مثلما كان الصخب والضجيج حول غزة مقصودا لتأكيد المخاطر الأمنية والتمهيد لمبررات الرد الإسرائيلى بما قد يدفع الفلسطينين للتهدئة بالنسبة لإطلاق قذائف فى اتجاه إسرائيل، فإن العودة للتهدئة خلال الفترة الحالية قد أصبحت مقصودة أيضا وهى تهدئة تهدف بالأساس إلى تفريغ الجهود السياسية من أى مضمون بنائى للتفاوض والمحادثات من ناحية وكذلك تفريغ الجهود الفلسطينية للتحرك لمواجهة إسرائيل من خلال مجلس الأمن. ولعل إسرائيل قد وجدت كذلك فى أحداث تونس الأخيرة ذريعة لعدم الاتجاه لإبداء أى قدر من المرونة وذلك من خلال مبادرة رئيس الوزراء الإسرائيلى بالإشارة إلى أن عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط يؤكد ضرورة سعى إسرائيل للحصول على شروط أمنية فى حالة إنجاز أية معاهدة مع الفلسطينيين. ومع تحذير باراك للفلسطينيين من أهمية عدم اختبار قدرة الرد الإسرائيلى فقد وضح ان هناك مبررات للتراخى والتراجع الإسرائيلى تمشت معها عودة واشنطن إلى أسلوب حماية إسرائيل ضد التحركات الفلسطينية المحتملة على المستوى الدولى وخاصة فى مجلس الأمن وهو ما عبر عنه كذلك «صائب عريقات» عقب محادثاته الأخيرة فى واشنطن من قيام مسئوليها بطلب عدم طرح مشروع فلسطينى يدين الاستيطان على مجلس الأمن وذلك من واقع ما تشير إليه واشنطن دائما من عدم رغبة فى التأثير على الجهود الأمريكية للسلام. وإن كان ذلك يأتى فى وقت أصبح فيه نتنياهو يركز على عدم وجود شريك فلسطينى للسلام كما يركز أيضا على أن الفلسطينيين يقومون بكل ما وسعهم الجهد لعدم الوصول للسلام. وفى ظل المناخ السابق فإن منطلقات الموقف الإسرائيلى مازالت تشير إلى تأكيد الصلابة الأمنية فى مواجهة أى تحرك فعلى لأعمال المقاومة الفلسطينية من ناحية مع سد الطريق أمام إمكانات التحرك الإيجابى فى المجال الدولى كذلك فى الوقت الذى قد تشكل فيه التحركات الأمريكية قناعا يحمى تحركات إسرائيل الفعلية على مستوى النزاع ولاسيما محاولاتها التركيز على إقامة حقائق جديدة فى مدينة القدس فى الفترة الأخيرة. وقد وضح تحرك إسرائيل معتمدا على طرح العديد من الخطط و الإجراءات التنفيذية ومنها مؤخرا ما يلى: ? تصديق الكنيست فى قراءة أولى على مشروع قانون لجعل القدس مدينة ذات أولوية وطنية وبما يعنى تخصيص بعض الميزانيات لتطويرها بغرض إقامة أحياء جديدة بها. ? ما أشار إليه تقرير مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية فى المناطق المحتلة «أوتشا» من أن السلطات الإسرائيلية تواصل عمليات الهدم فى القدسالشرقية وإشارته إلى هدم 13 مبنى فلسطينيا دون الحصول على تراخيص بناء وإشارته كذلك لهدم فندق «شبرد» ومواصلة عمليات الجماعات الاستيطانية فى محاولة بناء مستوطنات جديدة. هذا إلى جانب ما أشار إليه التقرير من وجود حوالى 500 فلسطينى آخرين معرضين للطرد ونزع الملكية. وعلى الجانب الفلسطينى فقد وضح العديد من الملامح لمحاولة تجنب إعطاء مزيد من الفرص للتصعيد الإسرائيلى المتوقع و ذلك سواء فيما نشرته حركة حماس كتعليمات لكوادرها و من ذلك إصدار إسماعيل هنية أوامره للداخلية و الأجهزة الأمنية فى غزة بالحفاظ على التهدئة الميدانية مع إسرائيل فضلا عما أظهرته منظمة فتح من دعوة لكوادرها لتغليب العقل لتجنب ردود الفعل الإسرائيلية المتحفزة. والمشهد الإسرائيلى الفلسطينى على النحو السابق مازال يصب فى خانة نجاح إسرائيل إلى حد كبير فى حركتها الراهنة لسد الطريق على التحركات الخارجية الفلسطينية وكذلك تأكيد الردع النفسى والمادى تجاه أى تحركات إيجابية ضد إسرائيل فى المناطق مع عودتها إلى اكتساب حرية حركة على مستوى المفاوضات والتحرك السياسى ساعد عليها بلا شك قدر ملموس من التراجع فى حجم الوعود والضمانات الأمريكية كان الموقف يتطلبها لإحداث قدر من التوازن للجانب الفلسطينى وإن جاء هذا التراجع فى إطار ما يبدو من التقدير بوجود سمات للتراجع فى الصورة العربية العامة أو على الاقل عدم الاستقرار فى بعض جزئيات هذه الصورة.