بحكم طبيعة عملى ككاتبة صحفية لأكثر من نصف عمرى فى مجلة أكتوبر.. دعيت إلى كثير من الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية والمحاضرات العلمية والسيمنارات والمهرجانات.. مرارا وتكرارا، وكنت أشارك بمنتهى الجدية.. ويدور النقاش فى كل مشاكل مصر الحياتية، من أول مشكلات الأطفال فى بطون أمهاتهم وحتى يخرجوا للحياة.. لبن الأم واللبن الصناعى ومشكلات تربية الطفل والحضانة ونفسية الطفل وثقافة الطفل وكتبه ومدارسه والمشكلات التعليمية ونوعية أكله وشربه.. وعمالة الأطفال ثم قضية أطفال الشوارع والأحداث.. ثم حدث ولا حرج المشكلات العويصة كرغيف الخبز وتحسين رغيف الخبز والصحة والمشكلات المتعلقة بالأمراض المزمنة والمتوطنة والسكان والمؤتمرات الدولية لصحة المرأة ورعايتها.. والحلقات النقاشية لإصلاح التعليم وإصلاح الأخلاق وإصلاح الطرق وإصلاح عقول الناس.. وأزمات ومشكلات النظافة فى مدن مصر الجميلة.. ومؤتمرات التخطيط لمواجهة الكوارث ومعالجتها قبل أن تقع، ومشكلات وقضايا الناس المهمشين والدخول البسيطة التى لا تعيش بها الحيوانات حتى.. وأنفلونزا الدواجن والخنازير من بعدها.. وأعتقد ليس هناك إحصائية ترصد لنا عدد كل المؤتمرات والندوات والحلقات فى السنة.. ولا أبالغ إن قلت إنها مئات فى كل مجال وتخصص.. كلام.. كلام.. كلام، والكل يتكلم.. دكاترة وباحثون وخبراء وأطباء وعلماء ووزراء ومثقفون.. والكل يدلى بدلوه.. وهات يا كلام وهات يا آراء وهات يا مقترحات وهات يا مناقشات ونتائج وتوصيات وحلول ممتازة.. وشوف الدكتور الفلانى والعلانى قال إيه والخبير المتخصص المعضل حل المشكلة العويصة.. الرجل قال (بُقين حلوين) وحط إيده على العلاج.. وأكلنا وشربنا الباتيه والكرواسون وحلينا.. وانصرف الأساتذة الصحفيون وهات يا كتابة وتصوير وانفض المؤتمر وخلص الكلام وكل واحد عاد لبيته ونام سعيد وفرحان بعد أن قال وعاد ونصح واستعرض كل عضلاته.. وخلص السامر واحنا كتبنا ونشرنا وبعد ذلك يترمى الورق فى الزبالة.. ويا دار مادخلك شر.. وترجع ريمه لعادتها القديمة.. ولا مشكلة حلت ولا بحث استفاد منه ولا قضية انتهت من جذورها ولا أنقذ مجتمع من مشكلة مؤرقة فى حياته.. ولا حاجة.. احنا بتوع الكلام.. نتكلم فقط ونوصف فقط وممكن نألف ونلحن أغانى ونغنى.. والناس هاصوا وخرجوا.. لكن قدمنا حلاً حقيقياً.. قمنا بالحل، قضينا على مشكلة من جذورها، أوقفنا كارثة أو خطراً.. نحن شعب نجيد الكلام.. لكن أقل ما نجيد الفعل.. لابد من ترسيخ ثقافة الفعل والعمل والإنجاز، بلدنا تحتاج منا ما هو أكثر من الكلام تحتاج إلى الإنجاز.. كل فرد مصرى لو قام بدوره فى موقعه بجدية وإخلاص وتفانى لحلت كثير من مشاكلنا.. نحن نريد صحوة من المخلصين فى هذا البلد المحبين بجد لهذا الوطن وتراب هذا الوطن أن يرفضوا الكلام والمهاترات الكلامية ويرفعوا شعار الأفعال الإنجاز وليس (شوهات الكلام) وسياسة البقين الحلوين اللى قالهم فلان وعلان.. ولأكثر من عشر سنوات وأنا لا أشارك لا فى ندوة ولا غدوة.. لا من بعيد ولا من قريب، ومما لا شك أن هناك كثيراً من العلماء والمتخصصين والخبراء والباحثين فى كل مكان يعملون فى صمت ويقدمون كثير من الحلول لأكثر مشاكلنا صعوبة ولكن يحتاجون لمن يبحث عنهم ولا يريدون الشوهات الإعلامية.. وهؤلاء فعلاً بتوع الشغل والعمل بغير طنطنه ولا غنى ولا عبارات رنانة.. هم الذين يعملون فى صمت ويحبون هذا البلد بإخلاص.. تعبنا من الكلام وصناع الكلام.. نريد كل مواطن مصرى أن يقدم كل ما لديه من جهد ويشارك مشاركة فعالة فى بناء هذا الوطن بلا كلام.