بكل المقاييس كان الأسبوع الماضى بكل ما شهده من أحداث.. أسبوعاً فارقاً فى مسيرة مصر وهى تخطو نحو مستقبل لا تزال ملامحه غامضة وغير واضحة المعالم. أستطيع أن أضيف - دون مبالغة - أن مصر استطاعت خلال هذا الأسبوع الفارق أن تتجاوز أخطارا.. يصعب تحمل آثارها المدمرة.. الأسبوع الماضى كانت أهم أحداثه إثارة.. صدور قرار النائب العام بحبس الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال.. بعد خضوع الثلاثة للتحقيقات الرسمية التى أجريت معهم.. صحيح أن الحالة الصحية للرئيس السابق فرضت بقاءه فى مستشفى شرم الشيخ الدولى.. لكنه من الناحية القانونية محبوس على ذمة التحقيقات.. فى الأسبوع الماضى أيضاً صدرت قرارات حبس رئيس مجلس الشعب السابق ورئيس مجلس الشورى السابق.. وهو حدث لا يقل إثارة.. غير أن الأهم من ذلك كله - من وجهة نظرى - أن الجيش والشعب استطاعا معا خلال الأسبوع الماضى نزع فتيل مؤامرة تستهدف الوقيعة بين الاثنين.. ويعلم الله وحده النتائج المترتبة على وقوع صدام بين الاثنين!.. المشكلة أن خطر الصدام لا يزال قائما.. والمشكلة الأكبر أن هناك أخطاراً أخرى تمثل جميعها تحديات صعبة.. تفرض نفسها على مصر.. وعلى مستقبل مصر!.. أولى هذه المخاطر والتحديات كما اتفقنا.. هى الوقيعة بين الجيش والشعب.. أو بمعنى أدق الوقيعة بين الجيش والمتظاهرين فى ميدان التحرير.. والحقيقة أن محاولات الوقيعة لم تظهر فجأة الأسبوع الماضى.. وإنما سبقتها محاولات بدأت على استحياء ثم راحت تتصاعد بلا حياء!.. وأظننا نذكر ما حدث فى ميدان التحرير قبل أكثر من أسبوعين عندما قامت قوات من الشرطة العسكرية بإخلاء ميدان التحرير ليلاً بالقوة وعلى الرغم من أن كثيرين أعربوا عن موافقتهم على ذلك إلا أن البعض انتهز الحادث وراحوا يوجهون انتقادات للجيش خلال أحاديث ومداخلات تليفزيونية.. ثم تطور الأمر فظهرت مقالات صحفية تنتقد أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتزعم أن الجيش يمارس عمليات قمع وتعذيب لبعض الشباب.. ووصلت المزاعم إلى حد اتهام الجيش بالقبض على الفتيات والكشف عن عذريتهن من خلال جنود يرتدون ملابس الأطباء!.. وتطورت الأمور أكثر بظهور انتقادات حادة للجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة على بعض مواقع شبكة الإنترنت.. وأظننا نعرف أن الجيش قام بالفعل بالقبض على واحد من أصحاب هذه المواقع ومحاكمته عسكرياً بتهمة إهانة الجيش المصرى.. غير أن التطور الأخطر والأهم كان خلال الأسبوع الماضى أو بالتحديد قبل أن يبدأ هذا الأسبوع بيومين أو ثلاثة.. راحت الاتهامات للجيش ومجلسه الأعلى تتصاعد وطالب البعض بأن يعود الجيش لثكناته وأن يتولى إدارة البلاد مجلس رئاسى مدنى من أربعة شخصيات.. لا مانع من أن يضم إليه شخصية عسكرية.. واتهم البعض المجلس الأعلى بمساندة النظام القديم.. واتهمه البعض الآخر بأن له ميولاً إخوانية!.. وزاد الطين بلة ما ظهر من أنباء وأخبار على بعض مواقع شبكة الإنترنت تتحدث عن ضباط شبان ثائرين أعلنوا أنهم سينضمون إلى المتظاهرين فى ميدان التحرير!.. وبالفعل قامت مجموعة ترتدى الزى العسكرى لا يزيد عددها على خمسة عشر شخصا.. إما أنها تنتمى للجيش أو تنتحل الصفة العسكرية.. قامت بالذهاب إلى ميدان التحرير واعتلاء المنصة خلال التظاهرة المليونية وراحت تهاجم قيادة الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وهو ما حاول بعض المتظاهرين منعه لما لمسوه من خطر الفتنة!.. وتطورت الأمور أكثر باعتصام مجموعة من المتظاهرين لم تستجب لنداءات الجيش بضرورة إخلاء الميدان - على الأقل احتراماً لفرض حظر التجول.. وكان غريبا أن ينضم هؤلاء الذين يرتدون الزى العسكرى لهؤلاء المعتصمين!.. وأظن أن الجيش واجه مأزقا صعبا.. هل يخلى الميدان بالقوة مع احتمال سقوط ضحايا.. مع ما يمكن أن يصحب ذلك من فوضى.. أم يترك الميدان تحت سيطرة هؤلاء الخارجين على القانون؟!.. حاولت بعض القوى السياسية إقناع المعتصمين بإخلاء الميدان.. بعض شباب الثورة حاولوا أيضاً إقناعهم.. دون جدوى.. وبدا أن الأمور تسير إلى أزمة حقيقية يمكن بسهولة أن تتطور إلى فتنة كبرى!.. وجاء الفرج على يد الاثنين - الجيش والشعب - عندما توجه عدد كبير من المواطنين مع مجموعة من ضباط وجنود الشرطة العسكرية وقاموا بإخلاء الميدان.. وانزاحت الغُمة التى كان من الممكن أن تهدد الاستقرار أكثر بكثير مما نتصور.. وأصدرت مجموعة من شباب الثورة اعتذارا للجيش عن الإساءة التى لحقت به.. وأكد بعضهم أن قرار إخلاء الميدان يأتى تحقيقاً لمطالب الثورة.. وقرر ائتلاف شباب الثورة إلغاء المظاهرة المليونية التى كان مقررا تنظيمها أمس الجمعة الموافق 15 أبريل.. وقالوا إنه لم يعد هناك مبرر لهذه المظاهرة بعد أن تحققت مطالبهم وخوفا من أن تندس مجموعة أخرى من المخربين لإثارة فتنة جديدة!.. انصاع الجميع لصوت العقل والحكمة واستطاعوا إخماد الفتنة الكبرى.. وأعرب الشباب وكل القوى السياسية عن تمسكها بالجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. ورفضت هذه القوى السياسية نظرية الفصل بين الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. والتى راح البعض يرددها مؤخراً بدعوى أن المجلس الأعلى يمكن انتقاده سياسيا لكن وضع الجيش مختلف!.. المهم أن الفتنة ماتت.. لكن هل تسلم الجرة كل مرة؟!.. المشكلة أن هناك مخاطر أخرى وفتنًا أخرى!.. *** تمثل الفتنة الطائفية واحدة من المخاطر التى تهدد مصر واستقرارها.. أظننا نذكر واقعة كنيسة «صول» التى كادت أن تعصف بالبلاد.. الجيش فى الحقيقة لعب دورا محوريا فى مواجهة آثار هذا الحادث عندما أعلن أنه سيقوم ببناء كنيسة صول بأطفيح.. وهو ما شكك فيه البعض!.. الأيام أثبتت حُسن نوايا الجيش وحرصه على الوفاء بوعده، ففى فترة زمنية تقل عن شهر استطاعت الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة الانتهاء من بناء الكنيسة الجديدة بأحسن مما كانت عشرات المرات.. وأظن أننا جميعاً شاهدنا بأعيننا صور ومشاهد الكنيسة الجديدة وتابعنا فرحة المواطنين الأقباط بأطفيح بها.. خلال الفترة التى أعقبت حادث كنيسة أطفيح تفجرت عدة أزمات بين المسلمين والمسيحيين راح ضحيتها مواطنون من الجانبين.. الجيش كالعادة لعب دورا فى احتواء هذه الأزمات وحاول قدر الإمكان السيطرة عليها.. لكن ذلك لم يمنع من سقوط الضحايا!.. الغريب أن الجيش كان محل اتهام الطرفين.. المسلمين والمسيحيين!.. سمعت واحدا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحكى عن واقعة «الزرايب» التى سقط خلالها سبعة مسيحيين وستة مسلمين قتلى!.. سمعته يقول إن المسيحيين راحوا يتهمون أفراد القوات المسلحة التى حاولت أن تفصل بين الجانبين بانحيازهم للمسلمين.. وفى نفس الوقت كان المسلمون يتهمونهم بالانحياز للمسيحيين!.. مشكلة كنيسة أطفيح انتهت.. ومشكلة حادث الزرايب انتهت.. لكن المشكلة أن الفتنة الطائفية جاهزة للاشتعال فى أى وقت.. والجيش يعرف أن الذين يستهدفون استقرار مصر والذين يعملون لاستمرار الفوضى يجدون باب الفتنة الطائفية أسهل الأبواب لتنفيذ مخططاتهم.. يزيد الطين بلة ما حدث ويحدث من بعض التيارات الدينية التى تشعل الخوف بممارستها وتجعل الفتنة الطائفية قنبلة جاهزة للانفجار.. ثم هناك تحد أكبر وأخطر أصبح من الواجب أن ننتبه إليه.. قبل فوات الأوان!.. *** قرأت تصريحاً للدكتور أحمد البرعى وزير القوى العاملة لا أعرف لماذا لم يلق الاهتمام الكافى؟!.. الدكتور البرعى قال فى كلمة ألقاها فى مؤتمر المجالس التصديرية إن هناك ثورة جياع قادمة.. لا محالة!.. ثورة جياع قادمة.. لا محالة.. هكذا قال الدكتور البرعى بالحرف الواحد!.. الذى أعرفه أن احتياطى النقد الاجنبى كان 36 مليار دولار انخفض خلال فترة الثورة إلى 30 مليار دولاراً فقط.. معنى ذلك أننا أنفقنا من هذا الاحتياطى 6 مليارات دولاراً فى أقل من شهرين.. وبالطبع لم ننفق هذا المبلغ الضخم على بناء مشروعات جديدة أو إنشاء مصانع إنتاجية وغيرها.. وإنما استخدمنا هذا المبلغ فى توفير الطعام والدواء وما شابه.. وليس خافيا على أحد أن استمرار السحب من الاحتياطى النقدى بهذا المعدل يمكن معه أن تعلن مصر إفلاسها نهاية العام!.. وأعود إلى الدكتور البرعى وتصريحاته التى نعرف منها أن عجز الموازنة ارتفع فى الفترة الأخيرة بنسبة 9.4%.. وأن معدلات السياحة انخفضت إلى النصف تقريبا.. وأن هناك خمسة ملايين شاب عاطل لا يصلح نصفهم لسوق العمل باعتبارهم من خريجى الكليات النظرية.. والسؤال: (من عندى وليس من عند الدكتور البرعى) هل يستوعب سوق العمل النصف الآخر فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد؟!.. ثم إننا جميعا نعرف - بعيدا عن تصريحات الدكتور البرعى- أن عجلة الإنتاج إما أنها متوقفة أو تسير فى مكانها!.. خطر عظيم حان الوقت لكى ننتبه له!.. *** مصر تواجه خطرا حقيقيا.. خطر الفتنة الطائفية وخطر الصدام بين الجيش والشعب.. وخطر الجوع الذى تحدث عنه الدكتور البرعى.. مصر تحتاجنا جميعا.. فلماذا نتقاعس عن تلبية النداء؟!..