذى به الدول العربية الأخرى. *مارأيك فى تدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية ؟ **هناك مبدأ مستقر منذ إنشاء الجامعة بأن يكون الأمين العام من دولة المقر على الرغم من عدم وجود أى نص فى ميثاق الجامعة يتعلق بهذا الأمر، والدليل على ذلك أنه عند المقاطعة العربية لمصر بعد إتفاقية السلام وإنتقال مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس لمدة 10 سنوات، فقد كان الأمين العام تونسى حتى عادت العلاقات المصرية العربية إلى سابق عهدها وإنتقلت الجامعة إلى القاهرة مرة أخرى وأصبح الأمين العام من وقتها وحتى الآن مصريا. *وكيف ترى فى ترشيح مصر للدكتور مصطفى الفقى أميناً عاماً للجامعة العربية؟ **على المستوى الشخصى أؤيد ترشيح الفقى، كما أصدر المجلس المصرى للشئون الخارجية بيانا يرحب بترشيح الفقى لهذا المنصب ويدعمه، فالفقى شخصية سياسية ودبلوماسية عريقة، فقد كان سفيراً ناجحاً وكان مندوب مصر الدائم فى جامعة الدول العربية مما يدعم موقف ترشحه لإلمامه بالوضع العربى، وأيضاً كان مندوب مصر الدائم فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالنمسا فضلا عن أنه مفكر عربى معروف و له إسهاماته الفكرية والسياسية المهمة. *وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، كيف ترى ملامح العلاقات المصرية الأمريكية بعد الثورة؟ **فى رأيى أن العلاقات المصرية الأمريكية ستكون مبنية على مزيد من الإحترام المتبادل، وذلك بفضل الثورة الشبابية التى غيرت مفاهيم كانت سائدة عن الشعب المصرى بأنه لا يثور ومتقبل الأوضاع السائدة، لذا أعتقد أن هذه الثورة جعلت الولاياتالمتحدة تعيد النظر فى طريقة التعامل مع الشعب المصرى الذى هب للمطالبة بحقوقه وبالديمقراطية والحرية وبالتالى أصبح هذا الشعب محل إحترام وتقدير وفرض نفسه على المجتمع الدولى. *ما تقييمك للسياسة الخارجية المصرية فى السنوات العشر الأخيرة؟ **لم تكن فى أفضل حالاتها، فقد إنعكست حالة الرئيس من حيث كبر سنه وعدم رغبته فى التواصل مع الحكام الأفارقة وقصر زيارته على أوروبا فى السياسة الخارجية المصرية و خصوصاً على أفريقيا، وهو ما شاهدنا نتائجه من توقيع دول حوض النيل على الإتفاقية الإطارية بشكل منفرد. *فى ظل هذه التغيرات الإقليمية كيف يمكن حماية أمن مصر القومي؟ **يمكن حماية أمن مصر القومى بإنشاء مجلس للأمن القومى يخطط ويدرس الوضع الذى يؤثر على أمن مصر القومي، ويجب أن نوضح أن أمن مصر لا يقتصر فقط على القضايا العسكرية إنما يشمل قضايا أخرى مثل العلم و الطاقة، فضلا عن قضايا السياسية الخارجية وهو ما يتطلب تنسيقا كبيرا بين الوزارات المختلفة، مثل «قضية مياه النيل» التى يجب ألا تترك لوزارة الرى فقط بل يجب أن تشارك فيها الوزارات المعنية كالخارجية وغيرها، ولذا تنشأ اهمية هذا المجلس من بلورة السياسة الخارجية المصرية والحفاظ على أمنها القومى فى الداخل والخارج. ويتشكل هذا المجلس من رئيس الدولة ومعه رئيس الوزراء بالإضافة إلى الوزارات الرئيسية كالدفاع والخارجية والمالية والداخلية وأى وزراة أخرى حسب متطلبات الموقف المطروح على المجلس ولكن من يقوم بعملية التنسيق هو مستشار الأمن القومى. الدور الإقليمى *فى رأيك كيف يمكن لمصر أن تستعيد دورها الإقليمي؟ **على مصر اليوم أن تجمع العرب فى منظومة واحدة وأن تسعى لإيجاد توافق مع دول الجوار خاصة تركيا وإيران، بالإضافة إلى بناء نظام إقليمى فى المنطقة يقوم على أساس التعاون بين العرب ودول الجوار وإحترام ميثاق الأممالمتحدة وحق الدول فى تقرير مصيرها ورفض إحتلال أراضيها، وأن تقر هذه الدول مبادئ التعايش السلمى بينهم والحفاظ على الأمن والتعاون من أجل الحد من هيمنة إسرائيل على المنطقة بإعتبارها القوى النووية الوحيدة فى المنطقة. *كيف ترى زيارة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف القادمة لأثيوبيا ؟ **زيارة مهمة جدا للنهوض بالعلاقات المصرية الأثيوبية والتوصل إلى حلول للخلافات حول المعاهدة الإطارية وبناء علاقات إقتصادية قوية. *هل تؤيد مطالب بعض المواطنين والمثقفين بتعديل إتفاقية السلام ؟ ** إذا كان الأمر يتصل بتعديل أحد البنود أو بعض البنود فلا مانع من ذلك شرط موافقة الطرفين. *ما هو موقفك من مرشحى الرئاسة؟ **صوتى لن يتحدد إلا وفقا لبرامج المرشحين الانتخابية، فكل الشخصيات المرشحة لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية لها تاريخها السياسى لذا فالفيصل هو برنامج كل منهم. وفى كل الأحوال أتمنى من الرئيس القادم أن تكون لديه القدرة على تعبئة طاقات الشعب المصرى لإحداث طفرة إقتصادية وتعليمية وأن يحافظ على الوحدة الوطنية. *ما النظام الذى يناسب مصر فى الفترة القادمة برلمانى أم رئاسي؟ **من وجهة نظرى أرى أن النظام المختلط مثل النظام الفرنسى أفضل، حيث يوجد رئيس جمهورية يتمتع بصلاحيات كبيرة ولكن يوجد أيضا رئيس وزراء يأتى من خلال نتائج الإنتخابات البرلمانية وله أيضا صلاحيات كبيرة فى إدارة شئون البلاد، وأن يكون للأجهزة التشريعية دور مستقل من حيث الرقابة، فضلا عن وجود مجلس شعب فعال. *لماذا لم تشارك فى أى من الانتخابات التشريعية السابقة ؟ ** بالرغم من أنه طلب منى الترشح فى إنتخابات مجلس الشعب و أن أكون رئيسآ للجنة الشئون الخارجية ، إلا إننى رفضت ذلك لإيمانى بعدم نزاهة الانتخابات التشريعية.