.. وإن كانت رجاء الصانع، وأميرة المضحى فى أعمالهما الروائية تطرقتا إلى مشاكل المنع، والحظر، ورجال الحسبة من بعيد ودون مواجهة صريحة قاسية معهم، جاءت «سمر المقرن» لتخوض معركة مباشرة وتضع جميع الأطراف وجها لوجه بلا خوف فى روايتها «نساء المنكر». هذا العنوان الذى يعيد انطباع «الملعونة» فى الذهن فى كون الخطية دوما من نصيب المرأة وما يتبعها من مسميات تلتصق بها وحدها، وفى نفس الوقت يجيء العنوان مشيرا إلى رجال «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» الذين يصنعون الحدث الأكبر فى رواية «نساء المنكر». سمر المقرن صحفية قبل أن تكون روائية، كتبت روايتها تأثرا بحال نساء اقتربت منهن فى سجون النساء إثر قيامها بتحقيق صحفى قررت بعده أن تكتب عما رأته من انتهاكات غير معلنة. إن «نساء المنكر» رواية تندد ببعض التصرفات غير المسئولة التى قادت نساء إلى السجن، بعد أن خسرن أنفسهنّ بسبب شبهة أو لقاء رجل فى مكان عام فرفضهن المجتمع وفصلن من أعمالهن ودمرت آمالهن وحطمت أحلامهن ووجدن أنفسهن بائعات هوى بعد أن ضاقت فى وجههن السبل». ولذلك جاءت روايتها انفعالية تغلبها روح الخطابة والمباشرة فى السرد، والسطحية فى تناول الشخصيات، ولا منطقية بعض الأحداث ونقدها المباشر والصريح للبيئة العربية التى نشأت فيها مقارنة إياها بلندن مستخدمة «هنا»و «هناك» مما زاد من تشتت السرد. . ولكن الرواية وكما اتفق تعلو فى الجانب المراد الحديث عنه؛ ألا وهو كشف المستور، والثورة على رجال الحسبة المتشككين فى النيات لا الأفعال فقط. تدور أحداث «نساء المنكر» حول سارة الزوجة المعلقة التى لا تستطيع الحصول على الطلاق، و تقع فى غرام رئيف وتسافر معه إلى لندن طلبا للحرية فى الحديث واللقاء لمدة عشرة أيام تعود بعدها إلى الرياض. وعندما تشتاق إلى رؤية رئيف، تقنعه باللقاء فى مطعم للعائلات، وهناك تلقى هيئة النهى عن المنكر القبض عليهما وتضعهما فى السجن، ويختفى رئيف من حياتها. . وبعد خروجها من السجن، تضطر إلى العمل كخادمةً فى الأعراس ليكون أول عمل لها فى عرس رئيف نفسه. وهكذا مابين العالم الروائى لرجاء الصانع، وسمر المقرن، وأميرة المضحى موضوع واحد مشترك وهو المطالبة برفع ظلم الرجل عنهن، وحرية اختيار الطريق الذى يوصل إليه هو نفسه - أى الرجل- وإن اختلفت زوايا التناول. فالحرية فى الأعمال الروائية المذكورة اقتصر فهمها على حرية الممارسة الفعلية للحب وعدم ملاءمة المكان والزمان له، ولذلك نجد اللجوء إلى تعدد الفضاءات فى الروايات لتتيح للعشاق فرص اللقاء. أما رؤية عالم الشعر لتلك العلاقة الملتبسة بين الرجل والمرأة وما شابها من قيود مجتمعية، فقد جاءت مميزة بفرادة الكشف الذى اتخذ من الجسد محورا وكأن الشاعرة تتحدى هذا الذى لم يعطها حرية التنقل وتصريف شئونها خوفا على جسدها من أن يمسه أو يراه أحد، ليجد أخيرا أن هذا الجسد الذى أحكم عليه الحصار قد صار مطروحا ومرسوما بأحرف عربية مبينة. . و من أجرأ الأصوات التى قاومت ستر الحجب الشاعرة « فايزة سعيد» فى ديوانها «نصف تفاحة» والتى جاوزت فيه مدى التكشف اللفظى بعدما وجدت أن التكشف الجسدى غير مسموح به. فايزة سعيد، والتى ربما تتخفى وراء اسم مستعار لتكتب وتطلق المسجون بلا قيد أو شرط البيئة والمجتمع، لم تعترف بحواجز الستر المفروضة قسرا على الجسد، فأبت إلا أن تعرى كل الكلمات وتحتفى بشبق اللغة على أسرة الرغبة ومجون الصور الشعرية وأخيلة التهتك الوصفى للجسد ومباهجه، ليظهر احتفاؤها بالجسد دون خجل أو خوف. تلعب الشاعرة على مفردات الجسد بلا مواربة، وبدون اللجوء إلى المجاز أو الاستعارات، تعلن ثورة على أزمنة الطمس لهويتها ووجودها كامرأة، تملك جسدا يحمل أسرار الكون والوجود، وليس عارا كما صوره لها رجالات العفة والتبتل اللاإرادى. أما «هيلدا اسماعيل» فقد تحايلت على قيود مجتمعها هى الأخرى، وكتبت فى البداية تحت اسم مستعار «ميلاد». أشعار هيلدا تندرج تحت مسميات الومضة أو أحيانا يروق للبعض مسمى الإيبيجراما ليصف ما تفعله بالكلمات التى تتعامل معها كفنانة محترفة وحاذقة فى التعامل مع فن الرسم بالكلمات. وبغض النظر عن المسمى فأشعار هيلدا جاءت مضمخة بالتصالح مع النفس وحب الذات، وإن ظهر الجسد فهو يظهر من خلال رؤية محبة له لذاته. ففى مجموعتها «ولا أشهى» تلجأ إلى الحلم والتخيل لفعل الحب عن طريق صور مكثفة وغير مباشرة ولكنها موحية ومفعمة بروح الغواية والتحرر ولكن بطريقة ملتوية ناعمة كالحرير، لتقف بأسلوبها الملئ بالإيحاء فى مواجهة فايزة سعيد التى انتهجت مبدأ المباشرة والتصريح الكلى فى كتابة الجسد . ولكن كلتاهما تواجهان قمع الستر الجبرى المفروض على النساء بأسلوب الكشف والتكشف بسلاح سلمى اسمه الكتابة. وهكذا مابين الرواية والشعر مازالت المرأة الأديبة تكتب وتناضل من أجل حقوقها المسلوبة . ولكن هل ستبقى اهتماماتها أحادية تتمحور حول الرجل حبا وبغضا، ظالما ومعشوقا؟