عندما فتح الشاب (بيل جيتس) نوافذ حياة جديدة لعالم تجمد تقريباً أمام الإعلام فى صيغه التقليدية - صحف و تليفزيون وإذاعة - كان لايعلم أن خزائن العالم ستصب ملياراتها فى أرصدته لتحوله من فتى أمريكى عادى فى مقتبل العمر إلى (سوبر ملياردير) غير عادى يملك مال الأباطرة وحكمة الشيوخ وأحلام البسطاء ويحمله على كاهله الرقيق. فهو الذى ترك الفرصة متاحة أمام لوحات مفاتيح الحواسب الآلية فى غرف ملايين الشباب فى العالم لكى يجذب كل منهم بأنامله أسطورته الخاصة من شاشة جهازه الشخصى ليحولها إلى واقع - وكأنه حول ماهو حلم إلى حقيقة - وعندما نتعقب سيرته الذاتية يفوح عطر الإنسانية من أرقام ثروته العملاقة ونستشعر فوارق رهيبة بين مقتنى الثروات العاديين وهذا الثرى النبيل الذى حوّل ثروته الباذخة إلى ثورة على البذخ وحاول أن يقضى على الفقر والمرض بين فقراء العالم واهباً ماتبقى من حياته العملية للمشاريع الخيرية فأصبح مثالاً يحتذى لرجال الأعمال فى عالمنا الذى نعيشه. فقد آمن منذ بداية حياته العملية بمقولة مارجريت تاتشر (المرأة الحديدية) التى تقول «لا أعرف أحداً وصل للقمة دون عمل شاق» هكذا بدأ أصغر ملياردير عصامى فى التاريخ مشواره الناجح رافضاً الاستعانه بثروة أسرته التى ورثها أبيه عن جده الذى شغل منصب نائب رئيس المصرف الوطنى الأمريكى كما أسهمت نشأته فى أسرة تقدس قيمة العمل فى رفضه لإهدار الوقت وكان يردد دائماً عبارة نقلها عنه زملاؤه بأنه يستطيع عمل أى شىء يريده ويعتبره أصدقاؤه الأذكى بينهم و الأكثر تواضعاً و كان يتكلم كالكبار. إصرار ونجاح/U/ بدأت عبقريته الاقتصادية تتجلى وهو فى سن 14 عاماً حين أسس شركته الأولى للبرمجة فقد تنبه والده لتفوقه فى مجال الرياضيات والعلوم وألحقه بمدرسة «ليك سايد» ذات التعليم الرفيع المستوى وقد أهّله تفوقه الدراسى للفوز بمنحة لاستكمال تعليمه الجامعى فى جامعة «هارفارد» التى تركها لينمى هوايته فى دراسة علوم الحاسب الذى تعرف عليه لأول مرة وهو فى مدرسته «ليك سايد» ويقول جيتس إن مدرسته لم تستطع شراء جهاز حاسوب نظراً لسعره المرتفع وحجمه الضخم فقرر أولياء الأمور تنظيم حملة لجمع تبرعات لاستئجار جهاز. كما نظموا حملة تبرعات أخرى لاستئجار برنامج لتشغيل الحاسب. وقد أسهم هذا الجهاز فى تغيير مجرى حياته. فقد انضم إليه صديقه ورفيق مشواره بول ألن الذى كان أكبر من جيتس بعامين لدراسة الحاسوب الآلى وعلوم البرمجة وقررت المدرسة التعاقد مع شركة أخرى وهى ccc) computer center corporation لتأجير برامج بأسعار مخفضة ولمدة محددة. ويعترف جيتس بإرتكابه أول عملية قرصنة فى العالم فى ذلك الوقت بسبب محاولتهم إلغاء نظام الحماية للبرنامج حتى يتمكن هو وزملاؤه من استخدام البرنامج لمدة غير محددة. الأمر الذى رفضته الشركة وقررت حرمان جيتس وأصدقائه من استخدام البرنامج لعدة أسابيع وبعد انتهاء فترة العقوبة توجه جيتس وزملاؤه (آلن وكنت إيفانس وريك ويلاند) للشركة (ccc) لعقد أول صفقة منحتهم فرصة استخدام البرنامج الخاص بالشركة مجاناً ولعدد غير محدود من الساعات مقابل كتابة برنامج حماية ضد عمليات القرصنة وقد وافقت الشركة على هذا العرض الذى منحهم فرصة دراسة لغة البرمجة. ونجح الأربعة فى إنشاء مجموعة مبرمجى لايد سايد التى تخصصت فى كتابة برامج ألعاب صغيرة وفى عام 1970 شهرت شركة (ccc) إفلاسها لتبدأ المجموعة فى البحث عن فرصة أخرى لاستخدام الحاسب فقرر والد بول آلن السماح لهم باستخدام حواسب جامعة واشنطن التى كان يعمل بها وبعد عام واحد تمكنت هذه المجموعة من العمل فى شركة لمعلومات الحاسب لكتابة برنامج لاحتساب رواتب الموظفين وحصلوا لأول مرة على مقابل مادى مناسب وتم الاعتراف بهم رسمياً ليؤسس جيتس و بول معا شركة صغيرة (traf_o_pata) وقاما بكتابة برنامج لقياس حركة المرور فى الشوارع لتحقق شركتهما الخاصة ربحاً يتجاوز 20 ألف دولار وفى عام 1974 تعاقد جيتس مع شركة ميتس (التى أنتجت أول حاسب آلى صغير مخصص للأغراض التجارية) لكتابة برنامج تشغيل للحاسب الجديد وتم تعيين آلن كنائب لرئيس قسم البرمجيات فى شركة ميتس وترك بيل جيتس الدراسة الجامعية ليتفرغ للشركة الجديدة التى أنشأها مع صديقه آلن وأطلق عليها اسم ميكروسوفت وهى تعنى بتطوير البرامج يمتلك جيتس 60% من أسهمها مقابل 40% لصالح آلن وسبب حصول جيتس على النسبة الأكبر تفرغه للعمل بالشركة بينما ظل بول يعمل فى شركة ميتس وفى عام 1976 حققت الشركة أرباحاً تجاوزت 104 آلاف دولار و قدم بول استقالته ليعمل مع جيتس فى تطوير برامج تشغيل الكومبيوتر. ثراء وذكاء/U/ وفى عام 1980 أعلنت شركة IBM المتخصصة فى تصنيع الحاسوب الشخصى عن رغبتها فى الحصول على برنامج لتشغيل الكمبيوتر الشخصى الجديد وقدمت شركة ميكروسوفت عرضاً بتقديم برنامج التشغيل وكانت كذبه ويقول جيتس إنه يكره الكذب ولكنه لجأ لهذه الوسيلة ليحصل على فرصة وقد عمل مع صديقه ليل نهار لكتابة هذا البرنامج وقد نجحا فى تقديم البرنامج وتم توقيع عقد شراكة مع شركة IBM العملاقة وشركة مايكروسوفت الصغيرة التى لايتعدى عدد موظفيها 38 موظفا مقابل أكثر من ألف موظف ورأس مالها يتعدى 306 مليارات دولار ولم تستمر هذه الشراكة طويلا ًبسبب الشروط التى وضعتها شركة IBM. وبدأ جيتس بتطوير عمل شركته وجمع حوالى أفضل 30 مبرمجا لكتابة أول برنامج ويندوز كانت النتائج الأولى مخيبة للآمال و فى عام 1983 دخلت مايكروسوفت سوق الأسهم ليصبح جيتس وبول من أصحاب الملايين لاسيما بعد نجاحهما فى إصدار نظام التشغيل ويندوز 95 وبلغات مختلفة و قد مهدت هذه الخطوة لتحقيق حلم جيتس فى أن يصبح فى كل بيت ومكتب جهاز حاسب آلى وتكون البرامج فى متناول الجميع بعد أن انخفضت أسعارها وبدأت الشركة فى جنى أرباح طائلة. وعن الحياة الخاصة لجيتس فهو متزوج منذ عام 1994 ولديه 3 أبناء ويعيش فى منزل عصرى تبلغ قيمته 113 مليون دولار وحصل طوال ال 15 عاما الماضية على لقب أغنى رجل فى العالم. ورغم هذا أعلن جيتس عن تخليه عن إدارة شركته ليتفرغ للأعمال الخيرية وكّون مع زوجته أكبر منظمة خيرية فى العالم قدمت منحاً بقيمة 30 ملياردولار لعلاج الأمراض المستعصية و الأوبئة فى دول العالم الثالث كما نجح فى إقناع أكثر من 40 مليارديراً من أغنياء العالم بالتبرع بالجزء الأكبر من ثرواتهم لصالح المؤسسات الخيرية وقد قدرت مجلة فوربس العالمية أن هذا المشروع قد ينجح فى جمع حوالى 600 مليار دولار ستوظف كلها لمساعدة فقراء العالم.