عاش العراق فى الأسبوع الماضى حدثا لم يكن متوقعا من شأنه أن يختصر المرحلة الانتقالية التى يعشها بعد التغيير، ويتمثل الحدث فى قرار مجلس الأمن بإلغاء العقوبات التى فرضها فى إطار برنامج «النفط مقابل الغذاء» منذ ثلاثة عقود، وهذا يعنى فتح الباب أمام عودة «العراق الجديد» إلى دوره العربى والدولى بعد سبع سنوات على الاحتلال الأمريكى. وكانت العقوبات التى تم إنهاؤها بالإجماع قد أقرت بشبه إجماع فى 1990 إثر غزو صدام حسين الكويت، ويمثل أهمية قرار رفع العقوبات التى أقرت بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، إنه يعيد عمليا دمج الاقتصاد العراقى بالاقتصاد العالمى، ويسهل على العراق استيراد السلع والخدمات دون قيود ويفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات والصادرات العراقية وأهمها النفط، كما أن خفض الاستقطاعات للتعويضات الحربية التى تطالب بها الكويت تعويضا عن الأضرار التى لحقت بها من 25% إلى 5% من عائدات النفط والمشتقات النفطية، سوف يوفر ل «صندوق تنمية العراق» الذى سيتم إنشاؤه بموجب القرار الأخير لإدارة واستثمار أموال العراق بعد الحرب، موارد إضافية كانت تذهب هباء ولا يستفيد منها الشعب العراقى. وإذا كان لابد من التذكير بمرحلة الحصار والعقوبات أى مرحلة التدمير الشامل الذى سبق الغزو الأمريكى الأخير، فإنه يمكن الاستعانة بكتاب الدكتور هانز كريستوف فون سبوتيك، «المنسق الدولى السابق للشئون الإنسانية فى العراق خلال فترة العقوبات،حيث يروى الكاتب بالوقائع قصة الثمن الباهظ الذى دفعه العراق، وعجز البرنامج الإنسانى الذى أشرف عليه عن الاستجابة لحاجات المواطنين العراقيين العاديين بسبب تعقيداته الروتينية والبيروقراطية وتصميم الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن على عدم السماح للعراق باستعادة مقدرات سيادته على ثرواته وأراضيه. وما لم يورده فون سبوتيك فى كتابه الطويل يمكن معاينته فى التقارير الدولية التى تؤكد أن العقوبات دمرت عمليا البنية الصناعية والزراعية للعراق ومقوماته الصحية وراح ضحيتها ما يقارب من مليون طفل سنويا، ففى 29 سبتمبر 1995 أصدرت لجنة برنامج الغذاء الدولى التابع للأمم المتحدة «W.F.P» تقريرا يؤكد أن 2.4 مليون طفل عراقى تحت سن الخامسة كانوا يعانون من سوء التغذية الحاد. وفى الشهر نفسه ذكرت «الفاو» أن 567 ألف طفل عراقى ماتوا نتيجة العقوبات الاقتصادية وأن 12% من أطفال بغداد تائهون من ذويهم و28% معوقون و29% منهم يعانون من نقص الوزن نتيجة لنقص الأجهزة الطبية وبحلول عام 1997 فإن 30% من أسرة المستشفيات لا تعمل و25% من مستشفيات العراق سيتم إغلاقها. وفى 26 يناير 2000 تقدم المدعى العام السابق للولايات المتحدة رمزى كلارك بمذكرة لمجلس الأمن لوضع نهاية للعقوبات حيث أقر بأن «عدد الوفيات سببه العقوبات، ويجب أن يصدم ضمير كل إنسان حساس». والسؤال الآن: إلى أى طريق سوف يذهب العراق بعد رفع العقوبات المفروضة بموجب الفصل السابع وما الذى يمكن أن يتغير؟