القومي لحقوق الإنسان والشبكة الأفريقية يعقدان لقاء تشاوريا لتعزيز التعاون    رفعت فياض يكتب: بيان خاطئ من مكتب التنسيق خاص بطلاب الثانوية الأزهرية    سوريا تعلن وصول سفينتين محملتين ب31 ألف طن قمح إلى ميناء طرطوس    حسام بدراوي: إسرائيل لا تجرؤ على ضرب قيادات حماس في مصر    نابولي يحقق فوزا كبيرا على فيورنتينا بثلاثية في الدوري الإيطالي    "التعليم" تكشف الهدف من إنشاء مدارس تكنولوجية بالشراكة مع إيطاليا    سفير كوريا الجنوبية بالقاهرة: مصر تذخر بتاريخ استثنائي وثراء ثقافي    وزير الخارجية: هناك دول تدّعي الديمقراطية تقف اليوم خرساء أمام الانتهاكات السافرة في غزة    عضو ب غرفة شركات السياحة: افتتاح المتحف المصري الكبير يسهم في ازدهار مختلف أنماط السياحة    بعد الاستقالة.. الغندور يكشف كواليس اعتذار محمد سراج الدين عن انتخابات الأهلي    ليست المرة الأولى.. فاركو يشكو حمادة القلاوي حكم مباراته أمام الاتحاد السكندري    وزير الخارجية: السفارات المصرية خط الدفاع الأول عن الدولة    مصرع شخص وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بالدقهلية    بسبب خلافات الميراث.. حبس عامل متهم بضرب شقيقه والتسبب في وفاته    روسيا: لا يوجد أساس أو إطار لاتفاقات مستقبلية مع أوكرانيا    آخرهم چودي أحمد سعد.. أبناء نجوم الغناء موهبة حقيقية أم شهرة بالوراثة؟    «مدبولي» ووزراء سابقين أبرز الحضور في حفل زفاف نجل وزير النقل الأسبق (صور)    هاني عادل: أصعب مشاهدي في «أزمة ثقة» ضرب منة فضالي بالقلم    ما حكم صلاة تحية المسجد بعد إقامة الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم نسيان دفع الأجرة في المواصلات العامة؟.. أمين الفتوى يجيب    إنشاء مستشفى جديد للصحة النفسية بميت سراج بمحافظة المنوفية    ضبط نباشين يروعون المارة ويسرقون مكونات الممشى السياحي بالمريوطية    رامي ربيعة يشارك في تعادل العين مع الوصل بالدوري الإماراتي    التضامن: 257 مليون جنيه دعمًا للجمعيات الأهلية في 6 أشهر    مصرع شخص سقط من علو في العجوزة    ضبط مواطن متلبسًا بسرقة كشافات إنارة بكورنيش شبين الكوم    محافظ أسوان يتفقد أعمال تطوير طريق السادات استعدادًا للموسم السياحي (صور)    عبد الصادق: جامعة القاهرة أصبحت فاعلًا مؤثرًا في خريطة الاستدامة العالمية    لجان إلكترونية ضده.. أحمد حسن يدافع عن حسام غالي بعد تصريحاته عن الأهلي    فستان شفاف وجريء.. مايا دياب بإطلالة مثيرة للجدل    مراسل القاهرة الإخبارية يرصد آخر الأعمال التحضيرية للقمة العربية في قطر    بالصور.. محافظ أسوان يستقبل وفد "سفينة النيل للشباب العربي"    مدارس التمريض بالفيوم تفتح أبوابها ل298 طالبًا مع بدء الدراسة    ما حكم الصلاة خلف إمام ألدغ؟.. أمين الفتوى: صحيحة بشرط (فيديو)    50 فرصة عمل في الإمارات برواتب تتخطى 91 ألف جنيه    وزير الصحة يتابع تقديم الخدمات الطبية للمصابين بمضاعفات صحية عقب إجراء تدخلات بمستشفى للتأمين الصحي    محمود محيى الدين ضيف صالون ماسبيرو الثقافى باستديو أحمد زويل غداً    هل هناك ترادف فى القرآن الكريم؟ .. الشيخ خالد الجندي يجيب    رامي ربيعة أساسي مع العين أمام الوصل فى الدوري الإماراتي    تغيرات مفاجئة في درجات الحرارة.. هل انتهى فصل الصيف؟    بداية جديدة.. قافلة طبية مجانية لأهالى قرية المرابعين فى كفر الشيخ    أول بيان من «الداخلية» بشأن حقيقة قيام ضابط بمرور البحيرة بالقيادة دون رخصة وفاميه    مهرجان بورسعيد يعلن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة الطلبة    تشكيل بايرن ميونخ وهامبورج في قمة الدوري الألماني    المستشار السابق لبوتين: الاقتصاد الروسي صامد رغم ضغوط الغرب    «الصحة» تنظم ورشة عمل حول البرنامج الإلكتروني للترصد الحشري    قصف إسرائيلي يستهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في حي تل الهوى جنوبي مدينة غزة    محافظ البنك المركزى: الموارد المحلية من العملة الأجنبية سجلت مستوى قياسيا فى أغسطس    «التعليم» تطلق مدارس تكنولوجيا تطبيقية جديدة في تخصص الدواء    تدمير مدرسة وإخلاء للمدنيين.. جيش الاحتلال يواصل قصفه لمخيم الشاطئ    هدنة 3 أشهر.. تفاصيل بيان مصر والسعودية والإمارات بشأن الحرب في السودان    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع «جنة 4» بالشيخ زايد    الأنبا بقطر يرسم 117 شمامسة للخدمة في إيبارشية ديرمواس    صحة الإسكندرية تتخطى أكثر من 5 ملايين خدمة صحية خلال شهرين    طقس الإسكندرية اليوم.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة والعظمى 31 درجة    تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري.. الدباغ يقود الهجوم    عاجل - من البر إلى الجو.. كيف ضربت إسرائيل الجهود القطرية والمصرية والأميركية في هجوم الدوحة؟    «البحوث الإسلامية» يحذر من خطورة تراجع القيم والتشكيك فى ثوابت الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين نطعن أبناءنا بأيدينا
نشر في أكتوبر يوم 28 - 11 - 2010

عن قصة حقيقية: «بدأت قصة حب سها وأمجد وهما فى السنة الأولى بنفس الكلية، واستمرت طوال سنوات الدراسة، وهما ينتظران لحظة التخرج بفارغ الصبر، وكانت سها أكثر تفوقا من أمجد، فكانت تساعده بكل الطرق اللطيفة التى لا تُشعره بأى نقص، كأن ترسل له بعض الدراسات المطلوبة من خلال صديق مشترك، أو تضع فى طريقه كتابا يحتوى على ما يحتاجه من معلومات بأسلوب أكثر سلاسة وهكذا. بعد التخرج تمت الخطبة فورا ثم الزواج بمباركة الأهل. وسلكت سها الطريق الأكاديمى، فتعينت فى الجامعة وأكملت دراساتها العليا. واختار أمجد طريق الأعمال الحرة والتجارة وتفوق فيه».
«على مدى ثلاث سنوات أنجبا بنتا وولدا صارا لهما أجمل متعة فى الحياة، وأخذا يحلمان بما سوف يفعلانه لتكون حياة الأبناء مثالية فى التعليم والتربية والسعادة، حتى صارت هذه الأحلام حديثهما المشترك والممتع، وكأنهما يريان حبهما يسير على قدمين، ويتعاهدان على حمايته ورعايته. بعد نحو خمس سنوات، بدأت بعض الصراعات تنشب بينهما دون أن يوقن أى أحد أيهما السبب فى ذلك الانهيار الأسرى التدريجى. ف «سها» تقول إن أمجد هو السبب لأن أعماله تشغله تماما عن أسرته، كما تتهمه أيضا أنه يتباعد عنها عاطفيا وجسديا متعمدا ولا بد أن فى حياته امرأة أخرى. وأمجد يتهمها بإهماله والتعالى عليه ومحاولة الإثبات الدائم فى أية مناقشة تخص الأبناء بأنها الأكثر ذكاء وعلما وهكذا وكما يقول المثل إن أكثر النار من مستصغر الشرر.. فحدث الطلاق».
تختلف الأسباب.. والطلاق واحد/U/
القصة اليوم ليست قصة انهيار أسرة واحدة، إنها خمسة ملايين أسرة (وفقا لاحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء). تختلف التفاصيل حول ما إذا كان الزواج نتيجة قصة حب أم زواجا تقليديا، ويختلف المستوى التعليمى والاجتماعى للأشخاص، وتختلف الأسباب التى تؤدى للطلاق، باختلاف وجهة نظر كل طرف، لكن الغريب هو أن السلوك بين الجميع - إلا القليل النادر - يتسم برغبة جامحة من استعمال الأم لحقها فى حضانة الأطفال إلى وسيلة للانتقام من الزوج وإذلاله بحرمانه من رؤية أبنائه، وكأن دور الأبوة الوحيد الذى تعترف وتتمسك به هو الإنفاق المالى عليهم.
يقول بعض هؤلاء الآباء - فى رسالة بعثوها من خلال موقع على الشبكة العنكبوتية أسموه «حق الرؤية» يتشاركون فيه أحزانهم - إنهم حُرموا من رؤية أطفالهم أثناء عيد الأضحى المبارك، بسبب الأمهات الحاضنات». كما يعبرون عن تضررهم من القانون الذى يعطى للأب غير الحاضن حق رؤية أبنائه «لمدة ثلاث ساعات فقط أسبوعيا فى إحدى الحدائق أو أحد مقار الحزب الوطنى الديمقراطى». ويقولون إن القانون لا يسمح لأسرة الطرف غير الحاضن من أجداد، أعمام، عمات أو أخوال.. الخ من رؤية الصغير وتقتصر الرؤية فقط على الأب أو الأم غير الحاضنة»، وهذا يحرم الأبناء من صلة الأرحام ودفء الإحساس بالانتماء للأسرة الممتدة من جانب الأم والأب.
قانون الأحوال الشخصية والمعانى الإنسانية/U/
لا شك أن ثلاث ساعات من رؤية الأب أو الأم غير الحاضنة للأبناء لا تكفى أبدا لأن يقوم الأب أو الأم بالدور العاطفى والتربوى تجاه الأبناء. ولست فى هذا المقام فى موقع يسمح بمناقشة القانون فى حد ذاته، لكنى أرى أن اى قانون، إنما يعكس حالا من أحوال المجتمع واحتياجاته. فأقرأ هذا القانون وكأنه يعكس حالا من فقدان الثقة الكاملة بين الزوجين المنفصلين بالطلاق، إلى جانب مخزون نفسى من الغضب والحقد والرغبة فى الانتقام لا يدرى صاحبها أو صاحبتها أن تلك الحالة حين تتملك منه ومنها، تصل لما يشبه الخنجر الذى لا يتنبه أنه أو أنها بتوجيهه للطرف الآخر، يمر أولا على قلوب الأبناء يطعنهم. والأكثر من هذا أنه فى طعن أحد الأبوين للآخر إنما يفقد هو نفسه أو هى نفسها الكثير من مخزون الحب والارتباط والثقة والاحترام التى يحملها الأبناء له أو لها، ذلك لأن هذا الطفل هو مزيج من الطرفين، وبمحاولة طرف ما أن يحطم الآخر أو يذله يشعر الطفل أن هذا الإذلال والتحطيم موجه له هو شخصيا، فطبيعى أن يبادل الطفل ذلك بعداء للشخص الفاعل (الأم أو الأب). ثم إذا به وهو يدافع عن وجوده بهذا العداء للطرف المعتدى، يجد أن هذا العداء موجه له من نفسه لنفسه أيضا، وكل هذا يتم على مستوى غير واع، لكنه يحدث غالبا أن الطفل الذى يرى صراع الوالدين (حتى لو لم يطلقا) يصاب بكراهية نفسه، ويتحول إلى حطام إنسان. فهل تدرى كل أم وكل أب ما يفعلانه بأبنائهما حين يتبادلان أمامهم الاتهامات والإهانات؟
قانون الأحوال الشخصية صدر وكأنه ينتزع حق طرف ما من الطرف الآخر، ويحمى طرفا مظلوما من طرف معتد، فكأنما يحمى الأم من زوج إذا لم يوجد ما يردعه، غالبا ما يطرد زوجته حين يطلقها، ويمنعها من رؤية الأبناء، وهذا كان يحدث فعلا من كثير من الرجال، وسمعنا لسنوات طويلة قصص الأمهات اللائى قتلهن الحزن والحرمان من أبنائهن. والآن صدر القانون ليحمى المرأة، ويعيد لها حقها فى الأمومة، بل تمتد حضانتها لأطفالها لسن الخمسة عشر عاما. فهل هذا إحقاق للحق كاملا؟ لا شك أن هناك ظلما على الآباء وعلى الأبناء أيضا. وأرى أن تعديل القانون بصورة ما واجب، ولكن العدل لن يتحقق بالقانون فقط، وإنما بالوعى الإنسانى، ليسود القانون الإنساني، وهذا يحتاج لتغيير فى فهم الأشخاص أنفسهم وفى تعاملهم مع مشكلاتهم.
التسامح والمحبة لا يخسران أبدا/U/
أعرف سيدة رفيعة الخلق كانت فى زواج سعيد وأنجبت بنتين، وفجأة بدون أى مقدمات هجرها زوجها وتزوج عليها. ظلت فى حال من الصدمة والذهول لمدة شهرين، أخذت خلالهما تتوسل إلى الله أن يطفيء النيران التى اشتعلت داخلها حتى تكاد تحرقها. بعدها قررت أن تقف على قدميها، ولا تستسلم للضعف وصدمتها فى الحب، وأخذت تربى البنتين دون أن تنبذ بكلمة سوء واحدة ضد الأب، بل بالعكس حين كبرت البنتان وأدركتا الحقائق كانتا تميلان لمجافاة الاب ولومه لما حدث لأمهما التى كرست حياتها لهما، لكنها كانت تحثهما على الغفران له، وعلى البر به، وزيارته. ولم تشعرهما أبدا بأنها ضحت بأى شيء من أجلهما، فقد كانت تركز على تنمية نفسها فى مجالات كثيرة، وتسعد بحياتها التى خلت من أى حقد أو غضب.. كبرت البنتان على أحسن ما يكون من الاستواء النفسى، ويحبان أمهما حبا جما، ويبادلاناها رعاية برعاية، واحتراما باحترام. لقد كانت صديقتى من الذكاء والرقى الإنسانى الذى أدركت بهما كيف تحافظ على ابنتيها، وتراعى مشاعرهما بصيانة سيرة الأب. لقد خسرت زوجا، لكنها كسبت حياتها، وكسبت ابنتيها، وكسبت الراحة النفسية بتحررها من مشاعر البغض والرغبة فى الانتقام.
أعرف أيضا صديقة أخرى تشبه قصتها إلى حد كبير قصة سها وأمجد، لكن الفرق الوحيد هو أنها هى وزوجها، ورغم كل الجروح بينهما، أدركا تماما أن عليهما أن يحافظا على ولديهما، وذلك من خلال استمرار علاقة الود والتفاهم بعد الطلاق. فحرص الأب على أن يكون للأم مسكنا قريبا من مسكنه، بحيث يتنقل الولدان بشكل طبيعى بينهما، وهما يشعران بالأمان بأن أيا من الطرفين لن يحرمه من الطرف الآخر. وحرص الأب والأم معا على أن يؤكدا للولدين أن انفصالهما لا يعنى العداء بينهما أبدا، ولا يعنى أن طرفا ما ظالما أو مظلوما، ولا يعنى أيضا أنهما يفرطان فيهما وهما قرة أعينهما. والأكثر من هذا أن الأم والأب كانا يحرصان أيضا من وقت لآخر على الخروج معا ومع الولدين وكأن شيئا لم يكن. بل الأكثر أنه حين تزوج الأب للمرة الثانية وانجب ولدا ثالثا من الزوجة الجديدة، ذهبت مطلقته للمباركة، فالمولود أخ جديد لولديها.
لا يمكن أن تكون صديقتى الأولى أو الثانية متبلدتى المشاعر أبدا، بل العكس هو الصحيح فهما من الرقة بدرجة أسبغت عليهما التجربة قدرا من الحزن العميق، ولكنه حزن نبيل لأنه لم يدفعهما لأى مشاعر أو تفكير أو سلوك يؤذى أبناءهم، ويؤذيهما هما إنسانيا. وهو حزن نبيل لأنه دفعهما لرؤية جوانب أخرى فى الحياة تثريها وتجعل لها معنى لا مكان فيه للبغض.
نحن نحتاج لنقلة نوعية فى أسلوب تفاعلنا مع الألم، ومع الغضب، لنجعله أداة لخيرنا وخير من نحب. وهذا اختيار.. اختيار لا يندم أبدا من اختاره.. وسيرى ثمرته فى أبناء أسوياء.. ومحبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.