هناك الكثير من الشعوب تريد أن تتحرر، وتتخلص من ديكتاتورية حكامها، لكنها تحسب للمجهول ألف حساب، والمجهول هنا هو الذى يوقعها فى براثن الفوضى والخطر! ولعل تجربة العراق مازالت عالقة فى الأذهان، حين سقط الديكتاتور صدام حسين، الذى كان نموذجا صارخا للاستبداد والظلم والتنكيل بشعبه، لكنه حين سقط وعمت الفوضى أرجاء العراق، خرج الكثيرون يترحمون على أيام صدام حسين رغم كل ما لاقاه الشعب العراقى على يد هذا الديكتاتور! فإذا ما طالعنا المشهد المصرى، نجد أن الثورة فى مصر حققت خطوات رائعة، تصل إلى درجة الإعجاز على طريق التغيير والحرية، لكن غياب الأمن وتردى الأوضاع الإدارية، والمخاطر التى تحيط بنا من كل جانب، وحالة الاستهتار المتعمد- يجعلنا لا نستطيع أن ننعم بما حققته تلك الثورة! إن أى شعب فى الدنيا مطالبه الأساسية هى غذاؤه وأمنه أولا وقبل كل شيء وأى شىء، حتى ولو كانت الحرية والعدالة والمستقبل الواعد. أما الأهداف الكبرى فقد تركت للثوار والمتطلعين إلى المستقبل! لهذا فإننى أخشى أن تتحول الثورة إلى نقمة، بعد أن أصبح الأمن غائبا والفوضى تعم الكثير من شتى مناحى الحياة، والناس بدأت تترحم على أيام كانت تنعم فيها بالأمن، حتى ولو على حساب رغد العيش أو حتى الحرية! إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة، وهذا أكثر ما يخيفنى على تلك الثورة، وأنا أعلم أن كتائب النفاق أصبح شغلها الشاغل هو التطبيل والتزمير لشباب الثورة، ولكل ما يقولون أو يفعلون، دون لفت أنظارهم لما يحيق بهذا البلد من خطر، نتيجة لتلك الفوضى التى تشهدها كل المؤسسات تقريبا، والأمن الغائب، واختلاط الحابل بالنابل والانفلات المقيت! صحيح أن لكل إنجاز إيجابياته وسلبياته، كما أنه لكل ثورة مكاسبها وخسائرها، لكن أى حسابات فى الدنيا إذا زادت فيها الخسائر عن المكاسب، فالنتيجة هى الفشل! نحن لا نريد لشعبنا أن يكفر بالثورة، وأن يتمنى حكما ظالما، أو ينساق إلى دعاة العودة إلى الوراء، بدلا من أن يتطلع لمستقبل واعد يليق به وبتاريخه. نحن يا سادة فى حاجة ماسة لتوافر الأمن، والجيش وحده لن يستطيع أن يغطى ربوع مصر أمنيا، والشعب لن يتحمل، تلك الفوضى كثيرا!