يوصف بأنه آخر ديكتاتور فى أوروبا واعترف بنفسه ذات مرة بأنه يمارس أسلوب حكم استبدادى .. إنه الكسندر لوكاشينكو الذى نجح بالرغم من ذلك فى الفوز بفترة رئاسية رابعة فى بيلاروسيا بحصوله على 80% من أصوات الناخبين. ولوكاشينكو (56 عاما) الذى يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ 16 عاما خاض الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى 19 ديسمبر الحالى أمام تسعة مرشحين آخرين. ويرى المراقبون أن الحملة الانتخابية هذه المرة كانت أكثر انفتاحا عن سابقاتها التى تخللها قمع بمختلف الأشكال حيث تمكن المرشحون ولو بشكل محدود من عقد اللقاءات والمشاركة فى مناظرات عبر التليفزيون والاذاعة العامة. وسمح للمعارضين أثناء الحملات الانتخابية بترديد الأغانى المعارضة للوكاشينكو وإلقاء القصائد المعادية للحكومة. كما سمح بدخول ما يزيد على ألف مراقب من البرلمان الأوروبى ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبى ومنظمة بلدان الكومنولث وعدد من الدول الأجنبية، فضلا عن قرابة 700 من الصحفيين الأجانب. ومع ذلك يعتقد كثيرون فى هذه الجمهورية السوفييتية سابقا والتى تضم عشرة ملايين نسمة أن نتيجة الانتخابات كانت محسومة سلفا وأن التساهل الذى أبدته السلطات لم يكن إلا شكلا من أشكال الديكور. وشكك المرشحون التسعة الآخرون فى نزاهة الاقتراع حيث اتهموا نظام لوكاشينكو بالاستفادة من الانتخاب المبكر - حيث سمح للناخبين بالتصويت قبل أيام من الموعد الرسمى للانتخابات- فى استبدال بطاقات اقتراع الناخبين الذين صوتوا ببطاقات أخرى لصالح الرئيس لوكاشينكو . كما لم يتمكن سوى 0,25 % من ممثلى المعارضة من المشاركة فى اللجان الانتخابية، وبالتالى المساهمة بشكل محدود فى فرز الأصوات. ونتيجة لذلك دعا 7 من المرشحين أنصارهم إلى التظاهر فور إغلاق مراكز الاقتراع فى ميدان الاستقلال وسط العاصمة مينسك، مما أدى إلى اعتقالهم واعتقال ما يزيد على ألف آخرين أثناء تفريق الشرطة للمظاهرات التى ضمت عشرات الآلاف من المعارضة البيلاروسية. كما أصيب عدة أشخاص حيث استخدمت قوات مكافحة الشغب الهراوات والقنابل الصوتية أثناء تصديها للمتظاهرين. وبالرغم من ذلك فإنه لا يمكن إنكار أن لوكاشينكو يحظى بشعبية كبيرة لدى قسم كبير من مواطنيه نتيجة لتمكنه من الحفاظ على الأمن والاستقرار فى البلاد والحفاظ على مستوى مقبول للمعيشة وتأمين رعاية اجتماعية وطبية عالية للمواطنين وتحقيق معدلات معقولة من النمو الاقتصادى بالرغم من الصعوبات الاقتصادية المتزايدة التى تواجهها بيلاروسيا بسبب الأزمة المالية العالمية. والكسندر جريجوريفيتش لوكاشينكو ولد فى 31 أغسطس 1954 فى قرية كوبيس شرق بيلاروسيا لأم مزارعة وأب مجهول. وتخرج فى الأكاديمية الزراعية البيلاروسية فى عام 1985. وخدم فى حرس الحدود بين عامى 1975 و1977 وفى الجيش السوفييتى بين 1980 و1982. وبعد تركه العسكرية وقبل دخوله الحياة السياسية عمل كمدير لمزرعة تعاونية. وفى عام 1990، انتخب كنائب فى المجلس الأعلى لجمهورية بيلاروسيا. وفى عام 1993 تولى منصب رئيس لجنة مكافحة الفساد بالبرلمان البيلاروسى. وفى عام 1994 فاز فى أول انتخابات رئاسية يتم إجراؤها بعد استقلال بيلاروسيا والتى أطاح فيها بممثلى الاتجاهات الانفصالية الذين شاركوا فى إنهاء وجود الاتحاد السوفييتى السابق مما أسهم فى تقاربه مع روسيا. وأعيد انتخابه فى 2001 و2006 (بنسبة 83% من الأصوات) فى عمليتى اقتراع شابتهما مخالفات بحسب المراقبين الغربيين والمعارضة. وكان لوكاشينكو قد غير الدستور فى استفتاء شعبى عام 2004 بما يسمح له بالترشح للرئاسة أكثر من ولايتين متتاليتين. ويواجه لوكاشينكو انتقادات واسعة من جانب الغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، وجاءت أحداث الانتخابات الأخيرة لتزيد من حدة الانتقادات الغربية له فى الوقت الذى يحاول فيه التقارب مع الغرب، حيث رفض الاتحاد الأوروبي نتائج الانتخابات ووصفها بأنها خلت من الشفافية والنزاهة. وأدانت المنسقة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون فى بيان أعمال العنف التى شابت الانتخابات خاصة ضرب واعتقال العديد من زعماء المعارضة، بالإضافة الى مرشحي الرئاسة. وشددت على أن سياسة الاتحاد الأوروبي للمشاركة وتعميق العلاقات مع بيلاروسيا مشروطة باحترام مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الانسان. ومن ناحيتها أدانت الولاياتالمتحدة بشدة «الإجراءات التي اتخذتها حكومة بيلاروسيا لتقويض العملية الديمقراطية واستخدام القوة المفرطة ضد المعارضة وناشطى المجتمع المدني والصحفيين». وذكر البيت الأبيض في بيان أن الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تقبل نتائج الانتخابات الرئاسية التى أعلنتها لجنة الانتخابات المركزية فى بيلاروسيا أو تعتبرها شرعية. أما روسيا، الحليف التقليدى لبيلاروسيا، فقد امتنع رئيسها ديمترى ميديفيديف عن التعليق وقال إن الانتخابات الرئاسية فى بيلاروسيا شأن داخلى. وكانت العلاقات بين البلدين قد توترت فى الفترة الأخيرة بسبب الخلاف على أسعار إمدادات النفط، إلا أن مصالحة جرت مؤخرا حيث أعلنت موسكو إلغاء الرسوم على تصدير النفط إلى مينسك ابتداء من الأول من يناير فى مقابل تصديق برلمان بيلاروسيا على اتفاقيات إنشاء الفضاء الاقتصادى الموحد.