عندما تهلّ علينا ذكرى حرب أكتوبر فى كل عام يمتزج لدى شعوران متناقضان إحساساً بالسعادة مستعيداً ذكريات الطفولة وفرحة متابعة البيانات من الراديو الصغير وأغنيات لا تُنسى وحالة عامة من البهجة القومية العجيبة، وإحساس دفين بالحزن لأننا لم نقدم سينمائياً حتى الآن فيلماً روائياً كبيراً يليق بالبطولة وبالأبطال، وحتى اليوم مازلت نكرر فى التليفزيون ريبرتوا أفلام أكتوبر القديمة التى أنتج بعضها على عجل بحيث حُشرت فيه أحداث الحرب مثل «الوفاء العظيم، أو غلبت عليه النظرة التجارية التقليدية مع بعض الرموز الواضح فى المعالجة مثل فيلم «بدور» الذى يحاول الإشارة إلى أن «بدور» هى المعادل الموضوعى لمصر المنسية التى لن تخرج إلى النور إلاّ بجهود ابنها «صابر»- لاحظ دلالة الاسم، ومازال التليفزيون وحتى الفضائيات التى تعرض الأفلام لاتجد ما تعرضه فى هذه المناسبة إلا «الرصاصة لاتزال فى جيبى» والذى لا يخلو من رمز لمصر فى فاطمة «نجوى إبراهيم»، «وأبناء الصمت» الذى يمكن اعتباره أفضل أفلام أكتوبر رغم أنه أصلاً وأساساً عن حرب الاستنزاف ثم أضيفت له مشاهد العبور الأخيرة، وطبعاً فيلم «العمرلحظة» الذى كان يتناول أصلاً حرب الاستنزاف مثل الرواية المأخوذ عنها، وقد تُعرض أحياناً أفلام أحدث لها علاقة بالمناسبة وبطولات الجنود رغم أنها لاتتعرض لحرب أكتوبر مثل «أغنية على الممر» و«الطريق إلى إيلات» «ويوم الكرامة». الغريب أن القنوات الفضائية لم تفكر كنوع من التجديد مثلاً نفى أن تعرض بعض الأفلام التسجيلية الجيدة والأكثر صدقاً عن حرب أكتوبر مثل الفيلم المؤثر «أبطال من بلدنا» للمخرج الراحل «أحمد راشد» الذى يحكى عن عائلتى اثنين من الشهداء: «سالم» القاهرى، و «فتحى عبادة» فى قرية «ملاحى» وهى تقول عن استشهاد ابنها: الموت علينا حق لكن الفراق صعيب، هناك فيلم «شادى عبد السلام» المعروف جيوش الشمس الذى يحاول الربط بين بطولة الجند وخاصة فى معارك الدبابات وبين فكرة بعث الماضى لأن «جيوش الشمس» هو المصطلح الذى كان يطلق على الجيش المصرى أيام الفراعنة، ولدينا أيضاً الفيلم الجيدعن «عبد العاطى» الأسطورى الذى دمر 23 دبابة، وعنوان الفيلم «صائد الدبابات» للمخرج «خيرى بشارة» ومن تصوير «محمود عبد ?السميع» أجمل ما فى هذا العمل أنه يتحدث عن صناع النصر من الفلاحين، عن عبد العاطى الفلاح ابن قرية شيبة القش فى الشرقية، ومازلت أذكر أفلاماً قصيرة كنت أشاهدها فى طفولتى عن الحرب مثل «الشرارة» ودرع وسيف كلها جديرة بالعرض على كل القنوات بدلاً من تكرار الأفلام الروائية المحفوظة. أما إنتاج فيلم حربى روائى عن حرب أكتوبر أو أحد أبطالها فأظن أن المشكلة لا تتمثل فى وجود عناصر فنية وتقنية يمكنها تقديم عمل على مستوى رفيع، المشكلة فى التمويل وضخامة التكاليف التى يمكن تدبيرها بفريق من المنتجين بدعم وزارة الثقافة وبتسهيل تنفيذ العمليات العسكرية، عيب جداً أن تنتج اسرائيل أفلاماً عن هزائمها فى لبنان مثل «الرقص مع بشير» وفيلم «لبنان» بينما نحن عاجزون عن إنتاج فيلم ضخم وكبير وعالمى عن انتصاراتنا!