كثيرة هى منعطفات السلام - أو ما يطلق عليه ذلك – فى الشرق الأوسط وخاصة ما يتعلق منه بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التى قطعت شوطها الاستهلالى وإن لم تتعداه إلى مراحل مبشرة بنهايات سعيدة، وقد جاءت العقبات هذه المرة - دون توقعنا أن تكون الأخيرة – على خلفية موقفين لإسرائيل أظهر أحدهما الحرص على المضى فى عملية الاستيطان وانهيار الالتزام بالتجميد والذى توقف بعد عشرة أشهر فى 2010/9/26 وثانيهما هو مطالبة إسرائيل الجانب الفلسطينى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كشرط للدخول إلى أية مراحل جادة. الولاياتالمتحدة من جانبها قد حاولت اتباع دبلوماسية مرنه استخدمت فيها «الجزرة» أكثر من العصا، وإن أدت فى النهاية إلى اكتفاء واشنطن بإبداء نظرتها الخاصة مع ترك الأطراف المباشرة تتولى التغلب على ما يثار من مشكلات، متناسية أن الوسيط النزيه يكون بذلك الموقف أكثر ميلاً لصالح إسرائيل التى أبدت استعدادها للحصول على المزايا والمساعدات الأمريكية لها دون تعدى ذلك لتقديم بوادر جادة لصالح السلام فى المقابل. أوروبا أيضاً أظهرت اهتمامها ببذل جهد للتغلب على العقبات القائمة وخاصة نتيجة لمسألة الاستيطان وهو ما وضح من خلال زيارة وزيرى خارجية فرنسا وأسبانيا للمنطقة ومحاوراتهما فى إسرائيل لصالح إمكانية تعديل مواقفها، وكذلك فى إطار دعوة الرئيس ساركوزى لعقد مؤتمر مصغر على غرار مؤتمر مدريد للسلام إلا أن هذه الدعوات والجهود قد أحبطت مبدئياً سواء بالتراجع عن فكرة المؤتمر أو فى إطار ما بدأ من خلاف داخل المجموعة الأوروبية حيث أشارت ايطاليا إلى أن عدم سلامة انفراد كل من فرنسا وأسبانيا بالحركة، فى الوقت الذى سعى فيه وزير الخارجية الإسرائيلى إلى مواجهة إمكانات قيام أوروبا بتحركات انتقادية لإسرائيل وذلك خلال الزيارة السريعة التى قام بها لألمانيا لهذا الهدف. ركز ليبرمان خلال زيارته لألمانيا فى 14 أكتوبر الجارى لبحث مستجدات جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على تأكيد فكرة رغبة إسرائيل فى السلام القائم على الأمن، وهذا الطرح برىء فى معناه لأنه لن يوجد فى الدنيا من يقول إن السلام يجب أن يقوم على غير الأمن وإن كانت هذه المقولة قد تنطبق ايضاً على الفلسطينيين، إضافة إلى أن تفاصيل هذا الأمن قد تدفعنا إلى تذكر عبارة سبق تكرارها فى الماضى وكانت تعنى أن الحدود الآمنة تعد أفضل من السلام وأنها هى التى تضطر الآخرين للحفاظ على السلام، فى حين أثبتت الأيام أن السلام والعدل قد يكونا هما الضمان للحدود. وفى مواجهة عرض نتنياهو تجميد الاستيطان مقابل اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية فقد رحبت واشنطن بالعرض الفلسطينى المضاد لعرض نتنياهو حيث طلب الفلسطينيون من واشنطن وإسرائيل خريطة للدولة الإسرائيلية، وهى فكرة قد تعيد الكرة مرة أخرى إلى مسألة البدء بحدود الدولة الفلسطينية وبما قد يقلب السحر على الساحر. وإسرائيل تركز فى كل يوم على استئناف الأنشطة الاستيطانية وهى عبارة أيضا تثير المخاوف إزاء ما يمكن التفاوض عليه مستقبلاً من أراض عربية وخاصة من خلال السباق الإسرائيلى لإقامة العديد من المشاريع الاستيطانية فى القدسالشرقية بصفة خاصة وذلك بالتوازى مع إعلام الفلسطينيين أن تكون القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية يؤيدهم فى ذلك معظم العرب والعديد من القوى الأوروبية والدولية. والسحر الذى يجد كل يوم مقولة وتحركاً جديداً فى إسرائيل كان له صدى على المستوى الداخلى والحزبى وإن جاء البعض منه على سبيل المعارضة، فمن ناحية أعرب بعض كوادر حزب العمل من خلال ما صرح به وزير الرفاهة فى إسرائيل اسحاق هيرتزوج من وجود فرصة كبيرة لحدوث انطلاقة لعملية السلام – وإن لم يفصح عن مضمونها - فى الوقت الذى أشارت فيه تحركات زعيمة المعارضة تسيبى ليفنى إلى عدم تجاوبها مع محاولات نتنياهو اجتذاب الحزب «28 مقعداً» للانضمام للحكومة، فى حين مازالت الدلائل تشير الى حرص ليفنى بصورة أكثر قوة على عدم تقديم الدعم المنتظر لنتنياهو وذلك على خلفية عدم اقتناعها بأسلوبه الحالى فى التوصل لتسوية فى ضوء التركيبة والأفكار الحالية التى يتمسك بها. واذا كان بعض المتفائلين يذهبون إلى إمكانية وجود تيار قوى يعارض سياسات نتنياهو ومبرارته التى يرتكز عليها فى محاولته الحفاظ على الائتلاف اليمينى والدينى، إلا أن استمرار تكوين جبهات مضادة سواء على مستوى الداخل أو الخارج خاصة اذا ما أبدت واشنطن مزيداً من عدم الارتياح تجاه تصاعد السياسة الاستيطانية الإسرائيلية من جهة، أو اتجاه الجانب العربى إلى التركيز على إيجاد طرق بديلة حول فكرة الدولة الفلسطينية من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة من جهة أخرى يعد أمرا قد يشكل فى حالة تصاعده عائقاً أمام تمادى الاتجاهات والممارسات الإسرائيلية خاصة كما تبدو فى الفترة الأخيرة.