أصبح مطلبا شعبيا وجماهيريا أن يعرف الناس اتجاه بوصلة حكومة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الجديد.. لكى نعرف جميعا إلى أين نحن سائرون؟.. الدكتور عصام شرف فى الواقع جاء إلى موقعه بمحصلة انتخاب غير رسمى من جانب الشعب.. وقرار رسمى من جانب القائمين الآن على أمور الشعب.. فمنذ اللحظة الأولى التى تم فيها الإعلان عن اختياره لرئاسة الحكومة.. حظى هذا الاختيار بتوافق شعبى كبير مع بعض الاستثناء القليل.. وعندما كلفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة رسميا بتولى رئاسة الوزارة فقد كان قرار تكليفه بالطبع انعكاسا لثقة الجيش فيه.. وقد يتصور البعض أن الطريقة التى جاء بها الدكتور عصام شرف تجعل مهمته سهلة، وتجعل مهمة حكومته ميسورة.. لكن ذلك فى الحقيقة لا يبدو صحيحا، فالرجل الذى يحظى بالثقة على المستوى الرسمى وعلى المستوى الشعبى لابد وأنه يدرك أن سقف التوقعات لأداء حكومته قد ارتفع كثيراً.. فى كل الأحوال فإن الرجل الذى اختاره الشعب وكلفه الجيش أمام مهمة صعبة إن لم تكن شديدة الصعوبة.. وفى كل الأحوال فإن حجم الآمال المنعقدة على حكومته أكبر بكثير مما يتصور هو شخصيا.. وفى كل الأحوال أصبح لزاما على الدكتور عصام شرف وحكومته تحديد اتجاه البوصلة التى ستتحرك من خلالها الحكومة خلال الفترة القادمة.. وفى كل الأحوال كان لابد أن يتكلم الدكتور عصام شرف.. حتى نراه!.. وعندما وجّه الدكتور عصام شرف الدعوة لأجهزة الإعلام المقروءة والمرئية فقد تكلم.. ورأيناه!.. الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء حرص على أن يصطحب معه فى اللقاء عددا من وزراء حكومته.. الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء والدكتور سمير رضوان وزير المالية واللواء منصور العيسوى وزير الداخلية والدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالى والدكتور أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم.. وبعد أن تكلم هو ومن بعده الوزراء الذين صاحبوه أصبح واضحا أن الحكومة تركز جهودها فى الفترة الحالية على أمرين اثنين.. الأمر الأول هو استعادة الأمن الغائب واستعادة هيبة الدولة معه.. والأمر الثانى هو إعادة تدوير عجلة الإنتاج التى توقفت تماماً!.. لا يعنى ذلك أنه ليست هناك ملفات كثيرة ومهام صعبة أخرى تشغل الحكومة وتحاول أن تقطع فيها شوطا كبيرا.. لكن الحقيقة أن الحكومة تعتبر أن أهم ملفاتها ومسئولياتها الأولى قضيتان أساسيتان.. الأمن والاقتصاد.. وكان طبيعيا أن تحظى هاتان القضيتان بنصيب الأسد من كلام رئيس الوزراء والوزراء المصاحبين له. *** بالنسبة لقضية الأمن فقد ركّز رئيس الوزراء على عدد محدود من النقاط يمكن تلخيصها فى الآتى: * أمن الوطن أصبح ضرورة تلزم الجميع بالحفاظ عليه والتحرك من أجل تحقيقه. * إن الحكومة الحالية وأى حكومة لا تستطيع أن تتحرك على أى محور سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا بدون استعادة الأمن وبدون تحقيق أمن الوطن. * إن ما يحدث الآن من فوضى فى الشارع يعتبر خطوات ممنهجة ومرتبة هدفها زعزعة أمن الوطن. * أن المظاهرات الفئوية وإن كانت تعبر من مطالب ومظالم معظمها صحيح.. لكن من الواضح أن هناك إصرارا غريبا على استمرار هذه المظاهرات وتصعيدها وهو ما يعنى أن هناك أهدافا أخرى وراءها.. * أن أحد مظاهر الانفلات الأمنى إحداث الفتنة الطائفية التى بدأت تطل بوجهها القبيح على مصر.. ومع الاعتراف بأن مشكلة الفتنة الطائفية ليست وليدة اليوم وإنما هى نتاج تراكمات قديمة.. لكن ما يدور الآن فى الشارع المصرى يؤكد أن المسألة أكبر من أن تكون فتنة طائفية.. * أن استعادة الأمن لن تتحقق إلا بتواجد أمنى مكثف لابد أن نسانده ونشجعه. ويستكمل الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء الحديث فى نفس الاتجاه فيقول إن مصر ومنذ أيام محمد على لم تمر بمرحلة أكثر حرجاً من الفترة الحالية.. وأننا نواجه الآن ما يعرف بالثورة المضادة التى تقودها بعض الجهات فى الداخل.. وإن كان ذلك لا ينفى أن هناك أيادى خارجية وراء بعضها.. أيادى وقوى خارجية يهمها ألا تظل مصر قوية.. وتحدث نائب رئيس الوزراء بصراحة أكبر فقال إن ثورة 25 يناير كانت ثورة شريفة نظيفة.. لكن الذين يتحركون الآن فى الشارع ليسوا كلهم من الشرفاء!.. وأضاف أن المظاهرات الفئوية تثير الشكوك بشدة حول أهدافها الحقيقية لأن الكثير منها يحمل مطالب غير معقولة وغير منطقية.. ويضرب مثلاً بمظاهرات عمال النقل العام الذين كانوا يتحدثون عن مطالب يتكلف تحقيقها 100 مليون جنيه.. لكنهم عادوا فى نفس اليوم يتحدثون عن مطالب أخرى يتكلف تحقيقها 500 مليون جنيه!.. الدكتور سمير رضوان وزير المالية ضرب مثلاً آخر فقال إن موظفى الضرائب طلبوا منه تخصيص نسبة 5% من حصيلة الضرائب فى مصر يتولون هم توزيعها كحوافز وأجور ومكافآت (!!!).. ويجىء الدور على وزير الداخلية منصور عيسوى للتحدث عن الأمن فيقول إن أجهزة الشرطة بدأت بالفعل فى التواجد فى الشارع المصرى وأن هناك دوريات مسلحة ومتحركة متواجدة الآن بالطرق والمحاور الرئيسية كالطرق الدائرية لتأمينها والتعامل مع البلطجية وقطاع الطرق.. وأنه سيتم حالياً إعادة صياغة جهاز أمن الدولة لتصبح مهمته مقصورة على مكافحة الإرهاب والتجسس.. أما مسألة إلغاء هذا الجهاز فهى مرفوضة تماماً.. وأشار وزير الداخلية إلى توجيه الدعوة للمواطنين لتسليم ما لديهم من أسلحة مع تعهد بعدم ملاحقتهم جنائياً وتسليم المسجونين الهاربين لأنفسهم مع وعد بتخفيف العقوبات عليهم.. وتحدث وزير الداخلية عن مشكلة ضباط الشرطة فقال إن معظمهم كانوا غير متواجدين فى أقسام الشرطة وغيرها لأنهم يحاسبون جنائيا على قيامهم باستخدام الأسلحة فى الدفاع عن أنفسهم والمنشآت الموجودين فيها.. وقال إن هذه مسألة مهمة وضرورية وأنه لابد أن يتم التعامل معهم بمنطق حق الدفاع الشرعى عن أنفسهم.. ويعقب رئيس الوزراء فيقول إن هناك ضباطا شرفاء استشهدوا وهم يدافعون عن أنفسهم وعن منشآتهم.. ويشير وزير الداخلية إلى صعوبة المهمة فيقول إن كل أعداد القوات النظامية لجهاز الشرطة لا تتجاوز 292 ألف عسكرى وأن كل أعداد قوات الأمن المركزى لا تزيد على 170 ألف عسكرى.. وليسوا بالملايين كما تردد أجهزة الإعلام!.. وكما اختتم وزير الداخلية حديثه عن الأمن بالأرقام.. بدأ وزير المالية حديثه عن الاقتصاد بالأرقام!.. *** بدأ الدكتور سمير رضوان وزير المالية حديثه عن الأزمة الاقتصادية فقال إنها بدأت تثير القلق!.. وراح يتحدث بالأرقام عن هذه الأزمة فقال الكثير: * قال إن بعثة صندوق النقد الدولى غادرت مصر يوم 24 يناير الماضى وهى تؤكد أن معدل النمو المتوقع هذا العام يتراوح ما بين 5.8 إلى 6 فى المائة.. لكن كل التقديرات الحالية تشير إلى أنها لن تزيد على 3.5 إلى 4%.. أما فى حالة استمرار الفوضى والإضرابات والاعتصامات فمن الممكن ألا تتجاوز هذه النسبة 3%. * وقال إن أداء الموازنة العامة كان قبل الثورة جيداً وأنه ظل كذلك ولم يكن هناك تأثير على عجز الموازنة رغم حزمة الإجراءات التى اتخذت كتأجيل الجمارك والضرائب وضرائب المبيعات.. لكن مع تصاعد الطلبات الفئوية واستمرار الفوضى العشوائية بدأت الموازنة العامة تتأثر.. عجز الموازنة بدأ فى الارتفاع حتى وصل الآن إلى 8.5% ومن الممكن أن يصل إلى 10%.. وهو أمر يثير المخاوف!.. * وقال إن التضخم بدأ يزيد.. صحيح أن البنك المركزى نتيجة سياساته الحكيمة استطاع امتصاص الصدمة الأولى عن طريق اللجوء إلى الاحتياطى الجانبى وغير المعلن.. لكنه بدأ الآن يستعمل الاحتياطى المعلن.. وأضاف أننا نواجه الآن عجزاً فى ميزان المدفوعات وصل إلى 3 مليارات دولار وأن صادراتنا انخفضت بنسبة 40% فى الوقت الذى لم تنقص فيه وارداتنا ومن ثم فإن قيمة الجنيه يمكن أن تنخفض!.. * وقال إن خسائر البورصة كانت كبيرة نتيجة الأحداث وأن التوقعات تشير إلى أنه عند إعادة فتح البورصة فإن الصدمة الأولى يمكن أن تسبب خسائر تتراوح ما بين مليار إلى مليار ونصف المليار جنيه.. ومع ذلك فإننا مضطرون لإعادة فتح البورصة لأننا نواجه خطر الشطب من البيوت المالية العالمية.. * وقال إن الصورة ليست كلها قاتمة فهناك جهات خارجية كثيرة تبدى استعدادها لضخ استثمارات فى مصر وأن المصريين فى الخارج يتساءلون كيف نساعد مصر اقتصاديا؟.. كما أن البنية الاقتصادية الأساسية فى مصر سليمة ولم تتحطم.. لكن كل ذلك لا قيمة له إذا استمرت حالة عدم الاستقرار واستمرت الفوضى.. * وقال إن هناك مخاوف لدى المستثمرين الأجانب من تغيير هوية الاقتصاد المصرى ومن ثم لابد من التأكيد على أننا دولة تعتمد على القطاع الخاص بمساندة الحكومة وأننا جادون فعلاً فى تحقيق العدالة الاجتماعية.. *** ويتحدث وزيرا التعليم العالى والتربية والتعليم عن اتجاهات الحكومة فى التعامل مع القضية التعليمية فيؤكدان أن هناك حرصا وإصرارا على استمرار الدراسة واستكمال العام الدراسى.. وأن طلبة الجامعات أبدوا رغبتهم فى استمرار الدراسة.. وفيما يتعلق بالتعليم ما قبل الجامعى فقد أكد وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد جمال الدين على أن الوزارة ستعمل على تخفيف المناهج ولن تحمل التلاميذ أعباء ما حدث وما ترتب عليه من انقطاع جبرى عن الدراسة.. كما أشار إلى قضية تطوير التعليم وقال إن هناك توافقا داخل الحكومة على إعطاء العملية التعليمية ميزانية أكبر لتحقيق هذا التطوير.. *** كان هناك من يطالب بمنح حكومة الدكتور شفيق الفرصة لكن ضغوط الشارع أدت إلى تغيير الحكومة.. وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة تحظى بتأييد واسع لكن ما زال هناك من يعترض عليها.. فهل حان الوقت لكى نستمع جميعاً لصوت العقل والحكمة ونمنحها فرصة معقولة.. أم نظل داخل نفس الدائرة المغلقة؟!..