أكاد أجزم أن لدينا فى مصر فصيلا من النخبة الثقافية لا شاغل لديهم سوى الصراخ وإطلاق الفزاعات لتخويف الناس من كل شىء بعد أن برعوا فى تسويد أى إنجاز وسد كل منافذ الرحمة والأمل فى أننا نعيش فى بلد كريم نتنفس فيه الحرية ونعيش على أرضه ومنذ سنوات.. التغيير فى كل شىء للأفضل بشكل لم يكن يخطر على بال أحد منذ سنوات والقرار الحكيم الأخير الذى استهدف تنظيم انفلات بعض الفضائيات التى يطل من شاشاتها دعاة الفتنة والدجل والشعوذة وتدخل الدولة واجب. وفى أكبر الديمقراطيات الغربية يتقبل الناس تدخل الدولة وهم يتفهمون أن الهدف فى النهاية هو مصلحة الناس ومصلحة الدولة. وهذا الأسبوع أطلق السيد بيرلسكونى رئيس الوزراء الإيطالى يد الشرطة الإلكترونية لمراقبة الفيس بوك على الإنترنت الإيطالى ورغم أن الأمر ظاهره اختراق لخصوصية الناس من قبل الدولة إلا أن الجميع تفهم أن العالم يعيش فى فزع من الجريمة والإرهاب. ومن واجب الدولة تأمين حياة مواطنيها وتنظيم الإعلام سواء الصحفى أو الفضائى فهذا ليس فيه أى تهديد للحرية التى نعيشها منذ سنوات ولا ينكرها إلا كل أعمى بصيرة. وفى مصر اليوم 21 صحيفة يومية و31 قناة فضائية خاصة ومئات المواقع على شبكة الإنترنت ومئات المديونين كل منهم يخترع ما يشاء من الحقائق المنقوصة والمزيفة! ولابد أن يمتد هذا التنظيم إلى مجال آخر ونغض الطرف عنه أيضا وهو من الدراما التى أفرزت لنا كتابا ومخرجين لا هدف لهم سوى تشويه كل شىء وتصوير نماذج مريضة ربما لا تكون غير موجودة حتى لو كان استدعاؤها من صفحات الجريمة من الصحف كما أنها تعمدت تشويه أصحاب بعض المهن المحترمة والوطنية مثل «الشرطة» رغم أن رجل الشرطة فى النهاية هو مواطن مصرى وله أسرة من حقها أن تفخر به ومن حقه أن يزهو بدوره أمامها وتنظيم واقعنا الفكرى يمتد إلى المجال الفنى أيضا. ولهذا فلابد على نقابة المهن السينمائية أن تراجع من خلال صياغة كود أخلاقى وقانونى قبل التصريح لبعض الأعمال الدرامية وبعض المخرجين بالاستمرار فى إنتاج وتقديم دراما اليأس والتشويه! وهى الأعمال التى يتم فيها تشويه حياتنا وإصابتها بالصدمة واليأس. وليس فى هذا تقليص لمساحة الحرية للسادة المبدعين لأن الإبداع شىء وتزييف الواقع شىء آخر كما أن تشويه أعمال الكبار من الرموز لا يفيد الناس فى شىء ونحن فى مرحلة لا تحتاج منا إلا تنظيم إيقاعنا الإعلامى. وهذا التنظيم ليس فيه أى إنقاص من مساحة الحرية التى يتمتع بها كل صاحب فكر لأن هناك فارقا شاسعا بين من يمنح الناس الأمل ومن يصر على تسويد حياة الناس ولو بالسخرية من بعض مساوئ الواقع! ونحن فى مرحلة مفصلية من تاريخنا مرحلة نحتاج فيها إلى الإخلاص ولولاء أكثر مما يتخيله البعض من أن ارتفاع أصحاب صوت الفوضى واليأس هو الطريق الأمثل لحل مشاكله. والمرحلة فى حاجة إلى حكمة العقلاء لا إلى أصحاب الأقلام والميكروفونات الحنجورية!