على الرغم من الخسائر البشرية والمادية الجسيمة التى تكبدتها اليابان من جراء الزلزال المدمر الذى ضرب شمال شرق البلاد وما تبعه من موجات مد بحرى عاتية وصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار وهزات ارتدادية وصلت قوة العشرات منها إلى ست درجات أو أعلى على مقياس ريختر، إلا أن ذلك لا يعبر عن حجم الكارثة التى تعرضت لها اليابان والتى خففت من حدتها الإجراءات الاحترازية حيث تعتبر اليابان من أفضل دول العالم استعدادا لمواجهة الزلازل والتسونامى وإن كانت المخاطر التى حاصرت السكان بسبب التسرب الإشعاعى والانفجارات التى وقعت بمحطة فوكوشيما النووية سلطت الضوء على تجاهل الحكومات اليابانية المتعاقبة للتحذيرات الخاصة بسلامة المفاعلات وأثارت الجدل مجددا بشأن الأمان النووى. وتعد الكارثة التى ضربت اليابان فى الحادى عشر من مارس الحالى الأقوى منذ موجة تسونامى الذى ضرب الدول المطلة على المحيط الهندى فى ديسمبر 2004 وخلف 230 ألف قتيل، فالزلزال المدمر الذى يعتبر الأعنف فى تاريخ اليابان حيث بلغت قوته 8.9 درجة على مقياس ريختر تسبب فى إزاحة جزيرة اليابان الرئيسية بواقع 2،4 متر عن موقعها وتحول الأرض عن محورها بقرابة 4 بوصات (10 سنتيمترات). وقد أدى إلى تحول مناطق بأكملها باليابان إلى مجرد حطام متراكم نتيجة لموجة تسونامى التى جرفت كل شىء فى طريقها، وكذلك تدمير الطرقات وتضرر عشرات الآلاف من المبانى فى المناطق التى تأثرت بالزلزال، إضافة إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص ونزوح مئات الآلاف. وكارثة بهذا الحجم كان من الممكن أن تتسبب فى خسائر أكبر من ذلك بكثير لولا الاستعدادات اليابانية لمواجهة الزلازل والتسونامى. فبعد زلزال كوبى عام 1995 والذى أسفر عن مقتل 6 آلاف شخص وإصابة 26 ألفا، خصصت اليابان موارد هائلة لحماية البنايات وتحديث المبانى القديمة والضعيفة. وأنفقت كذلك مليارات الدولارات على تطوير أحدث الوسائل التكنولوجية لمواجهة الزلازل والتسونامى. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، أحرزت اليابان تقدما أكبر مما حققته الولاياتالمتحدة فى تزويد البنايات الجديدة بوسائل تكنولوجية يطلق عليها وسائد العزل ووحدات تبديد الطاقة لتقليل اهتزاز الأرض أثناء الزلازل مما جعل البنايات اليابانية الحديثة من أقوى المبانى فى العالم فى مواجهة الزلازل. وتتكون وسائل العزل من وسائد ضخمة من المطاط والفولاذ يتم تثبيتها أسفل الحفرة الأساسية للبناية، أما وحدات تبديد الطاقة فيتم تركيبها داخل هيكل البناية وهى عبارة عن اسطوانات هيدروليكية تتمدد وتنكمش مع تمايل البناية فتمتص بذلك الاهتزازات. كما شيدت اليابان فى الكثير من الشواطئ مصدات خراسانية يصل ارتفاع بعضها إلى 40 قدما. وقد امتصت مصدات الشواطئ جزءا من أمواج التسونامى الأخير، فضلا عن التدريبات على مواجهة الزلازل والتسونامى التى اعتادها المواطن اليابانى والتى أنقذت حياة الكثيرين، حيث أشارت التقارير الإخبارية التى وردت فى وسائل الإعلام اليابانية إلى أن كثيرين ممن تم إدراجهم فى البداية على قائمة المفقودين وجدوا فيما بعد فى المدارس ومراكز التجمع فى مناطق أخرى، مما يدل على فاعلية برنامج التوعية بإجراءات مواجهة التسونامى وتدريبات الإخلاء، وما يساعد اليابانيين على سرعة التصرف أثناء الزلازل هو تمتع اليابان بنظام متطور للإنذار المبكر من الزلازل والتسونامى. ففى حالة رصد أى نشاط زلزالى يصدر إنذار خلال 3 دقائق من تحديد طبيعته ويتم إخلاء السكان بالمناطق المهددة خلال 10 دقائق على الأكثر. وذكرت مجلة «ساينس» أن هذه النظم ساهمت فى إنقاذ آلاف الأرواح فى الحدث اليابانى الأخير، بالإضافة إلى ذلك تفرض اليابان قوانين للبناء هى الأشد صرامة فى العالم. والتى تشدد على أمور محددة مثل مدى تمايل البناية أثناء الزلزال فالمبانى اليابانية، حسبما تقول نيويورك تايمز تبدو أقوى وأكثر متانة من المبانى فى المناطق المعرضة لخطر الزلازل فى ولاية كاليفورنيا الأمريكية، فبينما تركز الولاياتالمتحدة على الوقاية من الانهيار، تركز اليابان على تجنب وقوع أى أضرار بالغة قد تلحق بالمبانى نتيجة للتمايل. ومع ذلك فإن التسرب الإشعاعى والانفجارت التى وقعت بمحطة فوكوشيما كشف عن تجاهل الحكومات اليابانية المتعاقبة وقطاع صناعة الطاقة للتحذيرات التى أكدت أن المفاعلات النووية فى اليابان قابلة للتعرض للخطر الناتج عن الزلازل المدمرة، خاصة أن هناك ثلاث حوادث كانت قد وقعت بمفاعلات البلاد فى الفترة ما بين عامى 2005 و2007 نتيجة لتعرضها لزلازل أحدثت هزات أرضية أقوى من تلك التى صممت المفاعلات لتحملها، إلا أنه لم يتم اتخاذ أى إجراء فى أعقاب أى من تلك الحوادث. فالتقديرات الأولية لما حدث فى محطة فوكوشيما أشارت إلى عدم الانتباه بشكل كاف إلى خطر موجات التسونامى والتى أدت إلى تدمير المولدات الكهربائية مما أدى بدوره إلى تعطل نظام التبريد بالمفاعلات بالمحطة.